زيارة ماكرون إلى الجزائر تستهدف إنعاش نفوذ فرنسا المتراجع

الجزائر - يؤدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة إلى الجزائر الخميس، واللافت فيها هو الأجندة المثقلة بالملفات الثنائية والإقليمية وحتى الدولية، حيث تعتبر قضايا الذاكرة المشتركة والاستثمارات الفرنسية المتراجعة في الجزائر والتعاون الاقتصادي والسياسي الثنائي، فضلا عن الوضع في الساحل والصحراء وليبيا وتداعيات الأزمة الأوكرانية والأزمة القائمة بين الجزائر والمغرب وإسبانيا، العناوين الكبرى التي سيتباحث بشأنها ماكرون مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون.
وأعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي سيؤدي زيارة إلى الجزائر تدوم يومين الخميس المقبل، وهي الأولى من نوعها منذ انتخابه رئيسا لفرنسا، وتدخل حسب بيان الرئاسة الفرنسية في سياق بعث وتعزيز التعاون بين البلدين، وهو اعتراف فرنسي مبطن بالفتور الذي خيم على علاقات البلدين منذ عدة أشهر.
الزيارة فرصة للرئيس الفرنسي من أجل الاطمئنان على الموقف الجزائري، بشأن الصراع القائم بين الغرب وروسيا في الأزمة الأوكرانية
وكشفت تقارير إعلامية بأن الرئيس ماكرون بصدد بلورة قمة ثلاثية تجمع الجزائر وإسبانيا والمغرب على الأراضي الفرنسية من أجل تسوية الخلافات المتراكمة بين الطرفين، خاصة في ما يتعلق بقضية النزاع القائم حول إقليم الصحراء، وهو ما يوحي إلى نوايا الرجل في احتواء الأزمة التي ألقت بظلالها على المنطقة، لاسيما في ظل هيمنة هاجس تأمين الحاجيات من الطاقة.
وعرفت علاقات الجزائر مع المغرب وإسبانيا توترا غير مسبوق، حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، كما أوقفت ضخ الغاز عبر الأنبوب المغاربي مما أثار مخاوف الإسبان والأوروبيين بشكل عام، كما جمدت اتفاق الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع مدريد منذ يونيو الماضي، ودخلت في قطيعة اقتصادية وتجارية معها.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي يريد ضمانات جزائرية لتزويد إسبانيا وأوروبا بالكميات اللازمة من الغاز، في ظل القطيعة القائمة بين الأوروبيين وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، ولذلك لا تستبعد إمكانية تكريس جزء من القمة المقترحة لملف الأنبوب المغاربي، لأنه الضامن القاعدي الوحيد لضخ الكميات المطلوبة من الغاز الجزائري إلى أوروبا وتغطية نسبية لحاجيات المغرب.
وكان ماكرون وتبون أجريا اتصالا هاتفيا بينهما قبيل الزيارة، حيث أبلغ الرئيس الفرنسي نظيره الجزائري تعازي بلاده إثر سقوط العشرات من الضحايا جراء الحرائق التي اندلعت في الشرق الجزائري، فضلا عن الأجندة المنتظر بحثها خلال الزيارة المذكورة.
وستكون مدينة وهران بغرب الجزائر ضمن زيارة ماكرون إلى الجزائر، وهي المدينة التي تحتضن مصنعا فرنسيا لتركيب سيارات فرنسية من علامة “رونو” المعطل منذ عدة سنوات بسبب الأزمة التي يتخبط فيها قطاع التركيب والتجميع في الجزائر، والذي يعد واحدا من المشاريع الاستثمارية الفرنسية المعطلة، وينتظر أن يحظى باهتمام الرئيسين من أجل بعثه مجددا في إطار رؤية جديدة لحفظ المصالح المشتركة بين البلدين.
وعرفت المصالح الفرنسية بالجزائر تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، كنتيجة للأزمة الدبلوماسية التي تفجرت بين البلدين منذ عدة أشهر، حيث تم فسخ عدد من العقود مع الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر، على غرار مؤسسات تسيير المياه والمطار وقطار الأنفاق، كما عطلت أخرى كما هو الشأن بالنسبة إلى مصنع رونو.
وستكون الزيارة فرصة للرئيس الفرنسي من أجل الاطمئنان على الموقف الجزائري، بشأن الصراع القائم بين الغرب وروسيا في الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن الجزائر أبدت انحيازا للحليف الروسي والصيني في أزمتي كييف وتايوان، مما يكون قد أزعج الأوروبيين الباحثين عن مصادر موثوقة لتأمين الطاقة وإضعاف التحالفات الروسية الإقليمية والدولية.
وسبق لماكرون أن زار الجزائر العام 2017، لكنه كمرشح للانتخابات الرئاسية وحظي بدعم كبير حينها من طرف دوائر سياسية واقتصادية، خاصة مع موقفه المدين للاستعمار، لكن العلاقات تعطلت بعد ذلك ودخلت في نفق أزمة بين البلدين خاصة خلال الأشهر الأخيرة، والتي كانت بسبب ملف الذاكرة المشتركة.
وتأخرت باريس بالاعتراف بفوز تبون في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019، الأمر الذي اعتبر حينها ردا من باريس على صعود تيار مناهض للفرنسيين داخل المؤسسات الرسمية في الجزائر خاصة الجيش، وهو ما تكرس في التصريحات المدوية التي أطلقها ماكرون حول مسألة التاريخ والسلطة القائمة بالجزائر، فكان ماسحا لبعض مؤشرات التقارب التي أفرزتها عملية السماح بإعادة رؤوس وجماجم زعماء المقاومة الشعبية الجزائرية الذين كانت تحتفظ بهم في متحف الإنسان بباريس.