الرئيس التونسي يرفض انتقادات أميركية للدستور الجديد

تونس - أعرب الرئيس التونسي قيس سعيّد الأحد عن استيائه من تصريحات لمسؤولين أميركيين، قائلا إنها غير مقبولة على أي مقياس من المقاييس، في إشارة إلى التصعيد المفاجئ للإدارة الأميركية تجاه تونس عقب الاستفتاء على الدستور الجديد الذي حظي بموافقة أكثر من تسعين في المئة من التونسيين.
جاء ذلك خلال استقباله وفدا من الكونغرس الأميركي يزور البلاد، في قصر قرطاج، قرب العاصمة تونس وبحضور القائمة بأعمال السفارة الأميركية بتونس ناتاشا فرانشيسكي، وفق بيان للرئاسة التونسية.
وقال البيان التونسي إن "سعيد استهل اللقاء مع الوفد الأميركي بالتذكير بالمحطات التاريخية في العلاقات التونسية - الأميركية منذ أكثر من قرنين".
وأوضح سعيّد "العديد من الحقائق لدحض الحملات التي يقوم بها أشخاص معروفو الانتماء، وبيان الممارسات التي سادت على أكثر من عقد في كل المستويات، وأدت إلى المزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".
وذكّر الرئيس التونسي بـ"مبادئ القانون الدولي التي كرّسها ميثاق الأمم المتحدة، ومن بينها احترام سيادة الدول والمساواة بينها وعدم التدخل في شؤونها".
وأشار سعيّد إلى أن "التصريحات التي صدرت عن عدد من المسؤولين (الأميركيين) في المدّة الأخيرة غير مقبولة على أي مقياس من المقاييس، لأن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، فضلا عن أن السيادة فيها للشعب الذي عبّر عن إرادته في الاستفتاء وسيُعبّر عنها في الانتخابات القادمة بأكتوبر المقبل".
كما تم التطرّق، خلال هذا اللقاء، إلى عدد من المحاور الأخرى المتصلة بالعلاقات بين البلدين والحرص المشترك على دعمها.
وبعد التّصويت في تونس على اعتماد الدستور الجديد من الرئيس قيس سعيّد، اعتبرت واشنطن أن الاستفتاء على الدستور "اتسم بتدني نسب المشاركة"، وقالت إنها تشاطر التونسيين انشغالهم بمسار صياغة الدستور الذي يمكن أن "يضعف" الديمقراطية في البلاد.
وفي التاسع والعشرين من يوليو الماضي، أعلنت وزارة الخارجية التونسية، في بيان، أنها استدعت القائمة بأعمال السفارة الأميركية من أجل التنديد بـ"التدخل" وبالتصريحات "غير المقبولة" لمسؤولين أميركيين انتقدوا الاستفتاء على الدستور.
واضطرت ناتاشا فرانشيسكي بصفتها المسؤولة الرئيسية في سفارة بلادها، إلى التوجه إلى مقر وزارة الخارجية "على إثر البيان الصحافي الصادر عن وزير الخارجية الأميركي (أنتوني بلينكن) بشأن المسار السياسي في تونس، وأيضا التصريحات، غير المقبولة، التي أدلى بها السفير المعين ببلادنا" جوي هود.
وعبّر الوزير عثمان الجرندي في البيان عن "استغراب تونس الشديد من هذه التصريحات والبيانات التي لا تعكس إطلاقا حقيقة الوضع في تونس".
وأضاف الجرندي أن "هذا الموقف الأميركي لا يعكس بأي شكل من الأشكال روابط الصداقة التي تجمع البلدين وعلاقات الاحترام المتبادل بينهما، وهو تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي الوطني".
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أصدر بيانا في الثامن والعشرين من يوليو الماضي، اعتبر فيه أن "الدستور الجديد يضعف الديمقراطية في تونس".
وأكد البيان، الذي نشرته السفارة الأميركية بتونس، أن "الولايات المتحدة ستستخدم بالتنسيق مع حلفائها وشركائها جميع الأدوات المتاحة لها لدعم الشعب التونسي في تشكيله لحكومة ديمقراطية تخضع للمساءلة وتُبقِي متسعا للنقاش الحر والمعارضة الحرة".
وتزامن بيان الخارجية الأميركية مع كلمة ألقاها السفير الأميركي الجديد لدى تونس جوي هود أمام الكونغرس، أكد فيها أنه "سيستخدم جميع أدوات النفوذ الأميركي للدعوة إلى العودة إلى الحكم الديمقراطي".
والأربعاء الماضي، أعلن الرئيس التونسي بدء العمل بالدستور الجديد، الذي جرى الاستفتاء عليه في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وبحسب النتائج الرسمية للاستفتاء أيد 94.6 في المئة من الناخبين التونسيين الدستور الجديد الذي ينقل الحكم إلى النظام الرئاسي، ويمثل الاستحقاق الرئيسي في خطة قيس سعيّد لـ"تصحيح المسار".
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر في السادس والعشرين من يوليو الماضي، قبول الهيئة مشروع نص الدستور الجديد للجمهورية التونسية ليصبح دستورا نافذا للبلاد.
وقال بوعسكر للصحافيين خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة تونس إن العدد الإجمالي للمشاركين في الاستفتاء بلغ حوالي 2.8 مليون ناخب من أصل 9.3 مليون يحق لهم التصويت، وقد صوّت حوالي 2.61 مليون بـ"نعم" على الدستور الجديد.
ويكرس الدستور الجديد نظاما رئاسيا يعطي رئيس الجمهورية المزيد من الصلاحيات، على عكس دستور العام 2014 الذي أقام نظاما برلمانيا معدّلا يعطي الرئيس أدوارا محدودة.
ولا ينصّ الدستور الجديد على آلية لعزل رئيس الجمهورية الذي يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة ووزراء يشرف هو على تعيينهم.
كما ينشئ غرفة برلمانية ثانية باسم "المجلس الوطني للجهات والأقاليم" تهتم خصوصا بالمسائل الاقتصادية.
وقال فاروق بوعسكر إن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستنطلق في الإعداد للاستحقاقات القادمة وأبرزها الانتخابات البرلمانية المقررة في السابع عشر من ديسمبر القادم، وذلك "في انتظار إصدار قانون انتخابي جديد وتقسيم جديد للدوائر الانتخابية".
وكانت المعارضة أعلنت عن رفضها للاستفتاء وشكّكت في نتائجه، وندّدت باحتكار الرئيس قيس سعيّد، الذي يحظى بتأييد شعبي واسع، لكامل السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021.