قيس سعيد أمام مفارقة التدخل في شؤون تونس

واشنطن لا تعارض من حيث المبدأ الإجراءات التي قام بها الرئيس التونسي لكنها تتحرك من وراء الستار لضمان مشاركة المعارضة في المرحلة الجديدة.
الخميس 2022/09/01
سعيد يجدد تمسّك تونس بسيادتها

تونس- أعاد الرئيس قيس سعيد الخطاب نفسه الرافض لأيّ تدخل خارجي في شؤون تونس، وذلك عقب لقائه بمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف، ما يكشف عن الحساسية التونسية من أيّ تدخل خارجي في شؤون البلاد سواء بالتصريحات أو من خلال لقاءات مع معارضين أو ممثلين لجمعيات ناشطة في مجال حقوق الإنسان.

وقالت أوساط سياسية تونسية إن استمرار قيس سعيد في تسجيل نفس الموقف خلال استقبال المسؤولين الأميركيين الذين يزورون تونس هو تأكيد جديد على أن العلاقة يجب أن تقوم على الندية واحترام خصوصية كل بلد، وأن هذا موضوع لا يحتاج إلى أيّ نقاش أو مجاملة.

ولفتت هذه الأوساط إلى ضرورة أن تحافظ الدبلوماسية التونسية على ضابط عدم التدخل في شؤون الآخرين ليس فقط في رفضها تصريحات الآخرين ضد تونس، وإنما أيضا على مستوى مواقف تونس تجاه الآخرين، من ذلك الالتباس الذي حصل مع المغرب باستقبال الرئيس سعيد لزعيم بوليساريو في وقت لا تعترف فيه الرباط بوجود “الجمهورية” التي يحمل اسمها، وأنها لا تعدو أن تكون أقاليم مغربية، وأن أغلب دول العالم صارت تعترف بهذا الأمر بدءا من الولايات المتحدة مرورا بدول أوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا، وصولا إلى دول عربية كثيرة.

◙ الرئيس سعيد يريد تغييرا يعطيه الصلاحيات التامة للحكم ويرفض أن يشارك في نظام تتنازع فيه السلطات الصلاحيات دون أن يقدر أيّ منها على فعل شيء

وكان لافتا أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي قد التقت وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين ووزير الدفاع عماد مميش وهما الوزيران اللذان يعملان على ضمان الاستقرار في البلاد ومنع الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتسلل من تونس وإليها، في غياب وزير الخارجية عثمان الجارندي.

وعقب لقائه بالمسؤولة الأميركية طالب الرئيس التونسي قيس سعيّد الثلاثاء السلطات الأميركية بالاستماع إلى نظيرتها التونسية “لمعرفة حقيقة الأوضاع في تونس”.

وقال بيان عن الرئاسة التونسية إن “اللقاء تناول تطور العلاقات الثنائية بين تونس والولايات المتحدة”. وأضاف أنه “كان فرصة أوضح فيها سعيد عديد المسائل المتصلة بالمسار الذي تعيشه تونس، وفنّد خلالها عديد الادعاءات التي تُروّج لها أطراف معلومة (لم يسمّها)”.

وأفاد بأن “سعيد طالب السلطات الأميركية بأن تستمع إلى نظيرتها التونسية لمعرفة حقيقة الأوضاع”.

وجدّد سعيد وفق البيان “تمسّك تونس بسيادتها ورفض التدخل في شؤونها الداخلية”، معربا عن “الاستياء من التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الأميركيين في المدّة الأخيرة”.

كما تناول اللقاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس، والدور الذي يمكن أن تضطلع به المجموعة الدولية للمساعدة على تجاوز الصعوبات التي تمرّ بها البلاد، وفق البيان ذاته.

من الجانب الأميركي، وفي بيان مقتضب نشر على صفحة سفارة الولايات المتحدة لدى تونس، شددت واشنطن على أهمية تحقيق إصلاحات اقتصادية في تونس، مشيرة إلى أن الشراكة بين الولايات المتحدة وتونس تتخذ “أقوى وأمتن” صورها عندما يكون هناك التزام مشترك بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال مراقبون إن اختلاف الروايتين يعكس مقاربة الطرفين لما صدر عنهما من تصريحات وبيانات خلال الأسابيع الماضية بالرغم من تتالي الزيارات ما يعكس اهتماما أميركيا بما يجري في تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021 تاريخ الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد ومن بينها تجميد عمل البرلمان ثم حله لاحقا، وما تلا ذلك من إجراءات ومراسيم كان آخرها الاستفتاء الذي أفضى إلى إقرار دستور جديد خلفا لدستور 2014.

ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة لا تعارض من حيث المبدأ الإجراءات التي قام بها قيس سعيد خلال أكثر من عام، لكنها تتحرك من وراء الستار لضمان مشاركة المعارضة في المرحلة الجديدة، وهو ما يرفضه الرئيس سعيد الذي يريد تغييرا يعطيه الصلاحيات التامة للحكم ويرفض أن يشارك في نظام تتنازع فيه السلطات الصلاحيات دون أن يقدر أيّ منها على فعل شيء.

وفي 21 أغسطس الماضي قال قيس سعيد، خلال لقائه وفدا من الكونغرس الأميركي بقصر قرطاج، إن “تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين حول تونس غير مقبولة”، مؤكدا أن بلاده دولة حرة مستقلة وذات سيادة.

◙ ضرورة أن تحافظ تونس على حساسية رفض التدخل الخارجي ليس فقط في ما يهمها، ولكن أيضا في مواقفها تجاه الآخرين

وفي 29 يوليو الماضي أعلنت وزارة الخارجية التونسية في بيان أنها استدعت القائمة بأعمال السفارة الأميركية من أجل التنديد بـ”التدخل” وبالتصريحات “غير المقبولة” لمسؤولين أميركيين انتقدوا الاستفتاء على الدستور.

وفي 28 يوليو الماضي أصدر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بيانا اعتبر فيه أن “الدستور الجديد يضعف الديمقراطية في تونس”. كما عبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس عن “مخاوف” أميركية من أن يتضمن “الدستور الجديد ضوابط وتوازنات ضعيفة قد تقوّض حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية” في البلاد.

وتزامن ذلك مع كلمة ألقاها سفير واشنطن الجديد لدى تونس جوي هود، أمام الكونغرس، أكد فيها أنه سيستخدم “جميع أدوات النفوذ الأميركي للدعوة إلى العودة إلى الحكم الديمقراطي”.

وأعرب جوي هود عن أسفه أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ حيال “تآكل مقلق للمعايير الديمقراطية والحريات الأساسية خلال العام الماضي” في تونس.

وقال إن “أفعال الرئيس قيس سعيّد خلال العام الماضي لتعليق الحكم الديمقراطي وتعزيز السلطة التنفيذية قد أثارت تساؤلات جدية”.

1