ألبانيا بالمرصاد لأنشطة إيران التخريبية

بعدما نفذت هجمات إلكترونية في الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي، امتدت أدوات إيران التخريبية إلى دول البلقان ومنها إلى الدول الأوروبية، وهو ما يحتّم، حسب محللين، عدم تساهل الغرب مجددا مع مثل هذه الأجندات المزعزعة للاستقرار.
تيرانا - قطعت ألبانيا الأربعاء العلاقات الدبلوماسية مع إيران وأمرت الدبلوماسيين وموظفي السفارة الإيرانيين بالمغادرة في غضون 24 ساعة، قائلة إن تحقيقا خلص إلى أن الجمهورية الإسلامية تقف وراء هجوم إلكتروني استهدف البلاد في يوليو.
وقال رئيس الوزراء الألباني إيدي راما في بيان مصور أرسل إلى وسائل الإعلام “قررت الحكومة على الفور قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وأضاف “رد الفعل الصارم هذا (…) يتناسب تماما مع خطورة وجسامة الهجوم الإلكتروني الذي هدد بشل الخدمات العامة ومحو الأنظمة الرقمية واختراق سجلات الدولة وسرقة المراسلات الإلكترونية الداخلية الحكومية، وإثارة الفوضى والانفلات الأمني في البلاد”.
إحدى الجماعات مشهورة بتورطها في هجمات سيبرانية سابقة في السعودية والأردن والإمارات والكويت
وقالت الولايات المتحدة أيضا إنها خلصت بعد أسابيع من التحقيق إلى أن إيران كانت وراء الهجوم الإلكتروني “الطائش وغير المسؤول” في الخامس عشر من يوليو الماضي، وقالت إنها ستدعم حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقال مجلس الأمن القومي الأميركي في بيان إن “الولايات المتحدة ستتخذ المزيد من الإجراءات لمحاسبة إيران على الأفعال التي تهدد أمن دولة حليفة لها وتشكل سابقة مثيرة للقلق في الفضاء الإلكتروني”.
وتشهد العلاقات بين البلدين توترا منذ عام 2014، عندما استقبلت ألبانيا نحو ثلاثة آلاف عضو من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، والذين استقروا في مخيم بالقرب من دوريس، الميناء الرئيسي في البلاد.
وسبق أن أعلنت ألبانيا أنها أحبطت عددا من الهجمات التي خطط لها عملاء إيرانيون ضد المنظمة المعارضة.
وقال راما إن “التحقيق المفصل قدم لنا دليلا دامغا على أن الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له بلادنا جرى بتدبير ورعاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من خلال الاستعانة بأربع مجموعات هي التي نفذت الهجوم”.
وقال البيت الأبيض إن الحكومة الأميركية تعمل على الأرض منذ أسابيع مع شركاء من القطاع الخاص للتحقيق ومساعدة ألبانيا على التعافي من الهجوم الذي دمر البيانات الحكومية وعطل الخدمات العامة.
وأضاف “خلصنا إلى أن الحكومة الإيرانية نفذت هذا الهجوم الإلكتروني الطائش وغير المسؤول وأنها مسؤولة عن عمليات اختراق وتسريب لاحقة”.
ووصفت الولايات المتحدة الهجوم بأنه غير مسبوق، قائلة إنه ينتهك معايير زمن السلم المتمثلة في عدم الإضرار بالبنية التحتية الحيوية التي يعتمد عليها الجمهور.
وأوضح راما “خلص تحقيق شامل إلى وجود دليل لا يقبل الجدل على أن إيران قامت بالتخطيط ورعاية الهجوم السيبراني الذي استهدف بلادنا، حيث كلفت أربع جماعات بتنفيذ الهجوم”.
ووصف إحدى الجماعات بأنها مشهورة بتورطها في هجمات سيبرانية سابقة في إسرائيل والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت وقبرص.
وقالت شركة مانديانت الأميركية لأمن الإنترنت، التي أشارت إلى الهجوم في منشور على مدونة في وقت سابق هذا الشهر، إن المجموعة التي تربطها صلات بإيران شنت هجوما معقدا استخدمت فيه برنامجا خبيثا لمحو البيانات ضد المعارضين الإيرانيين.
وقال جون هولتكويست نائب رئيس قسم الاستخبارات في مانديانت في بيان عبر البريد الإلكتروني “ربما يكون هذا أقوى رد علني على هجوم إلكتروني شاهدناه على الإطلاق (…) وفي حين أننا رأينا مجموعة من التداعيات الدبلوماسية الأخرى في السابق، فإنها لم تكن شديدة أو واسعة النطاق مثل هذا الإجراء”.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من اتهام الجبل الأسود العضو في حلف شمال الأطلسي مجموعة إجرامية تُدعى “كوبا رانسوم وير” بشن هجوم رقمي على البنية التحتية لحكومتها وصفه مسؤولون هناك بأنه غير مسبوق.
وقال هولتكويست “على الرغم من أن الحادثين قد يكونان غير مرتبطين ببعضهما البعض، فإن الاضطرابات المتكررة في البنية التحتية الحكومية تمثل اتجاها ينذر بالخطر”.
ويبدو أن النظام الإيراني الذي يعتبر مجاهدي خلق تنظيما إرهابيا عاقد العزم على إسكات أصوات المعارضة من خلال ملاحقة أعضائها أينما حلوا وذلك باستخدام أسلوب التستر على أنشطتها التجسسية لتعقبهم وذلك عبر بوابة الدبلوماسية.
وتواصل عناصر الأجهزة الإيرانية السرية أنشطتها الإرهابية عبر أوروبا وتستغل بعثاتها الدبلوماسية في الخارج كأدوات لتوظيف القوة بشكل غير معهود منذ تسعينات القرن الماضي. وعلى الرغم من إفشال العديد من الدول لمخططات طهران في أكثر من مناسبة وأكثر من دولة إلا أن مراقبين يرون أن التساهل الأوروبي يشجع الإيرانيين على مواصلة أنشطتهم.
وبناء على طلب من الولايات المتحدة والأمم المتحدة استضافت ألبانيا منذ عام 2013 حوالي 3000 عضو من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية كانوا يقيمون في العراق وهم يعيشون حاليا في معسكر بشمال غرب ألبانيا.
الهجوم الإلكتروني هدد بشل الخدمات العامة ومحو الأنظمة الرقمية واختراق سجلات الدولة وسرقة المراسلات الإلكترونية الداخلية الحكومية، وإثارة الفوضى والانفلات الأمني في البلاد
وفي ديسمبر 2018، طردت ألبانيا السفير الإيراني في تيرانا ودبلوماسيا آخر بشبهة تورّطهما في “أنشطة تقوّض الأمن القومي”. ويومها أشادت واشنطن بطرد تيرانا “عميلين إيرانيين يعدّان لهجوم إرهابي في ألبانيا”.
واستفادت إيران خلال أربعين عاما منذ ثورة 1979 من التعاطي الأوروبي المتسامح مع أنشطتها للاستمرار في تعقب المعارضين والتجسس عليهم، ونفذت عناصر تابعة لها محاولات متعددة لاستهداف معارضين للثورة وخاصة من العناصر الكردية المعارضة.
وكانت فرنسا قد أحبطت أيضا هجوما يستهدف تجمعا سنويا للمعارضة الإيرانية في الخارج من جماعة مجاهدي خلق شارك فيه الآلاف بضاحية فليبانت على مشارف العاصمة الفرنسية باريس.
ولم تخف باريس شكوكها في أن وزارة الاستخبارات الإيرانية تقف وراء مؤامرة لمهاجمة مؤتمر لجماعة معارضة في المنفى خارج باريس وأنها صادرت أصولا تخص أجهزة استخبارات طهران وأخرى لاثنين من المواطنين الإيرانيين.
وقالت جهات الأمن الفرنسية إنها قامت بتحقيق طويل ودقيق ومفصّل مكّن من “الوصول إلى نتيجة تفيد دون أدنى شك بأن المسؤولية تقع على عاتق وزارة الاستخبارات الإيرانية”.
وبعد هذا الاكتشاف تحركت دول أوروبية كثيرة للتقصي بشأن أنشطة الدبلوماسيين الإيرانيين والشبكات التابعة لهم، حيث كشفت بلجيكا عن توقيف أربعة أشخاص بينهم دبلوماسي إيراني في بلجيكا وألمانيا وفرنسا شاركوا في التخطيط والإعداد لشن هجوم على مؤتمر للمعارضة الإيرانية.