محركات نمو الاقتصاد السعودي تكسر حدود النفط

برز سوق العقارات السعودي كأحد المجالات الأكثر نشاطا خلال الفترة الماضية مدفوعا بانتعاش الناتج المحلي الإجمالي الكلي في أكبر اقتصادات المنطقة العربية، وفي ظل سياسة فتح الأبواب أمام النساء للمشاركة في النهوض بمؤشرات النمو.
الرياض - استطاعت بعض محركات النمو غير النفطية التي تعول عليها الحكومة السعودية بما فيها العقارات والترفيه كسر حدود النفط والذي ظل دائما محددا لانتعاش الاقتصاد المحلي.
فخلال شهر واحد فقط جرى بيع أكثر من 300 شقة في مجمع الرياض الجديد التابع للمطور العقاري عبدالسلام الماجد نقدا، دون أن يضطر حتى إلى الإعلان عنها.
ويؤكد المتابعون أن هذه هي السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، وأنه ليس من المستغرب أن يكون سوقها العقاري محموما مع تدفق الدخل الناجم عن ارتفاع أسعار النفط الخام من خلال الاقتصاد.
لكن الماجد الذي يرأس شركة الماجدية ريزيدنس للتطوير العقاري المملوكة لعائلته يعتقد أن التدافع على المنازل التي تبلغ تكلفتها في المتوسط حوالي مليون ريال (270 ألف دولار) يعكس شيئا آخر أيضا، وهو التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيد تشكيل البلد.

مونيكا مالك: ثمة عوامل إيجابية تتجمع في هذه المرحلة لبناء الاقتصاد
وتتسارع وتيرة هذا التحول بفضل برنامج الإصلاح الشامل الذي يشرف عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ العام 2016.
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى الماجد قوله إن “هناك تغييرا في العقلية” مع تبني بعض السعوديين أسلوب المعيشة الأكثر انفتاحاً الذي توفره شركته. وأضاف “حاليا يوجد إبداع جميل في التصميمات السعودية”.
وخفف الأمير محمد بن سلمان القيود المفروضة على الترفيه والسياحة أمام الأجانب والاختلاط بين الجنسين في أبرز مساعي الانفتاح الذي يريد ترسيخه بالتوازي مع محاولاته تقليص اعتماد بلاده على عوائد النفط.
وقبل عقد من الزمن، لم يكن العديد من مالكي العقارات يؤجرون حتى للنساء، اللائي كن في حاجة إلى موافقة أولياء أمورهن من الرجال على العديد من قرارات الحياة.
ولكن اليوم، تدخل النساء سوق العمل بأعداد أكبر، ونحو 30 في المئة من مشتري عقارات الماجدية هم من الإناث، ممن يشترين عقارات بغرض الاستثمار أو منزل خاص بهن.
وتقدم الماجدية عقاراتها للأثرياء ممن يريدون منازل ذات مخطط مفتوح مع وفرة في الضوء الطبيعي.
وكان العديد من السعوديين يفضلون في السابق المنازل ذات الجدران العالية والنوافذ الصغيرة للحفاظ على الخصوصية. لكن الانفتاح الاجتماعي، إلى جانب العائلات الأصغر والميزانيات الأقل غيّر ذلك التوجه.
وبُني أحدث مجمع تابع لشركة التطوير العقاري حول ساحات فناء مشتركة ويضم مقاهي وصالات رياضية وحضانة.
ويعكس هذا الأسلوب في التصميم نظيره الخاص بعقارات الإسكان الراقي في إمارة دبي، وهي المركز الإقليمي الذي يريد الأمير محمد منافسته، معلنا عن خطط لمضاعفة عدد سكان الرياض وجذب ملايين المغتربين.
ويبدو هذا هو السبب الرئيسي في تفاؤل الماجد، حيث قال إنه “كلما زاد عدد الأشخاص ارتفع عدد الشقق التي يحتاجون إليها”.

ومن الواضح أن السعودية تعيش أفضل فتراتها الآن حيث تساعد تلك النسوة في النهوض بالاقتصاد الذي تحول من نقمة العجز إلى نعمة الفوائض المالية بفضل انتعاش أسواق الطاقة العالمية.
ومع شعور معظم العالم بالقلق من التضخم المتزايد الذي تدعمه الحرب الروسية في أوكرانيا والركود المحتمل، فإن وصول متوسط سعر النفط إلى أكثر من مئة دولار للبرميل هذا العام يعني أن اقتصاد السعودية هو الأسرع نموا في مجموعة العشرين.
ويبلغ سعر النفط الخام الآن نحو 90 دولاراً للبرميل مع استمرار المخاوف العالمية من التباطؤ الاقتصادي، واحتمال زيادة المعروض من إيران إذا استمر إحياء اتفاقها النووي في التخييم على السوق.
وتوسع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بواقع 11.8 في المئة خلال الربع الثاني من العام الجاري، عندما نمى الاقتصاد غير النفطي بحوالي 5.4 في المئة وهو الآن أكبر مما كان عليه في نهاية عام 2019، قبل اندلاع الوباء.
والأسبوع الماضي أعلن عملاق النفط السعودي شركة أرامكو عن أكبر أرباح ربع سنوية معدلة فصليا مقارنة بأي شركة مدرجة على مستوى العالم.
كما تتدفق مليارات الدولارات على الخزائن السعودية وتزيد من استثمارات الدولة، مما يعزز معنويات القطاع الخاص الذي يعتمد على العقود الحكومية.
وقفز الإنفاق الرأسمالي بنحو 64 في المئة على أساس سنوي في الفترة الفاصلة بين شهري أبريل ويونيو الماضيين، مع بدء انتعاش كبير في قطاع البناء.
وشمل ذلك مراكز التسوق والحدائق بالإضافة إلى خطط هائلة لتشييد مدينة جديدة مبنية من الصفر، وتطوير مبان سياحية فاخرة على البحر الأحمر.
وتظهر إحصائيات رسمية نشرتها وزارة المالية مؤخرا ارتفاع الإنفاق الإجمالي بنحو 16 في المئة على الرغم من توقعات انخفاضه في الموازنة الأولية لهذا العام.

وفقا لمسح أجرته بلومبرغ لخبراء اقتصاديين، فمن المتوقع توسع الاقتصاد بنسبة 7.6 في المئة هذا العام، لكن النمو قد يتهاوى مجددا إلى 2.5 في المئة بحلول 2024.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري إنه “إذا حدث انهيار آخر في أسعار النفط سيتباطأ النشاط مجدداً. لكن هناك عددا من العوامل الإيجابية التي تتجمع في هذه المرحلة”.
وعادة ما تؤدي حرارة الصيف إلى سفر العائلات المترفة في السعودية إلى أجواء أكثر برودة في أوروبا، لكن أحدث المطاعم الراقية في الرياض أصبحت مكتظة بالزبائن.
وفي كويا، وهي سلسلة مطاعم أميركية لاتينية، تكون أكثر أوقات العشاء طلبا محجوزة بالكامل قبلها بشهر.
كما انتعشت عمليات السحب النقدي المجمعة ومعاملات نقاط البيع مجددا، وهي مؤشر على نشاط المستهلك، مع صعودها بنسبة 9 في المئة على أساس سنوي في يونيو بعد ارتفاعها القياسي في مارس.
وبلغ معدل التضخم الشهر الماضي 2.7 في المئة، أي نحو ثلث المعدل الموجود في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.
وتحاول وزارة المالية التخلص من دورة الازدهار والكساد المرتبطة بالنفط عبر ضخ الأموال في الصناديق السيادية والمشاريع طويلة الأجل مثل تصنيع السيارات الكهربائية والسياحة.