الحكومة المصرية تتراجع عن إزالة مقبرة طه حسين بعد ضغوط شعبية

القاهرة- اضطرت الحكومة المصرية إلى التراجع عن قرار إزالة مقبرة الأديب الراحل طه حسين لإنشاء جسر بعد تهديد بنقل رفاته إلى فرنسا وحملة تضامن شعبية قادها عدد كبير من المثقفين اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي الأيام الماضية.
وأصدرت محافظة القاهرة المسؤولة إداريا عن هدم المقبرة ونقل الرفات بيانا، الجمعة، أكدت فيه عدم حدوث ذلك، وقامت أجهزتها بإزالة العلامة الدالة على هدم المقبرة، وهو ما أكدته عائلة طه حسين، لافتة إلى عودة الأمور إلى طبيعتها.
وخيم صمت على مصير مقبرة الأديب المصري الملقب بعميد الأدب العربي بعد قيام أجهزة حكومية أخيرا بوضع علامة على المبنى الخارجي تفيد بأنه قيد الإزالة.

◙ مثقفون مصريون يحذرون من مغبة اتخاذ عائلة طه حسين خطوة لنقل رفاته إلى فرنسا
وندد مثقفون بهذه الخطوة ورفضوا تصرفات الحكومة التي لا تراعي التراث الحضاري والقيم الثقافية والإنسانية وتصر على شق طرق وتشييد جسور كثيرة بلا مراعاة لأهمية المباني التي تجرفها في طريقها.
ونفى أحفاد طه حسين تلقيهم أيّ رسالة من جهات حكومية تفيد بالإزالة، غير أن العلامة التي وضعت تفيد ذلك.
وحذر مثقفون مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي من مغبة اتخاذ عائلة طه حسين خطوة لنقل رفاته إلى فرنسا، وهي الدولة التي حملت جنسيتها زوجته الراحلة سوزان، وعاش طه حسين فترة طويلة من عمره للدراسة في باريس، ثم عاد بعدها إلى القاهرة وتقلد مناصب عدة من بينها وزير المعارف، أي وزارة التعليم الآن.
وتحفّظ هؤلاء على الطريقة التي تنتهجها الحكومة مع المقابر ذات الأبعاد التاريخية من دون مراعاة لما تنطوي عليه من رمزية معنوية، وعدم إجراء حوارات مع الجهات المختصة لإيجاد أفضل وسيلة للحفاظ على ما تحمله الكثير من المقابر من أهمية.
وكتبت مها أبوالمعاطي عون، ابنة منى محمد حسن الزيات وحفيدة طه حسين من ابنته أمينة، على صفحتها الشخصية على فيسبوك أنها لاحظت وأفراد العائلة خلال زيارة لهم وجود العلامة (x) الحمراء على المقابر التي تخص جدها، وابنته أمينة وزوجها حسن الزيات وزير خارجية مصر الأسبق، وشيدت عام 1973 في منطقة “التونسي” وقريبة من مسجد ابن عطاءالله السكندري في القاهرة.
وكشفت مها عون أن شجرة “الميموزا” الموجود بالمقبرة زرعتها جدتها سوزان، وأنها اكتشفت المقبرة وهي في السابعة والعشرين من عمرها فقط عندما توفيت والدتها ودُفنت هناك، حيث قالت “أحببت دائما زيارة هذا المكان. بالنسبة إليّ يمثل جذوري، حيث دفنت عظام أجدادي، وهو المكان الذي سأدفن فيه بعد كل رحلاتي وأسفاري”.
وأكد حسن محمد حسن الزيات، حفيد عميد الأدب العربي، في تصريح لصحيفة “الشروق” المصرية عدم تواصل أيّ جهة رسمية مع عائلته بشأن إزالة قبر والده وجده، قائلا “تخيلوا تأثير أنباء عن احتمال نقل رفاة جدي ووالدي ووالدتي وشقيقتي وعمتي إلى مكان مجهول، وأن المكان الذي كنت أظن أنني سأدفن فيه سيختفي”.
وبدأت الحكومة المصرية الفترة الماضية عملية واسعة لإزالة بعض المقابر في أماكن مختلفة من القاهرة لأجل توسعة الطرق وإقامة جسور وفتح محاور مرورية تربط بين مناطق عدة لتخفيف الزحام في العاصمة وإيجاد بدائل جديدة وسهلة للطرق.
ونفت محافظة القاهرة التي تقع مقبرة طه حسين ضمن نطاقها في مايو الماضي صحة ما تردد حول إزالتها، وأن المحافظة لم تخاطب بمكان محور الكاتب الصحافي ياسر رزق أو مساره أو عرضه، المزمع إنشاؤه ويربط الهضبة الوسطى من منطقة المقطم المرتفعة مع شارع صلاح سالم.
وتخضع غالبية الطرق والجسور والمحاور المرورية التي يتم تشييدها لإشراف الهيئة الهندسية التابعة للجيش، ولا تملك الجهات المحلية – المدنية في محافظة القاهرة مخاطبتها والتعرف منها على طبيعة المناطق المعرضة للإزالة إلا في حدود نادرة.
وتتكتم الهيئة الهندسية على مشروعاتها بحكم طبيعتها العسكرية، وهو ما يحدث الكثير من الالتباسات في بعض الأماكن، وتنجم عن ذلك مفاجآت من نوعية إزالة بعض المقابر، والتي تضم رفاة العديد من المشاهير في مجالات متباينة.
وما حدث بشأن مقبرة طه حسين يمكن أن يتكرر مع شخصيات ثقافية وفكرية وسياسية ودينية تعج بها مقابر القاهرة وتقع في أماكن صارت في وسطها حاليا عقب التمدد العمراني الكبير، وهناك مقابر شيدت منذ مئات السنين وتخص عددا من أهل بيت النبي محمد (ص) مثل السيدة زينب والسيدة نفسية والسيد الحسين، فضلا عن بعض الأئمة الكبار مثل الشافعي.
وإذا مضت الحكومة المصرية ومعها الهيئة الهندسية في مخطط إزالة المقابر من القاهرة ونقلها إلى أطرافها أو أماكن بعيدة عنها سوف تصطدم بثوابت تهم شريحة كبيرة من المواطنين تتجاوز الأهل والأقارب في ظل العدد الكبير للرموز الدينية.