اقتصاديات الصحافة المصرية تعتمد على وزارة التعليم

توقف طباعة كتب المدارس في المطابع المملوكة للمؤسسات الصحافية يعمق أزمات الصحف.
السبت 2022/09/10
سوق الطباعة في ورطة كبيرة

عكست تصريحات لمسؤولين في الهيئة الوطنية للصحافة بمصر حول المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الصحف القومية بعد تراجع معدلات طباعة الكتب المدرسية عمق الأزمة المالية التي تعصف بالمؤسسات التي يديرونها بعد أن كانت الكتب الورقية أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة إلى الصحف.

القاهرة - قال عبدالصادق الشوربجي رئيس هيئة الصحافة المصرية إن توقف طباعة كتب المدارس في المطابع المملوكة للمؤسسات الصحافية أثر سلبا عليها، ودعاه إلى ضرورة أن تكون للصحف نسبة من عوائد الطباعة للوفاء باحتياجاتها المالية.

وأقر الشوربجي في اجتماع عقده مع رضا حجازي وزير التربية والتعليم بحضور رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف أخيرا بأن هناك مطابع توقفت وبحاجة إلى تشغيل على وجه السرعة في ظل احتكار بعض دور النشر طباعة الكتب المدرسية التي تصل إلى عشرات الملايين من النسخ سنويا، ويتم حرمان المؤسسات الصحافية من عوائد مالية كبيرة مثّلت مصدرا مهما لها في وقت مضى، وهو الأمر الذي وعد وزير التعليم بإعادة النظر فيه من دون تعهد محدد بالعودة إلى الصيغة السابقة.

تأثرت مطابع المؤسسات الصحافية القومية بقرار وزارة التعليم الذي ينص على تحويل العديد من كتب المرحلة الثانوية إلى إلكترونية والتوقف عن طباعتها واستبدالها بحواسب آلية (التابلت)، حيث يتم توزيعها على الطلاب سنويا، فيما تقتصر عملية الطباعة على الكتب الخاصة بالصفوف الدراسية الأخرى.

استمرار الفهم الخاطئ لطبيعة الأزمة التي تعاني منها الصحف القومية يقود إلى تراكم الأزمات الاقتصادية والمهنية

كانت طباعة الكتب المدرسية تمثل بالنسبة إلى المؤسسات الصحافية التي تمتلك مطابع ضخمة موردا ماليا كبيرا، لأن المخصصات المالية للكتب بلغت وقتها، أي حتى عام 2017، نحو ملياري جنيه (300 مليون دولار وقتها) ومن المؤكد أن هذا المبلغ زاد مع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وكانت كل مؤسسة صحافية تتحصل حتى ذلك الوقت على ما لا يقل عن 300 مليون جنيه (نحو 20 مليون دولار)، نظير النسبة المخصصة لها من الطباعة.

ومعروف أن المؤسسات الصحافية التي تمتلك مطابع خاصة بها، هي: الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف، والشركة الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع، وحصلت على أكثر من نصف إجمالي نسبة طباعة الكتب المدرسية كل عام، وكانت النسب الباقية توزع على المطابع الخاصة ودور النشر والمطابع الرسمية.

يشكو مسؤولو الصحف القومية (الحكومية) من ارتفاع خامات طباعة الصحف إلى مستويات قياسية، جراء تحرير سعر الجنيه المصري، فأغلب أدوات الطباعة يتم استيرادها من الخارج، وتراجعت المكاسب بسبب انخفاض معدلات توزيع الصحف الخاصة وكانت تطبع في المؤسسات القومية، وتوقف وزارة التعليم عن طباعة كتبها.

واعتمدت المؤسسات الصحافية الحكومية الكبرى في تحسين مواردها على طباعة الكتب المدرسية لامتلاكها ترسانة متطورة من المطابع، غير أن الأوضاع الاقتصادية والتوسع في التحول الرقمي ضرب أحد أهم مصادر الدخل، وصارت تواجه شبح التوقف تماما إذا لم تكن هناك حلول عاجلة للأزمة.

وأسندت وزارة التعليم طباعة الكتب إلى دور نشر خاصة لعدة أسباب، أهمها أنها تتقدم بعروض أسعار أقل مما تتقدم بها مطابع الصحف القومية، وتساعد دور النشر الوزارة في عمليات تأليف المناهج الجديدة مقابل الحصول على نسبة أكبر من الطباعة.

ولجأت بعض المؤسسات الصحافية إلى الاقتراض من البنوك للتوسع في إنشاء مطابع وتطوير أخرى موجودة لديها كي تستطيع الحصول على نسبة أعلى من وزارة التعليم بشأن حصيلة الكتب المطلوب طباعتها كل عام، لأنه يجري توزيع النسب على المؤسسات الصحافية والمطابع الخاصة حسب قدراتها الطباعية، حيث كانت تعتقد أن سوق الطباعة سوف يظل على رواجه السابق.

حتى لو كانت أزمة الصحف اقتصادية بحتة فإن التمعن في أسبابها يفضي إلى مشكلة مهنية
حتى لو كانت أزمة الصحف اقتصادية بحتة فإن التمعن في أسبابها يفضي إلى مشكلة مهنية

ووضعت هذه المؤسسات نفسها في ورطة كبيرة، لأن المطابع التي أنشأتها حديثا أو التي تم تطويرها بأموال اقترضت من البنوك لم تعد ذات جدوى، وأصبحت مضطرة إلى سداد القروض للبنوك، ما ساهم في تعظيم خسائرها المالية، في وقت لم تعد فيه طباعة الصحف الورقية نفسها تحقق مكاسب مالية.

وقبل خمس سنوات، وقعت أزمة بين وزارة التعليم وبعض المؤسسات الصحافية، لأن مطابع الأخيرة لم تلتزم بالمواعيد المحددة مسبقا لتسليم الكتب المطبوعة للمدارس، وحينها بدأ العام الدراسي قبل أن يتم الانتهاء من الطباعة، وبعدها بدأ التفكير في البحث عن بدائل واستقر الأمر على دور النشر الخاصة التي بدت ملتزمة ومنضبطة مقارنة بمطابع المؤسسات الصحافية.

وتعاني مجموعة من هذه المؤسسات من روتين قاتل في التعامل مع ملف الطباعة، على الرغم من أنها لو نجحت في ضبط النواحي الإدارية بعيدا عن البيروقراطية لنجحت في جني موارد مالية ضخمة، لأن وزارة التعليم تخصص مبالغ مالية كبيرة نظير طباعة الكتب الدراسية بخلاف ما تنفقه على طباعة الامتحانات والوثائق الأخرى.

مسؤولو الصحف القومية (الحكومية) يشكون من ارتفاع خامات طباعة الصحف إلى مستويات قياسية، جراء تحرير سعر الجنيه المصري

وقال الخبير الإعلامي جلال نصار إنه أمام الأعباء الاقتصادية الملقاة على عاتق الحكومة سيكون من الصعب الاستمرار في دعم الصحافة المطبوعة، مثلما كانت تفعل من قبل، والحل أن تبحث المؤسسات عن مصادر معاصرة لجني الأرباح بعيدا عن المسارات التقليدية، مثل الإعلانات، بعد أن ذهب أغلبها إلى التلفزيون والمنصات الرقمية.

وأضاف لـ”العرب” أنه على الصحافة القومية توسيع جماهيريتها قبل أن تفكر في البحث عن دعم حكومي، ما يتطلب حدوث تطوير في شكل ومضمون الصحافة المطبوعة والإقرار بضرورة الإصلاح الإداري والاستعانة بكوادر قادرة على صناعة الفارق ليكون القارئ أكثر حرصا على دعمها والحفاظ عليها ضد تحديات المستقبل.

ويشير متابعون للملف إلى أن استمرار الفهم الخاطئ لطبيعة الأزمة التي تعاني منها الصحف القومية يقود إلى تراكم الأزمات الاقتصادية والمهنية أيضا، لأن هناك تغييبا للمحتوى المحترف وتقليدية في التعامل مع القضايا الجماهيرية واعتمادا كبيرا على البيانات الرسمية، علاوة على غياب الفكر المحترف في الاستثمار.

وأصبح هناك شعور لدى بعض أبناء المهنة بوجود شبهة تعمد لاستمرار المؤسسات الصحافية على نفس الحالة لتكون هناك حجج للتوسع في دمج إصدارات وإلغاء أخرى، لأن الحكومة لو كانت تريد إنهاء الأزمات الاقتصادية لصحفها لأقدمت على إسقاط ديونها لوزارة المالية وساعدتها على إسناد طباعة الكتب الدراسية بالأمر المباشر.

حتى لو كانت أزمة الصحف اقتصادية بحتة فإن التمعن في أسبابها يفضي إلى مشكلة مهنية، لأن الإعلانات وهي تمثل أحد أهم الموارد المالية للمؤسسات باتت نادرة بفعل مقاطعة الكثير من المعلنين للصحف بعد أن هجرها الجمهور أمام تحولها إلى ما يشبه النشرات والبيانات وفشلها في جذب الناس.

16