حقوق عمال غزة تنتهك في غياب حد أدنى للرواتب

غزة - يشتكي الفلسطيني شعبان مطير من مرور سبعة أعوام على عمله في شركة محلية في غزة من دون أن يتقاضى أي زيادة على راتبه، الذي لا يتناسب في الأساس مع الحد الأدنى للرواتب المعمول به في الضفة الغربية. ومطير في مطلع الثلاثينات من عمره، عامل نقل في شركة محلية لتجارة المواد التموينية، ويقول إن راتبه لا يتجاوز 320 دولارا أميركيا منذ تعيينه، علما بأنه يحمل شهادة جامعية.
ويوضح مطير أن الشركة التي يعمل لديها كحال باقي شركات قطاع غزة لا تطبق الحد الأدنى للرواتب ولا بنود قانون العمل، لكنه مجبور على قبول الأمر الواقع في ظل انعدام فرص العمل المتاحة. ويقول نقابيون فلسطينيون إن العمال في غزة يتقاضون رواتب زهيدة في مقابل ساعات عمل طويلة في مهن شاقة، تتجاوز تسع ساعات يوميا في غياب تحديد أدنى للرواتب.
ويتقاضى خالد سعد الذي يعمل في مطعم محلي ستة دولارات أميركية في اليوم الواحد، في ظروف عمل يصفها بالسيئة وساعات عمل تصل إلى عشر ساعات يوميا. ويقول سعد إنه يعمل مع 11 عاملا آخرين في المطعم، جميعهم لا يطبق عليهم الحد الأدنى للرواتب ولا يحصلون على أي من الحقوق، بما في ذلك الإجازة الأسبوعية المدفوعة وبدل ساعات العمل الإضافية.
◙ هناك قطاعات لا يتجاوز إجمالي الدخل الشهري للعاملين فيها 150 دولارا أميركيا شهريا، مثل رياض الأطفال التي يعمل بها قرابة أربعة آلاف سيدة
ويضيف أنه "لا يوجد تقدير للعمال، فالأعمال شاقة في كافة القطاعات والرواتب متدنية، وأصحاب العمل يبتزوننا لعلمهم بعدم وجود بدائل جيدة". وبحسب نقابيين في غزة، فإن هناك قطاعات لا يتجاوز إجمالي الدخل الشهري للعاملين فيها 150 دولارا أميركيا شهريا، مثل رياض الأطفال التي يعمل بها قرابة أربعة آلاف سيدة.
ولا يوجد تطبيق للحد الأدنى للرواتب في قطاع غزة على غرار ما هو مطبق في الضفة الغربية، في ظل تأثيرات واقع الانقسام الداخلي المستمر منذ منتصف عام 2007، على إثر سيطرة حركة حماس الإسلامية على الأوضاع في القطاع.
وفي مطلع أبريل الماضي دخل قرار مجلس الوزراء الفلسطيني في الضفة الغربية، الذي تم اتخاذه في أغسطس 2012، حيز التنفيذ بشأن رفع الحد الأدنى للرواتب بنسبة نحو 30 في المئة إلى 1880 شيكلا (582 دولارا) من 1450 شيكلا (449 دولارا) سابقا. وبحسب بيانات للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبلغ متوسط الرواتب في الأراضي الفلسطينية 88 شيكلا (27 دولارا يوميا)، فيما ينخفض في قطاع غزة إلى 43 شيكلا (13 دولارا)، بينما يرتفع في الضفة الغربية إلى 104 شواكل (32 دولارا).
وتشير بيانات جهاز الإحصاء إلى أن ثلث العاملين في القطاع الخاص (130 ألف عامل)، يتقاضون أقل من الحد الأدنى للرواتب بقيمته الحالية، بينما لا يتم تنفيذه أصلا في قطاع غزة. وحث وزير العمل في الحكومة الفلسطينية نصري أبوجيش في تصريحات صحافية سابقة “القائمين على تنفيذ القانون في قطاع غزة بالالتزام بالحد الأدنى للرواتب، في ظل المأساة الكبيرة الحاصلة في الرواتب هناك".
وبحسب قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، فإن المادة 89 فيه تُلزم بتطبيق الحد الأدنى للرواتب الذي تحدده لجنة الرواتب، ويعتمد قرارها مجلس الوزراء، ومن يخالف يعرض نفسه للعقوبات. وعلى الرغم من أن قرار تحديد حد أدنى للرواتب الذي اتخذه مجلس الوزراء هو تشريع قانوني أساسه بنود قانون العمل الفلسطيني، فإنه لم يتم الالتزام به في قطاع غزة، وبقيت الرواتب أقل من حدها المنصوص عليه، ومن دون تحديد سقف أدنى لها.
ويقول المتحدث باسم وزارة العمل في غزة شادي حلس إن الجهات الحكومية المختصة في القطاع تدرس الوضع الاقتصادي لتحديد قيمة الحد الأدنى للرواتب، الذي يتناسب والواقع الذي يعيشه السكان. ويعتبر حلس أن المبلغ الذي أقرته الحكومة الفلسطينية في رام الله بقيمة 420 دولارا كحد أدنى للرواتب “من الصعب جدا تطبيقه في غزة، في ظل الوضع الاقتصادي المتهالك وحقيقة أن هناك أرباب عمل لا يحصلون على هذا الرقم طيلة شهر".
◙ على الرغم من أن قرار تحديد حد أدنى للرواتب الذي اتخذه مجلس الوزراء فإنه لم يتم الالتزام به في غزة وبقيت الرواتب أقل من حدها المنصوص عليه
ويشير إلى أن الانقسام الفلسطيني الداخلي أعاق ولا يزال التفاهم مع الحكومة في رام الله بشأن حد أدنى متفق عليه للرواتب، يضاف إلى ذلك التفاوت في الحالة الاقتصادية بين غزة والضفة الغربية. وتدفع الجهات الحكومية في غزة لموظفيها نحو 350 دولارا شهريا، ولعمال النظافة 195 دولارا، ما يجعل أرباب العمل يتساءلون كيف لها أن تجبرهم على دفع 420 دولارا للعمال بحسب ما هو مطبق في الضفة الغربية؟
وظلت دعوات تطبيق الحد الأدنى للرواتب وضمان حقوق العمال تقتصر على الفعاليات في المناسبات المختلفة، التي تقيمها النقابات والمنظمات التي تعنى بحقوق العمال من دون تنفيذها. ويقول رئيس اتحاد نقابات عمال غزة سامي العمصي إن الجهود النقابية مستمرة لوضع الحد الأدنى للرواتب، وتمت مطالبة الجهات الحكومية والتشريعية في القطاع بذلك بشكل دائم.
ويوضح العمصي أنه لا يمكن استمرار تجاهل أن واقع العمال في غزة ينحدر من سيء إلى أسوأ، مقابل رواتب زهيدة، وأن سوء الوضع الاقتصادي في القطاع لا يجب أن يبقى شماعة يعلق عليها أرباب العمل سبب دفعهم رواتب غير مناسبة للعمال. ويضيف أن استمرار أكثر من 250 ألف عامل في القطاع لا يتلقون حدا أدنى للرواتب يتناسب مع ظروفهم المعيشية الصعبة، أمر غير مقبول، لاسيما أن القانون الفلسطيني يضمن لهم ذلك ويُعاقب أرباب العمل غير الملتزمين به.
وبحسب العمصي، فإن مبلغ 300 دولار قد يكون مناسبا كحد أدنى للرواتب في قطاع غزة، وقد يستفيد منه نحو 70 في المئة من إجمالي العمال، وهو ما قد يدفع إلى تحسين الوضع الاقتصادي بما أن مستوى دخل الأفراد سيرتفع. ويبرز نقابيون أن حتى الحد الأدنى للرواتب المعمول في الضفة الغربية (420 دولارا)، يعد أقل من خط الفقر المدقع الذي حددته هيئة الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية بنحو 530 دولارا.
ويعاني قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليون نسمة، من حصار إسرائيلي تم فرضه منذ عام 2007، بعد جولات الاقتتال الداخلي التي أفضت إلى سيطرة حماس بالقوة على القطاع. وبحسب بيانات رسمية، تتجاوز معدلات البطالة في قطاع غزة 60 في المئة والفقر نحو 80 في المئة، في وقت تقول تقديرات لمنظمات أهلية إن نحو 300 ألف خريج جامعي لم يجدوا فرصة عمل ولو لمرة واحدة منذ تخرجهم.