السعودية هناء العنزي لـ"العرب": كل شخص من حولنا يمثل انعكاسا لجزء بداخلنا

الكتابة في مجال التوعية والتشافي النفسي ليست بأقل جمالية من الأدب، وإن كانت جمالية الأدب في بلاغته وأفكاره، فإن جمالية الكتابة المتماسة مع علم النفس تكمن في قدرتها على نحت القصص والرؤى الواضحة والمثيرة لتحقيق غاياتها. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة السعودية هناء العنزي المختصة بالكتابة التوعوية والتشافي النفسي والروحي والتأمل.
الرياض - ترى الكاتبة هناء العنزي أن معتقداتنا وأفكارنا تؤثر على كل شيء وأن هناك وعيا جمعيا حولنا مثل العائلة والمدرسة والمجتمع والبلد والحياة والواقع وما إلى ذلك، وأننا نستقبل طوال الوقت رسائل من الحياة، لكن هناك من ينتبه ويدرك لها وهناك من تمر عليه بلا انتباه أو إدراك لمعنى الرسالة والسر في استقبال وفهم وإدراك رسائل الحياة.
العنزي هي كاتبة سعودية مهتمة ببرامج توعية المجتمع والتشافي النفسي والروحي والتأمل وتطوير الذات وعيش حياة أفضل باحتمال أجمل، ومدربة ثيتا وممارسة وعي معتمدة من معهد الثيتا بالولايات المتحدة، كما تحمل شهادتي البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وفي إدارة الأعمال من جامعة الملك فيصل، وهي أخصائية توجيه وإرشاد نفسي، تخصص هواياتها للقراءة والرسم وعزف البيانو.
بسؤالها: إذا يمكننا التعامل مع الطفل الداخلي الذي تعرض لصدمات الطفولة، تبين العنزي بأن الطفل الداخلي “ذلك الجزء بداخلنا والذي يحمل كل خبرات وتجارب وصدمات وآلام طفولتنا والتي بدورها شكلت شخصية كل واحد منا وواقعه الحالي".
الطفل الداخلي
وتتابع "نعم بالتأكيد نستطيع التعامل معه بمجرد مواجهة الشخص لأي أزمة أو معاناة يمر فيها في وقته الحالي. أي مشكلة نمر بها أصلا هي نتاج معاناة أو صدمة أو موقف مررنا فيه بطفولتنا، وكل ذلك يتخزن بداخلنا فيما يسمى بـ'الطفل الداخلي'. إذ أن أي شخص يرغب بتغيير حياته للأفضل والتخلص من معاناة أو ألم أو صعوبات عليه بالضرورة التواصل مع الطفل الداخلي ومساعدته على تحرير الماضي والصدمات المؤلمة".
وتضيف “البداية الصحيحة هي من الداخل وليس من الخارج وعليه إدراك أن معالجة ومشافاة الطفل الداخلي لا بد أن تأخذ وقتها ومراحلها وعدم الاستعجال بالنتائج".
وعن كيفية تجاوز تأثير سلبيات الماضي على الحاضر والمستقبل، تذكر بأنهما "يتحددان بماهية ماضيك، فما تزرعه اليوم تجنيه غدا، وما لا يدركه الكثير من الناس أن اليوم أو غدا سيكون من الماضي، ومن ثم ما تقوم به خلال هذا اليوم من أقوال وأفعال لا بد أن تكون له نتائج في الغد، لذلك أنت من يحدد ماذا تريد أن تكون بناء على ما قدمت في الماضي، وكنتيجة حتمية عندما تعمل على تغيير سلبيات الماضي وآثارها على حاضرك ومستقبلك فأنت حرفيا تبني حاضرا ومستقبلا جديدا كليا".
◙ عندما نتأمل ندخل في حالة من التصالح مع النفس والماضي والواقع والأشخاص لنصل إلى الصفاء الذهني والحكمة
وبسؤالها هل تؤثر معتقداتنا وأفكارنا على كامل برمجيات تشكيل واقعنا وحياتنا بالمطلق؟ تقول العنزي لـ”العرب” إننا "لا نستطيع أن نقول ذلك بالمطلق حيث لا وجود لتأثير من شيء على شيء بالمطلق. دائما هناك استثناءات، ونعم تؤثر معتقداتنا وأفكارنا على كل شيء، ولكن لا ننسى بأن هناك وعيا جمعيا حولنا مثل العائلة، المدرسة، المجتمع، البلد، الحياة، والواقع، وما إلى ذلك. هذا كله يشترك في التأثير إلى جانب معتقداتنا وأفكارنا، لأنه بالنهاية فإن الشخص نفسه هو من يقرر قبول الفكرة أو رفضها".
وعن أهم آليات تحرير جذور الخوف والعيش بسلام، تضيف "هناك الكثير من الطرق والأساليب والمناهج المتخصصة؛ لتحرير جذور الخوف، ومن أبسطها وأسهلها يستطيع غير المتخصص القيام بها ومساعدة نفسه عبر ممارسة الرياضة بكل أنواعها حيث أنها تُحرك الصدمات والمخاوف المخزنة بالجسد، كذلك موازنة الأكل تُسهم بشكل كبير في توازن الجسم، وبالتالي توازن الهرمونات والمشاعر والأفكار، بالإضافة إلى أن النوم الجيد يساعد في التخلص من الخوف، وهناك التأمل والاسترخاء وهما من التقنيات القوية والفعالة جدا في تحرير جذور الخوف، وأيضا تساعد الكتابة على إخراج المخاوف من خلال تفريغ كل الخوف على الورقة ثم التخلص منها".
وبسؤالها كيف نحقق أهدافنا ونتوافق معها ذبذبيا؟ ترى العنزي أن "الجميع لديه أهداف وأحلام في حياته يرغب ويسعى لتحقيقها، والسر في ذلك أن يتوافق مع ذبذبات الهدف، والتوافق يحدث عندما يتطابق وينسجم ما بداخل هذا الشخص مع هدفه، وهذا التطابق والانسجام يحدث من خلال عمل الشخص على مشاعره وأفكاره".
وعن أبرز الأفكار والنوايا التي تشكل مستقبلنا تقول إن “كل فكرة وكل نية هي تشكل مستقبلنا، ولا توجد أفكار ونوايا محددة بذاتها تعمل على تشكيل مستقبلنا طالما أنت تفكر وتنوي، فإن هذا يصب في طريق صنع احتمالك المستقبلي، وفي نفس الوقت فإنه ليس بالضرورة أن تكون فكرة أو نية قد فكرت بها في الماضي وغيرتها اليوم تستمر بتشكيل مستقبلك، لأن احتمالك المستقبلي يتجدد حسب أفكارك ونواياك".
وبالنسبة إلى أهمية قيمنا في خارطة حياتنا.. تنوه بأن "الشخص بلا قيم واضحة لخارطة حياته لهو مثل المنزل بلا أعمدته الأربعة، وبالتالي سينهار ويتدمر، فوضوح قيم الشخص مثل النور الذي يرشده في طريقه عبر هذه الحياة، والمقصود بالقيم هنا هي التي بناء عليها تتخذ قرارات حياتك المفصلية أو تختار تخصصك أو عملك أو شريك حياتك أو غيرها من خيارات وقرارات الحياة".
التأمل ورسائل الحياة
تكشف العنزي بأن التأمل يغير حياتنا للأفضل. فهو "جزء لا يتجزأ من حياة كل نبي ورسول وهو موجود في كل الأديان، فهو يوصل الشخص لحقيقته الأسمى ولسلامه الداخلي، وهذا بالطبع يُسهم في تطوير احتمالات الحياة للشخص في كل الجوانب. فنحن عندما نتأمل ندخل في حالة من التصالح مع النفس، والماضي، والواقع، ومع الأشخاص، ونصل إلى صفاء ذهني وقوة الذاكرة والتفكير بحكمة".
وفي خضم علاقاتنا التي هي انعكاس ومرآة لذواتنا.. توضح بأن "كل شخص من حولنا يمثل انعكاسا لجزء بداخلنا، فالزوج النرجسي أو المدير المتسلط أو الطفل كثير المشاغبة انعكاس لداخلك هم مجرد مرآة لشيء تحمله في نفسك يحتاج إلى تغيير، وهم مجرد تذكير لك بوجودهم، ومن خلالهم تجلت الفكرة والشعور الذي يحتاج إلى التغيير، فالمرأة التي تزوجت النرجسي هو رسالة لها وتذكير لتحب وتقدر وتحترم ذاتها وحقها بالحياة، والشخص الذي يعمل لدى مدير متسلط هو رسالة له وتذكير؛ ليتعلم كيف يضع الحدود في العلاقات ويفرض احترامه ويدافع عن نفسه، والأم التي أنجبت طفلا مشاغبا هو رسالة لها وتذكير؛ لتتعلم كيف تكون أما مسؤولة؟ هم جميعا مرآة لذواتنا سواء أدركنا ذلك أم لا!".
كل شخص من حولنا يمثل انعكاسا لجزء بداخلنا، فالزوج النرجسي أو المدير المتسلط أو الطفل كثير المشاغبة انعكاس لداخلك هم مجرد مرآة لشيء تحمله في نفسك
وتؤكد بأن كارما الأجداد هي "ما نجنيه كنتاج لتوارث أفكار ومشاعر عبر الأجيال منها الإيجابي ومنها السلبي، وبالتالي فإن نتائج هذه الأفكار والمشاعر المتراكمة جيلا فوق جيل إما أن تحسن واقعنا أو تدمره، وأن التوارث السلبي للأفكار والمشاعر السيئة بالتأكيد يسبب تكرار المعاناة عبر الأجيال".
وتختتم العنزي حديثها لـ"العرب" بالقول إننا "طوال الوقت نستقبل رسائل من الحياة، لكن هناك من ينتبه ويدرك وهناك من تمر عليه ولا يدرك معنى الرسالة، بينما هو اتصال الشخص بداخله وبصوت قلبه عندما تنتبه لشعور قلبك تجاه موضوع أو قرار أو شخص أو طريق معين وتثق بهذا الشعور وتجعله يقودك ويرشدك دون تكذيب أو شك بهذا الصوت، فأنت هنا تكون فتحت الباب لكل الإرشادات الإلهية لك كأن يرسل الله لك شخصا يساعدك في هذا الطريق أو أن يلهمك فكرة في هذا الموضوع أو أن يرسل لك تحذيرا من هذا الشخص.. عندما نصدق صوت قلوبنا فإننا نفهم رسائل الحياة لنا”.