فيلم "اليتيمة".. تملّك الأفعى لا يعني القدرة على ترويضها

عائلة تسقط في شراك قاتلة محترفة في شكل طفلة.
الأحد 2022/09/11
البراءة تخفي شخصا مرعبا

في السنوات الأخيرة تغير أبطال أفلام العنف المليئة بالقتل والدماء والجرائم المريبة، فلم يعودوا قبيحي الشكل أو منعزلين ومعقدين، بل باتوا أكثر قبولا، شخصيات لطيفة واجتماعية وتنال الإعجاب، تخفي خلف أقنعتها قتلة فتاكين.

تنحو الذات البشرية باتجاه الاستجابات والدوافع المختلطة التي تفعل فعلها في شكل ردود أفعال شتى، وما بين الدوافع والاستجابات وردود الأفعال نتوقف عند بناء الشخصية في أشد أزماتها ضراوة، والتي تؤسس في بعض الأحيان للسلوكيات العنفية والإجرامية.

ذلك ما سوف نتابعه ونحن نشاهد تلك الشخصية الطفولية التي تخبئ في داخلها كائنا إجراميا راشدا ومولعا بالإجرام وغارقا في الأنانية، وهو الذي يقدمه فيلم اليتيمة ابتداء من جزئه الأول الذي يعود إلى العام 2009، وها هو المخرج وليام برينت يقدم الجزء الثاني الذي يعرض في الصالات الآن ليعود بنا إلى أولى الجرائم وعمليات العنف والقتل التي كانت قد ارتكبتها إيستر (الممثلة إزابيل فورهمان).

فك الألغاز

الدراما الفيلمية تسير على العديد من المسارات وكأنها عملية فك ألغاز وما تلبث أن تتعقد في كل مرة

نعود مع الجزء الجديد إلى بدايات القصة وكيف تمكنت تلك الشخصية السيكوباثية في وجهها وشكلها وحجمها الطفولي الذي يستوجب الرأفة أن توقع بضحاياها.

في البدء سوف نتأكد أننا أمام فتاة في حوالي الثلاثين من العمر، بينما هي لا تزال تبدو وكأنها في التاسعة من عمرها بسبب خلل هرموني يحول دون نموها الطبيعي، ومع ذلك فإنها تحافظ على صفاتها الطفولية وبما في ذلك إخفاء أي علامة من علامات النمو الأنثوي مثل نمو الصدر وما شابه، فتلفّه بقماشة تجول دون بروزه.

ها هي تجهز أولا على حارس مؤسسة الرعاية التي تعيش فيها وفي إستونيا، ثم تتمكن من التسلل إلى معلمة الفن والتي تخصصت بالعلاج بواسطة الفن، وما إن تصل إلى منزل المعلمة حتى تجهز عليها هي الأخرى، وتفاجأ بالشبه بينها وبين فتاة مفقودة في الولايات المتحدة تدعى إيستر وهي تنحدر من عائلة ثرية.

لنعد إلى الدوافع وميكانيزمات الذات والصراع التي طبعت تلك الدراما الفيلمية، فهذه الفتاة التي تتنكر وراء طفلة صغيرة تفتح سمعها وبصرها بكل دقة على كل من هم حولها، وتراقب أدق أفعالهم وردود أفعالهم تحسبا من أي سلوك عدواني مضاد لها، ساعتها تبدأ التخطيط لعملية الانتقام.

تسير الدراما الفيلمية على عدة مسارات، ترتبط أولا بالوالدة المفترضة تريسيا (الممثلة جوليا ستيلس) وبالعائلة التي تنتظر بفرح وصبر عودة ابنتها المفقودة منذ سنوات، ولنا أن نتخيل عاطفة الأمومة المتدفقة.

 بالطبع هذا الإحساس يتكون لدى المشاهد بينما كاتب السيناريو والمخرج يخفيان عنا حقيقة كارثية أن الأم متأكدة من موت ابنتها الحقيقية، فلماذا قبلت باستقبال تلك الفتاة؟

وكأنها عملية فك ألغاز تشارك فيها استشارية نفسية تابعة للشرطة ومحقق في الشرطة وبمعرفة الأم، لينتهي الأمر بضابط الشرطة إلى الوصول إلى استنتاج أن إيستر هي ليست نفسها الفتاة المختفية المفقودة الحقيقية، حيث لا يوجد أي تطابق في البصمات.

مسارات درامية

شخصية طفولية تخبئ في داخلها كائنا إجراميا راشدا ومولعا بالإجرام وغارقا في الأنانية

التحرّي النفسي والبوليسي يقوم على فكرة هل أن الفتاة حقيقية؟ وهل أنها بعد سنوات الغياب يمكن أن تنسجم مع الأسرة؟ لكن الفتاة في الواقع تلتقط ما يخبّأ لها وتدرك أن رجل الشرطة كان قد دخل غرفتها وحصل على شعرة منها لغرض تحليل دي.أن.أي وحصل على بصمتها أيضا، وأنها ليست هي إيستر المفقودة، لهذا سوف تحين ساعة الانتقام وعندها تتسلل إلى غرفة المحقق وتطعنه بالسكين لتفاجأ بتريسيا، أو والدتها غير الحقيقية وهي تطلق رصاصة الرحمة على الشرطي.

وكأن تحالفا قد بدأ بين امرأتين سريرتين وليس بين أم وابنتها، والتحالف يقوم على فكرة الطاعة وأن تنفذ إيستر كل ما تطلبه تريسيا، وبذلك سوف تتخذ الأحداث مسارا آخر مختلفا وغير متوقع.

لنلاحظ أن السرد الفيلمي قد ابتعد في البداية عن الإيحاء بتلك الفكرة الجنونية القائمة على التحالف بين قوتي الشر، وذلك لكي ننتقل تباعا إلى ما سوف تؤول إليه السلوكيات والدوافع الإجرامية وكيف سوف تتشكل.

هنا ثمة حبكات ثانوية أو فرعية دفعت البناء الدرامي إلى مسارات عدة مختلفة، ومنها مثلا ذلك المشهد الذي يجمع ما بين الأم والابنة من حول جثة الشرطي، ثم انكشاف حقيقة قتل الابن لشقيقته التي أذاعت العائلة أنها مختفية بينما هي مقتولة، وهكذا سوف تلتحم المسارات السردية في خط درامي قائم على فكرة الانتقام الذي لا رجعة فيه، والذي سوف يكون الابن الشاب ضحيته بسبب سهم تطلقه إيستر إلى قلبه، ثم تطعنه مرات عدة لتجد الأم ابنها غارقا في بركة من الدم، وتبدأ الصفحة الأخيرة من القتل والانتقام بين الطرفين.

ها هي لعبة الكر والفر بين الطرفين قد وصلت إلى نهاياتها الحتمية، تعلم الأم أن تملّك الأفعى لا يعني القدرة على ترويضها، بينما هي ظنت أن المزيد من مآربها سوف تتحقق وإذا بها أمام غول لا سبيل للانتصار عليه ممثلا في ذلك الكائن ذي الشكل الطفولي، والذي يخبئ في داخله طاقة واستعدادات قاتل محترف ومتمرس، ولهذا سوف تتجسم النهاية، المنزل المحترق والشخصيات تتساقط تباعا يبتلعها الموت والحريق، بينما إيستر هي الباقية التي سوف تستحق العطف مرة أخرى لتمضي إلى رحلتها التالية.

14