انزعاج إعلامي مصري من منصات الستريمينغ بغلاف مجتمعي

غلّفت الحكومة المصرية التي تملك جهات تابعة لها منصة “واتش إت” مخاوفها من تنامي الإقبال على المنصات الأجنبية بغلاف مجتمعي برّاق، حيث تخشى من خسارة مادية ضختها في المنصة التي حققت انتشارا كبيرا بعد أن دخلت في منافسة مع آخرين نجحوا في تقديم محتوى يجذب الجمهور العربي عموما.
القاهرة - قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، الأربعاء، إصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات المحتوى الإلكتروني مثل نتفليكس وديزني، تشمل التزام المنصات بالأعراف واتخاذ الإجراءات اللازمة حال بث مواد تتعارض مع القيم المجتمعية للدولة، لافتا إلى أن أعداد المشتركين بهذه المنصات في مصر شهدت زيادات كبيرة.
ووجد مجلس الإعلام في العزف على وتر القيم المجتمعية أداة جيدة لتخويف الأسر المصرية من انجراف أبنائهم الشباب وراء المنصتين وغيرهما من المنصات الصاعدة حديثا، باعتبار أن رفع شعارات من هذا النوع يمكن أن يخفف مساعي الجمهور المصري وراء المنصات الأجنبية التي بدأت في طرح قضايا جدلية وتقديم محتويات تتمتع بقدر عال من الجرأة تلبي أذواق شريحة من الشباب.
ويصعب اختزال المشكلة في النطاق الأخلاقي ومدى الحرية التي تتمتع بها نتفليكس وديزني، لأن ما يتم تقديمه من محتوى متنوع يتسم بدرجة عالية من الاتقان والحرفية وبُني على دراسات لا تخلو من أهداف لدى أصحابها، لكنها لا تخضع لتوجيهات سياسية مباشرة ترتبط بأجندة تتدخل في الكثير من تفاصيلها الحكومات، كما يحدث في مصر ودول عربية .

خالد برماوي: المنصات العالمية يغيب عنها فهم المجتمعات العربية
وبدأت الحكومة المصرية تعتمد على منصة “واتش إت” كأداة إعلامية استطاعت من خلالها معالجة الكثير من القضايا التي أخفق الإعلام التقليدي فيها، وقدمت أعمالا في صميم اهتمامات النظام المصري الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وأكد خبير الإعلام الرقمي خالد برماوي أن تصاعد حدة التصادم الفكري بين نتفليكس والمجتمعات العربية دفع إلى التفكير في وضع قواعد تنظيمية لمنصات المحتوى الإلكتروني، ولدى جهات حكومية مصرية قناعة أن القواعد التي تضعها لتنظيم الاتصالات مع الشركات العالمية وتعمل بها في الأسواق المحلية يجب تكرارها بالنسبة إلى المنصات الرقمية التي تعد جزءا من سوق الإعلام الواسع.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن عدم التزام نتفليكس وديزني بأكواد حماية حقوق الطفل والاتجاه نحو التعرض لمحتويات جنسية أوجد مبررات لضرورة تنظيم عملهما، بعد أن واجهتا انتقادات عديدة ساعدت الجهات الرسمية على التحرك.
وأشار برماوي إلى أن المنصات العالمية يغيب عنها الفهم السليم لطبيعة المجتمعات العربية، في حين أنها تأخذ في التصاعد على مستوى تزايد معدلات الاشتراك فيها، ومازالت متأخرة في التوجه نحو الجمهور العربي لتقديم أعمال تتماشى مع ثقافته، وهناك عدد قليل من الأعمال ذات المضمون العربي قدمت خلال السنوات الماضية، ما فرض الحاجة إلى تدخلات حكومية تعالج هذا الخلل قبل اتساعه.
واختار المجلس الأعلى للإعلام هذا التوقيت للتأثير على انتشار نتفليكس بعد ضخ الحكومة أموالا طائلة على “واتش إت” لضمان تأثيرها وتحويلها من منصة درامية أنشئت منذ حوالي أربعة أعوام إلى منصة إعلامية نجحت في جذب قطاع كبير من الجمهور إليها، وظهرت معالم ذلك في العام الأخير الذي شهد اقبالا كبيرا عليها.
وعندما وجدت الحكومة المصرية هذه الأداة - المنصة مهددة بفقدان بريقها نتيجة دخولها في منافسة مع منصات أجنبية تملك إمكانيات كبيرة سارعت بإصدار تحذير على لسان مجلس الإعلام الذي أصدر بيانا مقتضبا ركز على القيم المجتمعية دون أن يتوقف عند طبيعة ما أسماه بالقواعد التنظيمية للعمل وحدود التدخل لتطبيقها، وما هي العقوبات التي تنتظر من يخترقها، وهل يستطيع السيطرة على التكنولوجيا الرقمية؟
وفتح الموقف المجال لأسئلة تنتظر إجابات عنها من قبل مسؤولي المجلس الأعلى للإعلام في القاهرة، لأن العبارات التي استخدمها مطاطة وفي حاجة إلى مذكرة تفصيلية تشرح أبعادها، خاصة أن هناك تعاونا من قبل فنانين وكتاب ومخرجين من مصر مع نتفليكس، فما هو مصير هؤلاء؟
تبدو الخطوة المصرية متعارضة مع حرية الرأي والتعبير، فمنظومة القيم المجتمعية حمّالة أوجه، ويختلف تفسيرها من مجتمع إلى آخر، بما فيها المجتمعات العربية نفسها، وهنا يجد مجلس الإعلام نفسه في مواجهة مأزق شهير بين حرية الرأي وقيم المجتمع.
ويمكن أن تفتح هذه الإشكالية أبوابا كثيرة على القاهرة، لأن نتفليكس وديزني والمنصات الغربية الشقيقة لهما تملك من الأذرع الإعلامية ما يجعلها تمثل صداعا لمصر في زاوية حرية الرأي والتعبير التي تتفاوت تفسيراتها بينها وبين معارضيها.
ويحق للمجلس قانونا وضع قواعده وتطبيقها، لكنه ربما يجد صعوبة في القيام بهذه المهمة على أكمل وجه في ظل الحيل الكثيرة التي تقدمها التكنولوجيا للتغلب على وسائل الحجب القسري، والتي أفقدت الكثير من الحكومات قدرتها على الهيمنة على وسائل الإعلام المعارضة لها، وهو ما يمكن أن ينسحب على المنصات. والمشكلة الأكبر أن القواعد المراد تطبيقها بصرامة قد تمنح رواجا للقاعدة العربية الشهيرة التي تقول إن “كل ممنوع مرغوب”، ما يعني إتاحة الفرصة للإقبال على المنصات الأجنبية بدلا من تقويضها أو حجب محتواها.
مجلس الإعلام وجد في العزف على وتر القيم المجتمعية أداة جيدة لتخويف الأسر المصرية من انجراف أبنائهم نحو المنصات الصاعدة حديثا
وإذا كان بإمكان الحكومة وقف تصوير أفلام ومسلسلات وبرامج منصات نتفليكس وديزني على الأراضي المصرية، فإن الأخيرتين لن يعدما إيجاد أماكن بديلة للتصوير، وهو ما حدث مع فيلم “أصحاب ولا أعز” وشارك فيه فنانون مصريون وصوّر في دولة أخرى، ولذلك تتطلب مواجهة التحدي طرقا غير تقليدية.
وسوف يؤدي التشدد الإعلامي مع المنصات الأجنبية إلى عزوف الكثير من الطواقم المصرية التي يحتاجها إنتاج أيّ عمل فني، الأمر الذي يمثل إهدارا للقوة الناعمة، وخسارة مادية لمن يعملون في هذا المجال، تنعكس محصلتها سلبا على مصر.
وإذا كانت القاهرة تريد الحفاظ على قوة منصة “واتش إت” والاستفادة منها ماديا ومعنويا عليها أن تقبل خوض المنافسة وتدخلها وهي مستعدة لها من خلال تقديم محتوى يضمن الحفاظ على جمهورها ويقود إلى زيادته، فالسوق بات مفتوحا، فاليوم نتفليكس وديزني وغدا سوف تدخل العديد من المنصات مجال المنافسة.
وبدلا من أن يبحث مجلس الإعلام في وسائل لتقليص حركة منافسي المنصة المصرية في رداء مجتمعي، عليه أن يوفر الأجواء المناسبة التي تساعد “واتش إت” على أن تصبح ندا قويا لشقيقاتها العربيات ومنافسا لا يستهان به لغيرها من المنصات الغربية.