لا بد أن ينتهي زمن الأحزاب في العراق

الأحزاب والفساد متلازمان، لا يستغني أحدهما عن الآخر. ليس هناك حزب غير متورط بصفقات فساد هائلة.
الجمعة 2022/09/02
الحقيقة تقول إن العراق دولة مفلسة

مع الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وبعده بسنوات كَثُرَ عدد الأحزاب السياسية التي تمثل مصالح أفراد وجماعات، وكان ذلك مرحّبا به من أجل أن يبدو أن هناك تنوعا في الحياة السياسية ترويجا لشعارات الديمقراطية، غير أنه في حقيقته لم يكن إلا من أجل تقاسم الثروة العراقية التي اعتبرت غنيمة حرب.

يومها تحول نظام المحاصصة الطائفية إلى نظام للمحاصصة الحزبية وتم تثبيت ميزان القوى في السلطة بحيث تبقى الحصص قائمة بغض النظر عن نتائج الانتخابات التي يتم التلاعب بها من قبل مجلس النواب الذي يمثل أعضاؤه مصالح تلك الأحزاب ولا يمثلون الشعب الذي وضعهم على الكراسي كما يُفترض بهم.

تلك الظاهرة المعلنة التي صارت بمثابة تقليد ثابت لا يمكن الخروج عليه كانت هي الجذر الذي تفرعت منه أنواع الفساد الذي استشرى بطريقة جنونية بحيث اعتبره خبراء الاقتصاد غير مسبوق في التاريخ البشري ولن تنجح معالجته عن طريق الوسائل التقليدية.

الأحزاب والفساد متلازمان، لا يستغني أحدهما عن الآخر. ليس هناك حزب غير متورط بصفقات فساد هائلة. والفساد معلن في العراق لأنه يستند إلى سلطة الأحزاب التي حجمت القانون حتى عطلته. فالحديث عن الفساد يمسّ الأحزاب وهو ما يعني تسييس القانون وهي عقدة يعجز القانون عن تخطيها.

وبسبب حجم الفساد الهائل وسعته فإن كل المشاريع الخدمية في بلد هدمت فيه الحروب بنيته التحتية معطلة ولا يمكن تنفيذها لخلوّ الخزانة العراقية من الأموال. لم يمنع كون العراق ثريا بسبب صادراته النفطية الحكومات العراقية من الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية بسبب عجز الموازنة المستمر. كل ذلك يحدث فيما يزداد عدد الفقراء حتى وصلت نسبتهم إلى 30 في المئة من المجتمع العراقي.

العراق بلد تُستنزف إيراداته المالية قبل أن تدخل في الموازنة وما يقوله رئيس الحكومة وأعضاؤها هو نوع من الخداع والتزيين الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة

العراق دولة ثرية ليست لديها القدرة على معالجة كارثة تدني المستوى المعيشي لسكانها والعراق في المقابل دولة فقيرة تُعقد بين حين وآخر من أجلها مؤتمرات للمانحين الذين يعرفون الحقيقة فلا يبسطون أيديهم من أجل ألاّ يساهموا في المهزلة. بين الثراء والفقر يمشي النظام السياسي كمَن اختار عن قصد أن يمشي في حقل من الألغام. وليست الألغام هنا سوى الأحزاب التي صار التهديد بنشوب حرب أهلية هوايتها التي تمارسها من أجل بث الخوف والرعب في قلوب أبناء البلد الذين صاروا بمثابة شهود زور.

الانتخابات الديمقراطية التي تُقام كل أربع سنوات هي مناسبة لتجديد بيعة الشعب للأحزاب. فهي إذاً انتخابات مزورة مهما قيل عن نزاهتها. لا بد أن يكون لمقتدى الصدر مقاعده ولنوري المالكي مقاعده ولباقي زعماء الأحزاب والميليشيات مقاعدهم. أما ما سُمي بالاختراق الذي شهدته الانتخابات الأخيرة فقد كان نوعا من الزخرف الذي تطلّبه تدهور الأوضاع في الشارع بعد احتجاجات 2019 المليونية. الامتيازات التي حصل عليها النواب الجدد هي نوع من الفساد. لم نسمع أن أحدا منهم قد تخلى عن تلك الامتيازات. بطريقة أو بأخرى هم في طريقهم إلى المساهمة في الفساد.

ماكينة الفساد التي أسسها الأميركان ورعاها المالكي، رئيس الحكومة من 2006 إلى 2014، بقوانين هي بمثابة كوارث اقتصادية مثل قانون رفحاء، متقنة الصنع وضخمة وخفية وليس في الإمكان اكتشاف ممراتها، لذلك فإن تلك الماكينة بالرغم من انتسابها إلى الدولة العميقة تتغذى من أموال الدولة العراقية. فالعراق بلد تُستنزف كل إيراداته المالية قبل أن تدخل في الموازنة العامة. ما يقوله رئيس الحكومة وأعضاؤها هو نوع من الخداع والتزيين الذي لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. الحقيقة تقول إن العراق دولة مفلسة. ستبقى كذلك ما دامت الأحزاب هي التي تحكم.

ما حدث مؤخرا ليس جرس إنذار. بل هو بداية النهاية. لا بد أن تُطوى صفحة الأحزاب. ليس لأنها عاجزة عن تأليف حكومة تدير شؤون المواطنين في المرحلة المقبلة، بل لأن وجودها صار أشبه بالغيمة السوداء التي تحجب الشمس. لم يعد بإمكان العراقيين أن يعيشوا حياتهم بطريقة سوية في ظل وجود الأحزاب والقوانين التي ترعى مصالحها ومصالح المنتفعين منها الذين يقيم معظمهم خارج العراق.

كانت هناك حرب مؤجلة بين شعبين. شعب محروم وشعب مترف. معادلة صنعتها الأحزاب. لذلك فما لم تتخل الأحزاب عن السلطة فإن تلك الحرب ستقوم في أيّ لحظة. ما حدث في الأيام الماضية هو جزء من تلك الحرب، غير أنه الجزء الذي يشبه الصفعة. كانت هناك حرب شيعية – شيعية وهي الباب الذي يطل على انهيار النظام.

8