غلاء تكاليف التعليم هاجس إضافي يؤرق اللبنانيين

العديد من المدارس الخاصة تستغل الفوضى من خلال فرض دفع الأقساط كاملة بالدولار.
الجمعة 2022/09/09
الاستثمار في المستقبل لمن استطاع إليه سبيلا

اعتبر خبراء أن غلاء تكاليف التعليم في ظل تدهور القدرة الشرائية لأغلب اللبنانيين أصبح فعليا إحدى الضرورات الضاغطة على الناس، مع غياب أي دور للدولة لمعالجة هذا الوضع، وسط بروز انتهازية من قبل المدارس الخاصة لتحصيل مقابل لخدماتهم بالعملة الصعبة.

بيروت – يسيطر القلق على معظم العائلات اللبنانية مع اقتراب بدء العام الدراسي، بسبب الصعوبات الاقتصادية، التي قد تحول دون تمكنها من دفع أقساط أبنائها بالمدارس الخاصة، بينما تواجه نظيراتها الحكومية صعوبة في فتح أبوابها.

وثمة إجماع على أن الظروف القاسية التي تمر بها الأوساط الشعبية، وحتى الطاقم التعليمي، ستكون لها تداعيات كبيرة مستقبلا، ليس فقط بسبب الانقطاع الدراسي وتأثيراته الاجتماعية، بل سيؤثر أيضا على إمكانية إيجاد وظائف في سوق العمل الذي يعاني أصلا.

وزادت تداعيات الحرب في أوكرانيا من أوجاع اللبنانيين، حيث بات هذا العام الأسوأ لناحية الغلاء وانهيار القدرة الشرائية للبنانيين، فبحسب البنك الدولي، بلغت نسبة التضخم أكثر من 210 في المئة مقارنة مع 130 في المئة العام الماضي و84 في المئة في 2020.

محمد شمس الدين: لا خيارات كثيرة أمام الأسر لمواجهة مصاريف الدراسة

وعلى وقع مستويات التضخم العالية وارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية، تراجعت القدرة الشرائية للناس إثر انهيار قيمة رواتبهم تأثرا بتراجع قيمة الليرة مقابل الدولار، وتبدو السلطات عاجز عن إحداث أي اختراق في جدار هذه الأزمة الخانقة.

وأفاد الباحث في المؤسسة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لوكالة الأناضول بأن حوالي 65 في المئة من الطلاب في لبنان يتلقون التعليم في مدارس خاصة، بينما النسبة المتبقية يزاولون تعليمهم في القطاع الحكومي.

ويبلغ رسم التسجيل بالمدارس الحكومية حوالي 250 ألف ليرة فقط (نحو 8 دولارات)، وهو مبلغ منخفض جدا مقارنة بنظيراتها الخاصة، التي يتراوح معدل أقساطها نحو 17 مليون ليرة (نحو 500 دولار)، وفق شمس الدين.

وفضلا عن الأقساط المرتفعة للمدارس الخاصة، فإن معظمها فرض دفعها بشكل كامل أو جزئي بالدولار، ما تسبب في ثقل اقتصادي لن تحتمله الكثير من العائلات، في البلد الذي يعاني من تراجع حاد في وفرة النقد الأجنبي.

وعن تمسك غالبية المواطنين بالتعليم في المدارس الخاصة بدلا من الحكومية، أشار شمس الدين إلى أن انعدام الثقة بالمدارس الحكومية وسوء التجهيزات في أبنيتها وتدني مستواها هو السبب في ذلك.

ومنذ منتصف أكتوبر 2019 يعاني لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، صنفها البنك الدولي بأنها واحدة من بين أشد ثلاث أزمات عرفها العالم، حيث أدت إلى انهيار مالي ومعيشي، وشح في الوقود والأدوية، وسلع أساسية أخرى.

كما أدت الأزمة إلى تفشي الفقر، وبلوغه مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت نسبة الفقر إلى نحو 75 في المئة من مجموع السكان، وفقا للجنة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة.

وكل المؤشرات تظهر أن لبنان يعتبر من الدول الأغلى لناحية التكاليف الدراسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

عناية عزالدين الدين: سقوف سحب الودائع من البنوك فاقمت متاعب الأساتذة

وتشير تقديرات إلى أن الأهل يتكبدون في المدارس ذات المستوى التعليمي الجيد نحو خمسة آلاف دولار في العام الواحد في المتوسط، وهو رقم ضخم مقارنة مع معدل الرواتب المعتمد.

وتتوقع رئيسة لجنة الطفل والمرأة في البرلمان عناية عزالدين حصول تسرب مدرسي نتيجة لهذا الواقع الاقتصادي الصعب، وعدم قدرة الكثير من الأهالي على دفع الأقساط المدرسية.

وأكدت أن لجنتها النيابية تنتظر الأرقام والإحصاءات حول التسرب المدرسي المتوقع من وزارة التربية، التي بدأت إعداد دراسة حول هذا الموضوع.

وأشارت عزالدين إلى أن هناك مخاوف من تأجيل العام الدراسي بسبب صعوبات عديدة، أبرزها أن الأساتذة في التعليم الحكومي لم يتقاضوا رواتبهم والتقديمات الاجتماعية عن الأشهر الماضية.

وما يزيد من الأعباء الاقتصادية للأساتذة، السقوف التي تفرضها المصارف على رواتبهم كحال كافة المواطنين، بحسب عزالدين.

وقالت إن “المدارس لا تتمكن للأسباب ذاتها من صرف كافة الأموال التي تمنحها إياها الجهات الأممية المانحة، خصوصا منظمة اليونيسف، وكذلك تواجه صعوبات في تأمين وقود المازوت لتوليد الطاقة”.

ويفرض القطاع المصرفي منذ أكثر من عامين قيودا على السحوبات المالية بالعملة الأجنبية، كما يضع سقوفا قاسية على السحوبات بالعملة المحلية، الأمر الذي يتسبب في احتجاجات شعبية بين الحين والآخر.

وتقول المحامية ملاك حمية، المستشارة الحقوقية بلجان الأهل بالمدارس الخاصة، إن فرض المدارس على الأهل دفع الأقساط بالدولار أمر مخالف للقانون.

وأوضحت أن هناك مدارس فرضت كامل الأقساط بالدولار، وبعضها الآخر فرض جزءا منها بالدولار. وقالت إن “ذلك سيتسبب في معاناة كبيرة لمعظم الأهالي، الذين يرزحون تحت وطأة الأزمة الاقتصادية” في البلاد.

ملاك حمية: إجبار المدارس على دفع الأقساط بالدولار مخالف للقانون

وزادت “هذا الأمر يهدد مستقبل الأجيال، ويحرمهم من حقهم في التعليم، ويؤدي إلى التسرب المدرسي، والفوضى داخل المجتمع”.

ولفتت إلى أن بعض المدارس تلتف على القانون الذي يحظر فرض الأقساط بالدولار، من خلال ابتداع تسميات أخرى مثل صندوق دعم أو مساهمات، وتفرض من خلاله على الأهل الدفع بالدولار، وهذا يعد مخالفة أيضا.

وهذا الواقع الصعب يأتي في ظل تلويح المعلمين والمعلمات في المدارس الحكومية بالإضراب وعدم استئنافهم التعليم في الموسم الجديد، في حال عدم تحسين رواتبهم.

والأسبوع الماضي، نفذ المعلمون في المدارس الحكومية وقفات احتجاجية في العاصمة بيروت وفي مدينتي طرابلس والنبطية، للمطالبة بتصحيح رواتبهم بما يتماشى مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

ولا تزال قيمة الليرة تسجل تراجعا ملحوظا، حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد مؤخرا 35 ألف ليرة في السوق الموازية، مقابل 1507 في السوق الرسمية، وهو السعر الذي بقي ثابتا لمدة أكثر من عقدين قبل اندلاع الأزمة عام 2019.

وأدى هذا الواقع إلى تراجع القدرة الشرائية للبنانيين إلى مستويات غير مسبوقة، في ظل اتباع الحكومة سياسة تخفيض دعم السلع الأساسية كالوقود، نتيجة عدم وفرة النقد الأجنبي المخصص للاستيراد، ما انعكس ارتفاعا كبيرا في أسعارها.

وأواخر أغسطس الماضي، أعلنت وزارة التربية تأجيل فتح أبواب المدارس الحكومية لمدة عشرة أيام، ليصبح الموعد في الخامس عشر من هذا الشهر بعدما كان مقررا في الخامس من الشهر ذاته.

ويأتي هذا التأجيل في ظل إضراب الموظفين في المؤسسات الحكومية من بينها وزارة التربية، حيث يطالب الموظفون بتحسين رواتبهم في ظل الانهيار المالي المستمر في البلاد.

10