مصر تواجه الأزمة الاقتصادية بسياسات نقدية جديدة

تحديات كبيرة لحل أزمة شُح العملة وخفض الارتفاع في معدلات التضخم.
الأربعاء 2022/08/31
ليس الجميع بمقدورهم إحلال التوازن هكذا!

اتسعت فرص طي مرحلة السياسات المالية الاستثنائية في مصر بعد تعيين حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي أخيرا، وتعيين مستشارين بارزين في المجال المصرفي، وتحظى الإدارة الجديدة بثقة أوساط اقتصادية، على الرغم من إقرار الخبراء أنها مسؤولية جماعية لأعضاء المجموعة الاقتصادية في الحكومة مع البنك المركزي.

القاهرة - عمّ التفاؤل الكثير من الأوساط الاقتصادية المصرية منذ الإعلان عن تولي حسن عبدالله دفة القيادة في البنك المركزي خلفا لطارق عامر الذي قدم استقالته مؤخرا وجرى تعيينه مستشارا في رئاسة الجمهورية.

ويراهن مصرفيون ومستثمرون على قدرة عبدالله ومعاونيه على إصلاح السياسة النقدية التي قوضت الاستثمار وفرص النمو خلال الفترة الماضية.

ولم يكمل المحافظ الجديد للمركزي أسبوعين في منصبه، لكنه التقى رؤساء بنوك حاليين وسابقين في اجتماع مهم، تناول فيه موقف العملة الأجنبية في البلاد والذي يعد من أهم الملفات العاجلة على طاولته.

كما عين اثنين من المخضرمين في القطاع المصرفي مستشارين له، هما هشام عزالعرب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق للبنك التجاري الدولي وأكبر بنوك القطاع الخاص المصرية، ومحمد نجيب رئيس مجلس الإدارة السابق لبنك ساييب.

وشهدت الفترة الماضية شكاوى عديدة من المستثمرين بشأن عدم توفير الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج وتهديد بعضهم بإغلاق المصانع.

وهذا الوضع دفع عبدالله إلى مطالبة رؤساء البنوك بحصر احتياجات المصنعين من العملة الأجنبية خلال الفترة المنتهية بختام العام المالي في يونيو المقبل، ما تزامن مع صدور بيان حكومي بهذا الشأن زاد من التكهنات بإمكانية تخفيف قيود الاستيراد.  وعقد القائم بأعمال البنك المركزي ووزراء المجموعة الاقتصادية في الحكومة العزم على بحث طرق تخفيف قيود الاستيراد التي أرهقت الشركات المصنعة وتجار التجزئة.

سعيد الفقي: إنقاذ الاقتصاد مسؤولية الحكومة ثم السياسات النقدية

وجرى فرض تلك القيود منذ مارس الماضي في ظل صعوبات تواجهها البلاد مع النقص في موارد العملة الأجنبية، ويأمل رجال الأعمال أن يقوم عبدالله بإعادة النظر في قواعد الاستيراد خلال فترة تولي عامر، ويريدون دعوتهم لعقد اجتماع عاجل معه.

وقال الخبير الاقتصادي سعيد الفقي إن "مجتمع الأعمال يسوده التفاؤل منذ تعيين إدارة جديدة للمركزي كون المحافظ والمستشارين الجدد لديهم خبرات وعلاقات في التعاملات مع المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب".

وأضاف لـ"العرب" أن "التغيير في السياسة النقدية سيحدث بالفعل لكن لن يكون جوهريًا، كأن يقوم مثلا بخفض أسعار الفائدة، وسيتم تقييده بالظروف العالمية".

وأشار الفقي إلى أن إنقاذ الاقتصاد مسؤولية الحكومة أولاً عبر السياسات المالية المحفزة للاستثمار وتتبعها السياسة النقدية للبنك المركزي بتوفير العملة للمستثمرين.

وأوضح أن لدى المستثمرين رهانات كبيرة للخروج من مأزق شح العملة الأجنبية واستيراد الخامات مع وجود إدارة جديدة وبعد التعديل الحكومي الأخير الذي شمل 13 حقيبة وزارية، خاصة أن عامر شل حركة الاستيراد وقيّد حصول الشركات على الدولار بتطبيق آلية الاعتمادات المستندية.

وكان وزير التجارة والصناعة أحمد سمير قد أكد في وقت سابق أن العمل جار على تبني إجراءات تسهم في سرعة إصدار الاعتمادات المستندية اللازمة لشراء المواد الخام وقطع الغيار. وبحث عبدالله مع وزيري التجارة والصناعة أحمد سمير والمالية محمد معيط كيفية تسهيل الإفراج عن البضائع العالقة في المنافذ الجمركية بسبب قيود الاستيراد.

ويطالب رجال أعمال بتخفيف القواعد التي تتطلب من المستوردين الحصول على الاعتمادات المستندية لشراء السلع غير الأساسية بدلا من نظام مستندات التحصيل التي كان يتم العمل بها في السابق.

وتلك خطوة جعلت من المستحيل على الكثير من الشركات استيراد البضائع في عدد من القطاعات.

وفي ما يتعلق بتحديد سعر صرف الجنيه، وهو جوهر السياسة النقدية والذي يشهد تعويما مدارا حاليا، تتحكم فيه عدة عوامل أهمها المفاوضات الحالية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، ومدى وفرة العملة الأجنبية في البلاد.

ونقل تلفزيون العربية الثلاثاء عن نائب وزير المالية أحمد كجوك قوله إن القاهرة "تسعى للحصول على تمويل خارجي بقيمة ستة مليارات دولار وفقا لتقديرات إعداد موازنة السنة المالية الحالية" التي بدأت مطلع يوليو.

ومن القرارات الإيجابية التي اتخذها عبدالله إلغاء الحد الأقصى للإيداع في البنوك، ورفع الحد الأقصى للسحب من 50 إلى 150 ألف جنيه، ما يعادل 7.5 ألف دولار.

وأكد الفقي لـ"العرب" أن ذلك من القرارات التي تفتح شهية المستثمرين وتبث الثقة في الجهاز المصرفي، وهي خطوة مهمة لتصحيح القرارات السابقة لطارق عامر، حيث اشتكى أصحاب المصانع من تعطل أعمالهم بسبب تحديد حدود السحب.

هاني أبوالفتوح: المركزي يقوم بإدارة الاحتياطي النقدي وسوق الصرف

وأشار الخبير المصرفي هاني أبوالفتوح إلى أن مسؤوليات المركزي يحددها قانون البنك والجهاز المصرفي لسنة 2020، وهي إدارة احتياطيات النقد الأجنبي وتنظيم سوق الصرف، ومن ثم ليست مسؤوليته جلب العملة الصعبة، لأنها تقع على كاهل الحكومة.

وتأتي مصادر النقد الأجنبي من قناة السويس والسياحة وتحويلات المغتربين والاستثمار المباشر والصادرات التي تأثرت سلبا بسبب الأحداث التي يشهدها العالم منذ كورونا ثم الحرب الروسية - الأوكرانية.

وأدت تلك الأوضاع في نهاية المطاف إلى شح في العملة الأجنبية، والتي تأزمت مع هروب جانب كبير من الأموال الساخنة جراء خروج المستثمرين في السندات وأذون الخزانة.

ولفت أبوالفتوح لـ"العرب" إلى أن أهم الملفات العاجلة التي ينبغي على المحافظ الجديد العمل بها هي محاولة كبح التضخم الذي خرج عن سيطرة المركزي، لأن التضخم المستهدف يبلغ 7 في المئة مع السماح بفارق اثنين في المئة صعودا وهبوطا.

ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد سجل معدل التضخم السنوي لإجمالي مصر نحو 14.6 في المئة لشهر يوليو الماضي مقابل 6.1 في المئة لنفس الشهر من العام السابق.

ومن الملفات المهمة أيضا على مائدة البنك المركزي إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي والذي تراجع إلى نحو 31 مليار دولار من 41 مليارا في نحو ستة أشهر، والتفاوض بحرفية مع صندوق النقد للحصول على قرض جديد منه.

وإذا جرى تخفيف قيود الاستيراد فسيكون ذلك محدودا حتى تستطيع السلطات تدبير موارد أكبر للدولار عبر المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر من حلفاء مصر في دول الخليج، أو عبر الحصول على القرض الجديد من صندوق النقد، أو كليهما، كجزء من خطة أوسع للسماح للعملة بالهبوط مقابل الدولار.

وذكر توفيق أن الوضع الراهن يستلزم وضع خطة ذات أولويات تضمن سياسية نقدية تتعامل مع الواقع، وتقديم محفزات مالية مع إعادة عمل المصانع المتوقفة وتقديم الدعم والتسهيلات بهدف التشغيل ودوران عجلة الإنتاج.

10