انفتاح مصري على زيادة مرونة الجنيه لتحفيز الاقتصاد

اضطرت الحكومة المصرية إلى الرضوخ لحقائق الواقع عبر الاتجاه نحو إضفاء المزيد من المرونة على سياساتها النقدية المتعلقة خاصة بقيمة الجنيه، في محاولة مضنية لدرء الأخطار التي تتربص بالاقتصاد في ظل ظروف ضاغطة تحتاج إلى حنكة في إدارتها.
القاهرة- كشفت وزارة التخطيط المصرية أن الحكومة ليس لها خيارات كثيرة لمعالجة الآثار التي خلفتها الحرب في شرق أوروبا سوى أنها تفضل الآن عملة أكثر مرونة لدعم نمو الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة.
وسمحت السلطات بالفعل للجنيه، الذي ظل مستقرا مقابل الدولار لمدة عامين تقريبًا، بالضعف بشكل حاد في مارس الماضي، لكن المستثمرين والاقتصاديين يعتقدون أن أمامه الكثير ليقطعه ليعكس قيمته الحقيقية.
وتظهر التقديرات المتعلقة بتتبع نشاط العملات في الأسواق الناشئة أن الجنيه تراجع بأكثر من 18 في المئة حتى الآن هذا العام.
ويستعد المستثمرون لموجة ثانية من الانخفاض في قيمة العملة بينما تجري الحكومة محادثات للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، والذي يفضل سعر صرف أكثر مرونة.

هالة السعيد: الحكومة تعمل جاهدة لزيادة عائداتنا من النقد الأجنبي
وقالت وزيرة التخطيط هالة السعيد في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الثلاثاء إن “الحكومة منفتحة على إدارة أكثر مرونة للعملة” وذلك ردا على الدعوات لتخفيض أعمق لقيمة الجنيه بعدما بلغ سعر صرف الدولار قرابة 19.1 جنيه.
وأضافت السعيد، والتي ترأس صندوق الثروة السيادية في مصر، “نحن كحكومة نتفق على أن سعر الصرف المرن مفيد بالتأكيد للاقتصاد”.
وتتسابق أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان لدعم الاقتصاد بعد أن أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع فواتير استيراد المواد الغذائية والوقود في مصر وساعدت في تحفيز هجرة مستثمري المحافظ الأجنبية من سوق الدين المحلي.
ويقول محللون إن ما يحصل هو انعكاس لثروة محبوب الأسواق الناشئة لمرة واحدة. وبالنظر إلى أسعار الفائدة المرتفعة في مصر، واستقرار الجنيه، وسجلها الحافل في التحركات الصديقة للسوق، ضخ الأجانب مليارات الدولارات في سوق ديونها.
وأدى تغيير القيادة في البنك المركزي الشهر الماضي إلى إثارة التكهنات بشأن توقعات العملة بعد استبدال طارق عامر، الذي كان محافظا لمدة سبع سنوات تقريبًا وكان يُنظر إليه على أنه داعم لاستقرار الجنيه بالمصرفي المخضرم حسن عبدالله.
وقال جان ميشيل صليبا الخبير الاقتصادي في بنك أوف أميركا كورب في تقرير نُشر الثلاثاء “هناك حاجة إلى برنامج كبير وطموح من صندوق النقد الدولي”. وأضاف “نفترض أن مصر تتحول إلى نظام فوركس مرن ضمن برنامج الصندوق”.
والفوركس يقصد به تداول العملات الأجنبية، وهو عبارة عن تحويل عملة إلى عملة أخرى. ويُعتبر واحدا من أكثر الأسواق المُتداولة نشاطا في العالم، حيث يبلغ متوسط حجم التداول اليومي 5 تريليونات دولار.
ويقدر البنك إجمالي احتياجات التمويل الخارجي لمصر للعام المقبل بأكمله بنحو 58 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعتقد أنه يفترض أن الحكومة يمكنها تأمين 15 مليار دولار لبرنامج تمويل ممتد من صندوق النقد لمدة ثلاث سنوات.
وقال صليبا “تحتاج احتياجات التمويل الخارجي الكبير إلى مرونة الدولار والجنيه”. وأضاف “كلتا العملتين عندما تكونان مرنتين فهو المفتاح لمساعدة عجز الحساب الجاري على الانضغاط خلال الفترة المقبلة”.
وكان وزير المالية محمد معيط قد قال في وقت سابق إن مصر تطلب أقل من 15 مليار دولار “بالتأكيد”.

جان ميشيل صليبا: هناك حاجة إلى برنامج كبير وطموح من صندوق النقد
وقالت السعيد إن “الحكومة تعمل جاهدة لزيادة عائداتنا من النقد الأجنبي” من خلال محاولة تعزيز الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات من الخارج.
وتأتي المساعدة أيضا في شكل ودائع وتعهدات استثمارية تزيد عن 22 مليار دولار من حلفائها في الخليج العربي الغني بالطاقة.
وضخ صندوق أبوظبي للثروة أي.دي.كيو ووحدة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي حتى الآن ما يقرب من 3 مليارات دولار في السوق المصرية للاستيلاء على حصص حكومية في شركات بارزة في صفقات سهلها الصندوق السيادي المصري.
ومن المتوقع المزيد من هذه الاتفاقات، بما في ذلك على الأرجح البيع التاريخي لحصص في بعض الشركات التي يحتفظ بها الجيش المصري.
كما تعد الحكومة بسياسات جديدة بشأن ملكية الدولة، وتحد من مشاركتها في بعض المجالات وتخرج من مناطق أخرى، لأنها تسعى إلى استثمارات واسعة النطاق من الشركات الخاصة.
وقالت السعيد إن مصر أنشأت صندوق “ما قبل الاكتتاب العام” بهدف امتلاك حصص عامة والعمل مع مستثمرين إستراتيجيين قبل الطرح العام.
وأشارت إلى أن بلادها ستعيد النظر في توقعاتها للاقتصاد بحلول الشهر المقبل لحساب الصدمات من الخارج، ولكنها أكدت أن مصر استفادت مؤخرا من التحسينات في الاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات.
وتأتي تعليقات وزير التخطيط بعد يوم من الكشف عن بيانات مؤشر ستاندرد آند بورز غلوبال لمديري المشتريات في مصر والذي يقيس حالة الأنشطة التجارية خارج سوق الطاقة.
وأظهر المسح انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الحادي والعشرين على التوالي في أغسطس واتخاذ قطاع الأعمال نظرة قاتمة للعام المقبل بسبب مخاوف بشأن العملة والحرب في أوكرانيا واختناق الواردات.
ولكن المؤشر تحسن ليرتفع إلى 47.6 نقطة من 46.4 في يوليو ومع ذلك ظل أقل من خط 50 نقطة الذي يشير إلى النمو.
البنك يقدر إجمالي احتياجات التمويل الخارجي لمصر للعام المقبل بأكمله بنحو 58 مليار دولار
ونسبت رويترز إلى الاقتصادي ديفيد أوين من ستاندرد آند بورز غلوبال قوله “لم يظهر قطاع الأعمال تفاؤلا يذكر تجاه النشاط المستقبلي مع تراجع التوقعات إلى ثاني أدنى مستوى على الإطلاق”.
وأوضح أن “الغموض في السياسة النقدية وسعر الصرف الضعيف والحرب المستمرة في أوكرانيا تعني أنه لا تزال هناك مستويات عالية من المخاطر على الاقتصاد خلال الفترة المتبقية من عام 2022”.
وأدى تقلص الإنتاج في أغسطس إلى تمديد الانكماش هناك إلى عام كامل، على الرغم من تحسن المؤشر الفرعي ذي الصلة إلى 45.8 نقطة من 43.6 نقطة في يوليو.