لبنان في مفترق طرق مع قرب انتهاء ولاية عون

مع بدء العد العكسي لنهاية ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون، لا يزال الفرقاء المارونيون غير متفقين على شخصية تخلفه، وهو ما يضع الاستحقاق الرئاسي في دائرة التأجيل والدخول في فراغ رئاسي يحذر مراقبون من تداعياته على استقرار البلد المنهك اقتصاديا.
بيروت- وضعت الخلافات التي تحول دون استكمال الاستحقاقات الدستورية لبنان في مفترق طرق مع قرب نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر القادم من دون توافق على من سيخلفه، وفي ظل تجاذبات عميقة تحول دون ولادة حكومة جديدة.
ولا يتوقع متابعون انفراجة قريبة للاحتقان السياسي في ظل التلاسن الذي وصل إلى حد توجيه الاتهامات بتعطيل الاستحقاقات الدستورية (الحكومة وانتخابات الرئاسة) بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (صهر عون).
ويؤكد المتابعون أن ذلك يضع لبنان أمام سيناريوهان: إما الذهاب إلى حكومة أمر واقع وإنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها أو الذهاب نحو الأسوأ، إذ تنتظر بيروت حزمة من الإصلاحات العاجلة ومفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي لتأمين تمويل إصلاحات اقتصادية واجتماعية ضرورية.
ويستبعد اقتصاديون أن يبدأ صندوق النقد الدولي مفاوضات مع لبنان في ظل أزمة سياسية وغياب مؤسسات منتخبة.
الخلافات تضع لبنان أمام سيناريوهين: إما إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر سلفا أو الذهاب نحو الأسوأ
وتقول مصادر لبنانية إن الشغور في سدة الرئاسة في ظل حكومة تصريف الأعمال هو السيناريو الأخطر الذي ينتظر اللبنانيين، على اعتبار أنه سيكون المقدّمة لأزمة نظام لا أحد يستطيع أن يتكهن بكيفية الخروج منها، لاسيما وأنّ الجميع يهدد برفع سقف مطالبه في هذه المرحلة، بينما من المتوقع أن تستخدم فيه كافة الأسلحة السياسية اللازمة لتحسين الشروط.
وأكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن حزب “القوات لا يريد فراغا رئاسيا، بل إن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لا يريد السير بأي رئيس سواه”.
وشدد، على أن “القوات لا يقبل برئيس من الممانعة، وإذا وصل رئيس من هذا المحور، فسنكون في المعارضة ولن نشارك في أي حكومة”، ورأى أنه “لا لزوم لاستعمال سلاح التعطيل في الانتخابات الرئاسية”، لافتاً إلى أن “البحث حاليا يتمحور حول كيفية الوصول إلى أسماء موحدة ثم إلى اسم موحد للوصول به إلى مجلس النواب”.
وحول مواصفات الرئيس، قال جعجع “القوات يريد رئيسا إنقاذيا وجامدا لا يخيفه أحد، أي رئيس يسهر على مصالح الدولة، على أن يكون إصلاحيا”، معتبراً أن “اسم سليمان فرنجية مرفوض بسبب انتمائه إلى المحور الآخر، ولكن لم نشن حملة عليه لأن باسيل يتكفل بذلك”.
وبدأت منذ بداية الشهر الحالي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، دون توافق ماروني على شخصية لخلافة الرئيس عون، وهو ما ينذر بفراغ رئاسي يقول مراقبون إنه بات في حكم الأمر الواقع.
وبحسب الدستور اللبناني، يتعين اجتماع مجلس النواب وذلك بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس وفقا للدستور.
وفي حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة المحددة يصبح موقع رئاسة الجمهورية شاغراً وتنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة.
ولكن عون أعلن مؤخرا، أن حكومة تصريف الأعمال غير مؤهلة لتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية إذا تعذر انتخاب رئيس جديد.
وأكد الرئيس اللبناني أنه سينتقل إلى منزله في الرابية، “عند منتصف ليل الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل”، آملاً “في أن يسلّم القصر إلى رئيس جديد، فإن تعذر ذلك، إلى حكومة أصيلة مكتملة المواصفات والصلاحيات”.
وأما في حال تعثر انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الجديدة، أوضح عون قائلا “مثل هذه الحكومة غير مؤهلة لتسلّم صلاحياتي بعد انتهاء ولايتي، وأنا أعتبر أنها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية”.
وألمح إلى أنه إذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة قبل نهاية أكتوبر المقبل، وكان هناك إصرار على استبعاده، فإنه ستكون هناك علامة استفهام تحيط بخطوته التالية وبالقرار الذي سيتخذه في ذلك الوقت.
مخاوف من إقدام عون على تعيين باسيل رئيسا لحكومة انتقالية قبل نهاية عهدته وهو ما يحصن رئاسة الجمهورية بعد خروجه
وعبرت مصادر سياسية عن خشيتها من إقدام عون على تعيين باسيل رئيسا لحكومة انتقالية قبل نهاية عهدته وهو ما يحصن رئاسة الجمهورية بعد خروجه.
وأشارت المصادر إلى انكباب مستشارين حقوقيين على استخراج اجتهادات في نطاق حكم الضرورة، تبرر لرئيس الجمهورية القيام بخطوتين كبيرتين في الأمتار الأخيرة قبل مغادرته قصر بعبدا، تتمثل الأولى في سحب تكليف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، والثانية في تعيين جبران باسيل رئيسا لحكومة انتقالية ووضع الجميع أمام أمر واقع.
وتشير المصادر إلى بدء الحديث عن رئيس ماروني لحكومة انتقالية تملأ الفراغ الرئاسي حال حصوله، على غرار الحكومة العسكرية الانتقالية التي شكلها ميشال عون في عام 1989 بتكليف من رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل.
وكان الرئيس الأسبق أمين الجميل قد كلّف في آخر يوم قبل انتهاء عهدته الرئاسية قائد الجيش آنذاك ميشال عون بتكوين حكومة عسكرية انتقالية تتولى مسؤوليات رئيس الجمهورية، بعدما عجز المجلس النيابي عن انتخاب خليفة له.
ولا يستبعد محللون لجوء الرئيس عون إلى استنساخ هذا السيناريو على الرغم من أن الظروف ليست مماثلة لعام 1989.