التنافس الروسي - الفرنسي على الغاز الجزائري يتصاعد

الجزائر - تعمل الجزائر على تحقيق توازن إستراتيجي بين مختلف شركائها بشكل يحفظ مصالحها، خاصة في ظل الضغوط التي تفرضها الأزمة الأوكرانية والصراع القائم بين محوري روسيا من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة ثانية، ولأن قدراتها الإنتاجية وقعت في قلب القبضة الحديدية بين الطرفين، فهي تسعى لتلبية رغبات الجميع دون إزعاج أي منهم.
وقدمت الحكومة الجزائرية عروضا للاستثمار في مجالي النفط والغاز لشريكتها روسيا في لقاء جمع وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب والسفير الروسي الجديد لديها فاليريان شوفايف، لتكون بذلك أول خطوة في هذا المجال، على اعتبار أن التعاون في مجال الطاقة بين الطرفين يبقى محدودا مقارنة بالقطاعات الأخرى خاصة العسكرية واللوجيستية.
ويبدو أن الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها على تأمين مصادر الطاقة بالنسبة إلى أطراف الصراع، ولذلك تسعى الجزائر لاستغلال الوضع من أجل تطوير قطاعها وتحقيق عائدات إضافية تعينها على تحريك اقتصادها والتكفل بالحاجيات الداخلية، فبعد الاتفاق المبرم مع فرنسا على هامش زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، جاء العرض الجزائري للروس من أجل الاستثمار في القطاع.
◙ الاستثمارات الروسية في مجال الطاقة في الجزائر تعد من أضعف الاستثمارات الدولية مقارنة بالشركات الأوروبية والأميركية
وتعد الاستثمارات الروسية في مجال الطاقة في الجزائر من أضعف الاستثمارات الدولية مقارنة بالشركات الأوروبية والأميركية، حيث يقتصر الأمر على مشروع وحيد بين “سوناطراك” الجزائرية ونظيرتها “غازبروم” الروسية ينتظر أن يدخل الخدمة بداية من العام 2025.
وأفاد بيان لوزارة الطاقة الجزائرية أن عرقاب وشوفايف استعرضا في اللقاء الذي جمعهما بالعاصمة “علاقات التعاون والشراكة بين البلدين في مجالي الطاقة والمناجم وفرص الأعمال والآفاق المستقبلية للاستثمار في الجزائر”.
وبحث الطرفان “فرص وإمكانيات الاستثمار والشراكة في مجال الطاقة، لاسيما المحروقات (المنبع والمصب النفطي والغازي) وصيانة ونقل الكهرباء والكهرباء النووية والتصنيع المحلي لقطع الغيار والتكوين”.
واستغل وزير الطاقة والمناجم الجزائري فرصة اللقاء لتوجيه دعوة للشركات الروسية من أجل “مواصلة الاستثمار أكثر في مجالات الطاقة، وإنشاء شراكات مفيدة للطرفين مع الشركات الجزائرية، مع نقل المعرفة والتكنولوجيا وتبادل الخبرات”.
وتوسع العرض الجزائري للروس ليشمل التعاون والاستثمار في قطاع المناجم، لاسيما التنقيب والاستغلال المنجمي (الذهب والأتربة النادرة والأحجار الكريمة والرخام) ورسم الخرائط الجيولوجية، وكذلك في مجال إنتاج الأسمدة وتحويل الفوسفات”.
وتولي روسيا أهمية للموقف الجزائري في إطار منظمة أوبك+، حيث أعرب السفير الجديد عن ارتياح بلاده للحوار والتشاور القائم بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وبين الدول غير الأعضاء من أجل استقرار أسواق النفط على المديين القصير والمتوسط، فضلا عن المشاورات الدائمة بين البلدين في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز.
وكشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارته إلى الجزائر في شهر مايو الماضي عن دعوة وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون لزيارة موسكو، فضلا عن قطع ما أسماه “اتفاق الشراكة الإستراتيجي المعمق” أشواطا متقدمة، حيث سلمت بلاده المسودة للجزائر من أجل إثرائها وضبط تفاصيلها.
◙ روسيا تولي أهمية للموقف الجزائري عبر التشاور القائم بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وبين الدول غير الأعضاء من أجل استقرار أسواق النفط
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الأزمة الأوكرانية وتطورات الوضع في منطقة الساحل وضعتا الجزائر في موقع حرج، فهي من جهة واقعة تحت ضغط أوروبي لضخ المزيد من الغاز بغية مواجهة التهديدات الروسية، ومن جهة أخرى لا تريد أن تظهر في ثوب المصدر البديل للغاز الروسي، حفاظا على علاقاتها الإستراتيجية والتاريخية مع موسكو.
وتجلى هذا الأمر بشكل واضح في الآونة الأخيرة، فبعد التوقيع على ضخ كميات إضافية من الغاز إلى فرنسا، جاء العرض المقدم للشريك الروسي بغية تحقيق توازن براغماتي رغم ما يلفه من أخطار، حيث وصف إيمانويل ماكرون من الأراضي الجزائرية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا بـ”الاحتلال” و”الإمبريالية”، وهو ما يزعج الجزائر وروسيا معا، ويجسد فرضية توسع الصراع بين القطبين ليشمل الحلفاء في العالم.
وقد عبر السفير الروسي الجديد المعتمد مؤخرا في الجزائر في رسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة انطلاق مهامه الدبلوماسية عن “سعادته ورغبته في إعطاء دفع جديد للعلاقات الروسية - الجزائرية”.
وقال شوفايف “أثناء الأيام الأولى لإقامتي هنا لاحظت كرم الضيافة وجمال هذا البلد، كما تأكدت من حسن المعاملة للجزائريين تجاه روسيا وأبناء شعبها، والجزائر وروسيا تربطهما روابط الصداقة والتعاون التي صمدت أمام اختبار الزمن، الآن يدور الحوار السياسي النشيط بين روسيا والجزائر وأقيمت الصلات ذات المنفعة المتبادلة في القطاعات التجارية والاقتصادية والإنسانية والثقافية ويتطور التعاون العسكري التقني، ومعه التنسيق على الساحة الدولية وفي مجال الأمن الدولي”.
وأكد على أن “الطرفين لهما عزم ثابت على تعزيز التعامل الثنائي ومتعدد الأبعاد وكذلك على إعطائه مضمونا جديدا.. أنا على يقين أنه سيكون لدينا كثير من العمل النشيط والمشوق في المستقبل القريب”.
ومن جانب آخر أعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران غداة زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر أنّ “إعلانات ستصدر قريبا عن زيادةٍ محتملة لشحنات الغاز الجزائري إلى فرنسا”.
وذكرت تقارير إعلامية فرنسية بأن “مفاوضات جارية حاليا بين مجموعة الطاقة الفرنسية ‘إنجي’ التي كانت رئيستها كاترين ماكغريغور من بين أفراد الوفد الرسمي المرافق لماكرون، ومسؤولين جزائريين لرفع الزيادة إلى 50 في المئة من الكميات الحالية”.
وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية “لا أستطيع تأكيد ذلك”، بذريعة أنه لا يعلّق على معلومات متعلقة بالخارجية الفرنسية والخارجية الجزائرية، “لكن إعلانات ستصدر قريبا بعد التقارب الحاصل بمناسبة زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر”.