تطوير جزيرة الوراق في مصر يصطدم بالثقة المفقودة بين الحكومة والمواطنين

القاهرة - تصطدم مساعي الحكومة المصرية لتطوير جزيرة الوراق التي تبلغ مساحتها أكثر من ألف فدان وتتوسط نهر النيل بالقرب من القاهرة، بحالة فقدان الثقة بينها وبين مواطنين يرفضون الانصياع لتوجهاتها نحو إخلاء المنطقة وتعويضهم بمساكن أخرى لحين الانتهاء من عملية التطوير، ما تسبب في اندلاع اشتباكات بين قوات الأمن وعشرات من أصحاب الأراضي والوحدات السكنية بالجزيرة أخيرا.
ولم تصدر الحكومة توضيحاً بشأن ما جرى على الأرض في جزيرة الوراق قبل أن يعقد وزير الإسكان عاصم الجزار مؤتمرا صحافيًا بشأنها الخميس عقب تزايد وتيرة التوتر واتساع نطاق الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي واستغلال جماعة الإخوان لما تسرب من فيديوهات حول اشتباكات بين الأهالي وقوات الشرطة.
ودخلت أحزاب معارضة على خط الأزمة التي بدأت تأخذ أبعادا سياسية ومجتمعية، لأن الحكومة تعاملت بمنطق التكتم لحين حل المشكلات، بينما وجدت جهات معادية للحكومة المصرية فرصة لنشر مزيد من الشائعات حول طبيعة ما يحدث في جزيرة الوراق حتى باتت الحكومة متهمة بـ”التهجير القسري للمواطنين”.
وأدانت أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، وهي حركة معارضة تضم ثمانية أحزاب وعددا من الشخصيات العامة، اعتداء قوات الأمن على عدد من سكان جزيرة الوراق قاوموا عملية الإخلاء التي تريدها الحكومة، وانتقدت الحركة ما وصفته بـ”الممارسات الأحادية من قبل الحكومة”.
التطوير إن لم يجد أرضية من القبول المجتمعي سيجلب نتائج عكسية يدفع ثمنها الجميع بما في ذلك الحكومة
وقال الجزار الخميس إن الدولة تنفذ سياسة “الشراء الرضائي” لتطوير الجزيرة، نافيا ما أثير حول الإخلاء القسري لأهالي الوراق، ودلل على ذلك بأن الدولة “لم تتبع هذا الأسلوب في أي من مشروعاتها ولا يمكن أن تقوم بذلك”.
وأوضح وزير الإسكان أن حجم التعويضات التي تم دفعها حتى الآن في الجزيرة بلغ 6 مليارات جنيه (312 مليون دولار)، منها 5 مليارات (250 مليون دولار) لتعويضات الأراضي فقط، وبلغت تكلفة السكن البديل ملياري جنيه (104 ملايين دولار)، من أجل تنفيذ 4 آلاف وحدة سكنية في المنطقة العاجلة بالجزيرة.
ومنحت الحكومة فرصة الاختيار لساكني الجزيرة بين الحصول على وحدة في المدن الجديدة أو شقق بديلة يتم بناؤها في الجزيرة، غير أن ذلك لا يحظى برضاء مواطنين ارتبطت أشغالهم بالحياة وسط النيل، ويمتهن عدد كبير منهم الصيد والزراعة.
كما أن المنازل التي توفرها الحكومة في مدن جديدة بعيدة وتشكل عبئاً على بعض المواطنين الذين يقع محل عملهم في قلب القاهرة أو محافظة الجيزة الملاصقة لها.
وتتكرر أزمة فقدان الثقة بين المواطنين والحكومة في كل موقف مشترك بينهما، سواء في سن قوانين أو إزالة مخالفات مبان أو هدم عشوائيات.
ويرى مواطنون أن الحكومة مستفيدة من عملية جذب الاستثمارات لمنطقة الوراق وعليها تعويضهم بالشكل الذي يوازي ما سوف تحققه من عوائد اقتصادية، بينما يواجهون صعوبات عدة وبحاجة إلى تعويضات أكثر سخاء تحفزهم على ترك أماكنهم، ويؤمن هؤلاء أن الحكومة لم تقدم لهم ما يثبت أنها حريصة على مصالحهم.
ويشكل تقدم اللجوء إلى الوسائل الأمنية على السياسية أحد الأسباب التي تبرهن على أن لدى الحكومة مشكلة في الأدوات التي تستخدمها مع المواطنين لتنفيذ عملية التطوير.
ويعزز فشل الحكومة في إيجاد حلول تناسب المواطنين على مدار خمس سنوات منذ أن بدأت التفكير في مخطط تطوير جزيرة الوراق وحتى الآن أن هناك قطيعة بينها وبين أناس يتمسك بعضهم بموقفهم الرافض لمغادرة المنطقة، ويتعاملون مع الأمر على أنه أشبه بـ”الحياة أو الموت” في حين أن خطة التطوير قد تكون في صالحهم.
ويؤكد مراقبون أن التطوير إن لم يجد أرضية من القبول المجتمعي سيجلب نتائج عكسية يدفع ثمنها الجميع، وإصرار الحكومة على مخططها لنقل الأهالي من الجزيرة يظل شوكة في ظهرها ويكرس اتهامها بأنها تعادي الفقراء.
وناشدت عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي (معارض) سميرة الجزار رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بالتوجه إلى جزيرة الوراق لتفقدها والاستماع إلى مطالب سكانها والعمل على تنفيذها، ففي اعتقادها يؤكد الواقع أن المواطنين يساندون الدولة ويستجيبون لمطالب الأجهزة التنفيذية لتطوير جميع المناطق.
وسلط الحزب الديمقراطي الضوء على الأزمة ببيان له أشار فيه إلى وجود أبعاد قضائية تدفع المواطنين للتمسك بمنازلهم، قائلا “النزاع الخاص بملكية أهالي جزيرة الوراق لمنازلهم مازال منظوراً أمام القضاء ولم يُقض فيه بأحكام نهائية”.
وجاء التصعيد الأخير بعد أيام من خروج مظاهرات بالجزيرة احتجاجًا على إعلان رئيس الحكومة عن استحواذ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على 71 في المئة من إجمالي مساحة جزيرة الوراق وبدء عمليات التطوير ضمن مشروع حكومي لتحويلها إلى منطقة استثمارية تجارية وسياحية تسمى “حورس”.
وتبدو الأوضاع في الجزيرة بحاجة إلى حنكة سياسية مضاعفة في التعامل مع تفاعلاتها لتحقيق المرجو من عملية التطوير دون أن يتسبب ذلك في مشكلة، وقد يكون ذلك ثغرة تهدد نجاح الحكومة في توفير البيئة الملائمة للحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي وبدأت جلساته التمهيدية، لكنه مازال بحاجة إلى مزيد من الزخم السياسي ليعزز قناعة المواطنين بجدواه العامة.
وذكر رئيس حزب التحالف الشعبي مدحت الزاهد أن ما يحدث من جهات حكومية بخصوص أزمة الوراق يتنافى مع مبادئ الحوار الوطني، لأن التطوير لا يجب أن يكون على حساب أمن الناس الاجتماعي، ومطلوب أن تتصرف الحكومة بحكمة.
وأضاف لـ”العرب” أن هذه الممارسات قد تؤثر على جدية الحوار الوطني مع الحكومة، فالأحزاب شبه متفقة على ضرورة إنهاء الأزمة بما يضمن حقوق الأهالي بعيدا عن القرارات الأحادية، لافتا إلى أن تداعيات المشكلة قد تطول وتصطحب تداعيات سلبية معها ما لم يتم إعلاء قيم المساحة المشتركة بين الحكومة والمواطنين.
وتحاول السلطات المصرية تنفيذ خطط استثمارية في منطقة الوراق التي تصل مساحتها إلى ألف فدان، تشمل نقل عدد كبير من سكان الجزيرة إلى أماكن أخرى.
ويهدف المشروع إلى تحويل جزء من الجزيرة إلى مركز تجاري بمعايير عالمية بتكلفة إجمالية حوالي 17.5 مليار جنيه (900 مليون دولار).
وواجهت مشاريع تطوير العشوائيات في مناطق مختلفة اعتراضات شبيهة لكن الحكومة استطاعت في النهاية تمرير رؤيتها ووفت بوعودها بشأن عودة سكان بعض المناطق إليها بعد تطويرها في القاهرة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى منطقة الطيبي ومثلث ماسبيرو الذي يستعد قاطنوه ممن اختاروا العودة إلى منازلهم للرجوع إليها مرة أخرى.