علاقة السينما بالأدب عند العرب.. علاقة من طرف واحد

الحديث عن الرواية والسينما والعلاقة القائمة أو الممكنة بينهما حديث متشعب، إذ لا ينكر أحد استفادة السينما من الأدب الروائي بشكل لافت، بينما كان تأثر الرواية بالسينما في حدود استلهام بعض الأساليب، لكن هذه العلاقة لا يمكن حصرها في إطار معين، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، خاصة وأن العلاقة بين العالمين لا تعرف الثبات.
عمّان - تكتسب الرواية في الأدب العربي والعالمي بشكل عام، وفي فن الفيلم السينمائي بشكل خاص أهمية متميزة، لما قدمته للشاشات من أعمال هامة، تحقق فيها التكامل بين المكتوب والمرئي، مقدما أعمالا فنية رفيعة المستوى.
ويرد الكثيرون ازدهار الحراك السينمائي إلى الرواية، لكن تلك العلاقة تبقى جدلية، وهو ما دعا الدارسين إلى الاهتمام في كل مرة بتلك العلاقة البنائية والتي تراوح بين الانسجام والتباعد أحيانا، خاصة وأن الخيال السينمائي لا يمكنه تحقيق كل معطيات الخيال القرائي الذي يختلف مع كل قارئ.
وفي إطار البحث في تلك العلاقة بين السينما والرواية، أقيمت أخيرا ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين من معرض عمّان الدولي للكتاب ندوة تناقش تلك العلاقة الإشكالية التي ما تزال مثار بحث، خاصة حول مدى استفادة كل فن منهما من الآخر إن على مستوى التخييل والارتباط بالواقع أو على مستوى البناء الشكلي وطريقة الحكي.
علاقة إشكالية
منذ الثمانينات لم ينتج فيلم فلسطيني بالاستناد إلى رواية فلسطينية مع أنها حققت ولا تزال حضورا مميزا
بحث نقاد سينمائيون، في علاقة السينما بالرواية العربية، في ندوة “الرواية في السينما العربية: الأردن وفلسطين والعراق أنموذجا”، التي أقيمت مساء الأربعاء، ضمن فعاليات المعرض التي تقام في المركز العالمي للمعارض – مكة مول.
وألقى الناقد السينمائي ناجح حسن الذي أدار الندوة التي شارك فيها الناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات، وأستاذة النقد الأدبي في جامعة دهوك الأكاديمية العراقية كوثر جبارة، والصحافي والناقد الفني الفلسطيني يوسف الشايب، نظرة على علاقة الأدب والسينما، كما استعرض حسن أهم الأفلام العربية المأخوذة عن روايات لكبار الكتاب والأدباء العرب.
ونظرت الندوة في الإشكاليات التي تتعلق بتحول النص الروائي المكتوب إلى عمل سينمائي وفق رؤية المخرج أو كاتب السيناريو، حيث تتداخل اللغة السينمائية مع مساحات جديدة من النص الروائي المكتوب، ولذا يمكن أن يحدث بين النصين المتداخلين السينمائي والروائي اصطدام أو تجاوز لأيّ منهما. وقدم فيها المتدخلون رؤى مختلفة حول نشأة الفن السينمائي في عدد من البلدان العربية وبدايات علاقاته مع الروايات العربية التي شهدت أواسط القرن العشرين ازدهارا كبيرا.
في ورقتها المعنونة بـ”الرواية والسينما العراقية”، تطرقت الأكاديمية كوثر جبارة إلى تاريخ السينما العراقية، مشيرة إلى أنها بدأت في العام 1945، عبر إنتاج أول فيلمين سينمائيين مشتركين مع مصر، هما “ابن الشرق” الذي أنتج عام 1946 و”القاهرة بغداد” الذي أنتج عام 1947.
وقالت “تم تأسيس أول أستوديو تصوير سينمائي في بغداد عام 1948، ليتم إنتاج أول فيلمين عراقيين هما ‘ليلى في العراق‘ و‘عليا وعصام‘ عام 1949”.
لم تعد هناك مؤسسة للسينما الفلسطينية التي خرجت من رحم حركة "فتح"، ولم تعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو "الديمقراطية" وغيرها تنتج أفلاماً، إلا ما ندر
وأضافت “ساهم تأسيس مصلحة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد في إنتاج عدد كبير من الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة والقصيرة”.
في حين اختار يوسف الشايب عنوان “ما بعد كنفاني.. قطيعة ما بين الرواية والسينما الفلسطينيتين”، عنوانا لمداخلته التي قال فيها “ما بعد روايات غسان كنفاني، وما بعد العام 1984، ليس ثمة فيلم فلسطيني، أنتج بالاستناد إلى نص روائي فلسطيني، مع أن عديد الروايات الفلسطينية حققت ولا تزال حضوراً محلياً وعربياً بل وعالمياً، وحصدت الكثير من الجوائز المهمة على المستوى العربي، ونافست على جوائز عالمية، ولهذا بطبيعة الحال أسبابه”.
وأوضح من أبرز الأسباب، أنه لم تعد هناك جهات إنتاجية تتبع منظمة التحرير الفلسطينية، أو منظمات وحركات في إطارها، كما كان في نهاية الستينات وحقبة السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي في الأردن وبيروت، في حين لم تعد مؤسسات السينما العربية الرسمية، على قلتها، تلتفت إلى القضية الفلسطينية، خاصة بعد أن غادرها الفلسطينيون أو أنصارهم ممن كانوا يعملون فيها،
فلم تعد هناك مؤسسة للسينما الفلسطينية التي خرجت من رحم حركة “فتح”، ولم تعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو “الديمقراطية” وغيرها تنتج أفلاماً، إلا ما ندر، في مرحلة “ما بعد أوسلو”.
وبيّن الشايب أن الأفلام التي أنتجت من وحي روايات “عائد إلى حيفا”، و”رجال في الشمس”، منها ما أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا (فيلم “المخدعون” للمصري توفيق صالح 1972)، وعليه فهو فيلم سوري، ومنها ما أنتجته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل أساسي (فيلم “عائد إلى حيفا” للعراقي قاسم حول 1984)، وهو فيلم فلسطيني هنا وفق التصنيف الذي يلحق الفيلم بالشركة المنتجة إلا في حال كان متعدد جهات الإنتاج.
وأضاف “مع ذلك أنتجت سوريا في العام 1995 فيلم ‘المتبقى‘ للإيراني سيف الله داد عن رواية ‘عائد إلى حيفا‘ أيضاً، وعليه فإن الإنتاج السينمائي الفلسطيني الوحيد المتكئ على نص روائي هو فيلم الجبهة الشعبية لقاسم حول”.
الأمانة للأصل
العلاقة بين السينما والأدب غالبا ما تثير مسألة مدى أمانة الفيلم السينمائي للأصل الأدبي وهي معادلة صعبة
أهم رابط يجمع بين عالم الفنون الدرامية والرواية هو عنصر السرد والقص، ولهذا يسعى العاملون في الحقل السينمائي لتحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام، وأحيانا إلى مسلسلات تلفزيونية وهذا لتداخل الحقلين. كما استفادت السينما من الشعر فظهرت ما أطلق عليها “السينما الشعرية”، لكن عربيا لم يكن هذا النمط دارجا، إذ اكتفت السينما بأن تكون سردا للقصص، وصولا إلى بعض الأفلام التجريبية في السنوات الأخيرة، والتي ثارت على النمطية والبنية السردية للفيلم. فيما تبقى مسألة الأمانة القضية الأولى التي يناقشها الباحثون في دراسة علاقة السينما بالأدب.
وفي هذا الصدد تطرق الناقد السينمائي عدنان مدانات في ورقته المعنونة “السينما العربية والأدب” إلى الإشكالية الأساسية المرتبطة بعلاقة السينما بالأدب، وهي مدى أمانة الفيلم السينمائي للأصل الأدبي.
وقال مدانات “هذه إشكالية ذات طبيعة أخلاقية بالدرجة الأولى، حيث أن نقاط الاتفاق حول المسائل الأخرى الفنية ودرامية الطابع المرتبطة بعملية تحويل النص الأدبي إلى فيلم سينمائي أكثر بكثير من نقاط الاختلاف”.
ونوه مدانات إلى أن علاقة السينما المصرية بالأدب بدأت في وقت مبكر من عمرها، بالذات من انتاج فيلم “زينب” من إخراج محمد كريم.
ويرى مدانات أن علاقة السينما العربية بالأدب العربي هي من طرف واحد، تستغل عبرها السينما الأدب، تستفيد منه ولا تفيده، وقال “يبدو أن هذا النوع من العلاقة بات أمرا متعارفا عليه ومقبولا حتى من قبل مؤلفي الأعمال الأدبية”.