تمارين على حرب ستقع

لم يكن هناك ما يمنع من قيام حرب شيعية - شيعية في العراق سوى وجود الحاج قاسم سليماني. فالرجل يملك كل مفاتيح اللعبة وفي إمكانه أن يردع هذا الفصيل المسلح ويجرد ذاك الفصيل من سلاحه.
فالبيت الشيعي من هواء وليس هناك ما يجمع بين الفصائل الشيعية المسلحة إلا ولاؤها لإيران الذي قد يشجع أحيانا على القتال بسبب ما ينطوي عليه من حقد وكراهية وخيانة وإذلال للذات.
عام 2019 قُتل المئات من الأبرياء العزل لأنهم خرجوا محتجين على تدني الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات الأساسية. كانوا كلهم من الشيعة الذين قرروا الانتفاض على النظام الطائفي وعلى الطبقة السياسية الفاسدة المستفيدة من ذللك النظام. الجهة التي قتلتهم هي ميليشيات شيعية تابعة للأحزاب التي أجّلت خلافاتها في انتظار التخلص من أولئك المشاغبين الذين طالبوا برحيل النظام تعبيرا عن لحظة يأس تاريخية.
لا يزال الصدر مصرا على شرط حل مجلس النواب تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة. تلك عقدة من الصعب أن تتجاوزها الأحزاب الشيعية. وما التمرينان اللذان حدثا في بغداد والبصرة إلا دليل على أن الصدر لا يُمانع من قيام حرب شيعية - شيعية
بعد أن سحب مقتدى الصدر جمهوره من شوارع بغداد نشبت حرب بين ميليشيا تابعة له وميليشيا شيعية مجاورة في البصرة. من المؤكد أن تضارب المصالح كان السبب الرئيس. غير أن ذلك السبب تمكن معالجته عن طريق التفاهمات لولا ما نشأ من خلاف بين الصدر والأحزاب الشيعية في ما يتعلق بمصير النظام ومستقبله.
كان الصدر قد قرر ألاّ تبقى التركيبة الحزبية الشيعية مهيمنة على السلطة ولم يخف رغبته في أن يرى رموز الشيعية السياسية خارج الدائرة السياسية الحاكمة وهو ما أوحى بأنه يرغب في الاقتصاص من عدد من تلك الرموز تحت شعار محاربة الفساد.
ولو خُيرت الأحزاب الشيعية بين الذهاب إلى المعارضة أو الحرب لاختارت الحرب بكل تأكيد، وهو ما فعلته في البصرة في تمرين على حرب شيعية لن تتمكن إيران من منع وقوعها أو إيقافها. فكل شيء سيكون خارج السيطرة يومئذ، وبالأخص أن زعيم فيلق القدس الحالي إسماعيل قاآني لا يملك النفوذ الذي كان سلفه سليماني يملكه.
ولو نظرنا إلى تلك الحرب واقعيا فإنها حرب ميليشيات قد تؤدي إلى تجزئة المكون الشيعي والإضرار به غير أنها ضرورية بالنسبة إلى الأحزاب للحفاظ على النظام من السقوط. فالنظام الذي يتسيده الشيعة حسب التعريف الأميركي الذي ورد في الدستور كان ولا يزال قائما من خلال مبدأ التوافق الذي يعطي لكل طرف شيعي حصته من ثروة العراق. أما حين ينفرد طرف شيعي واحد بكل تلك الثروة وتُحرم الأطراف الأخرى من حصصها فإن ذلك يعد انقلابا لا تمكن مواجهته بالسكوت.
ما يُشاع غير ذلك. وأنا أعتبر كل ما قيل ويُقال وما سيُقال مجرد محاولة لتضليل الرأي العام وإبعاد نظره عن موقع الحقيقة. فالصدر الذي يرفع شعار الإصلاح ومحاربة الفساد وجد في انتصاره الانتخابي مناسبة لتلقين خصومه التقليديين درسا غير أنهم كانوا أكثر شطارة منه فحرموه من الوصول إلى هدفه. لذلك قرر أن يمضي إلى هدفه معصوب العينين بحيث ضحى بالعشرات من أنصاره في اعتصام عبثي أنهاه بأسلوب عبثي هو الآخر.
هل فشل الصدر في رهانه الذي هو نوع من المقامرة؟ حتى الآن لا شيء يؤكد ذلك. هو محق حين اعتبر خصومه أغبياء. ما أن انتهت أزمة الاعتصامات الصدرية حتى عادوا إلى الإعلان عن رغبتهم في الإسراع بانعقاد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية وهو ما يمهد لتعيين رئيس حكومة جديد وفي ذلك الكثير من الغباء.
لا يزال الصدر مصرا على شرط حل مجلس النواب تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة. تلك عقدة من الصعب أن تتجاوزها الأحزاب الشيعية. وما التمرينان اللذان حدثا في بغداد والبصرة إلا دليل على أن الصدر لا يُمانع من قيام حرب شيعية – شيعية إن تطلب ما يسمّيه بالواجب الشرعي. فهو يعتبر تلك الحرب حرب خلاص.
لقد حاول أن يتخلص من خصومه بالطرق الدستورية وحين فشل صار عليه أن يلجأ إلى الحرب التي لم تكن مستبعدة يوما ما. كان هناك دائما حديث عن حرب شيعية – شيعية تقوم في العراق بسبب التركيبة العجيبة للنظام. وهي تركيبة اعتمدت أصلا على تقاسم الثروة بين الأحزاب.
وصفة لم تعد صالحة للاستعمال. ويعد الصدر بوصفة جديدة لا تزال غامضة. وهو حين يرفض الحوار مع خصومه فلأنه مؤمن بوصفته.