غلاء الفوط الصحية يمنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس في البلدان الفقيرة

أكرا - تتغيب الطالبة الغانية جولييت أوبوكو عن المدرسة لمدة أسبوع تقريبا كل شهر لأن والديها، وهما مزارعان، لم يعودا قادرين على تحمل تكاليف الفوط الصحية. حيث زادت تكلفتها بأكثر من الضعف إلى 12 سيدي غاني (1.43 دولار) من 5 سيدي غاني العام الماضي في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا. وبلغ التضخم حوالي 32 في المئة، مما أجبر العائلات الفقيرة مثل أوبوكو على التركيز على شراء الطعام بدلا من المنتجات الصحية.
وقالت الفتاة البالغة من العمر 15 سنة لمؤسسة تومسون رويترز عبر الهاتف من منطقة أشانتي الجنوبية بغانا “أتغيب عن المدرسة لأن الأولاد سخروا مني حين تسرب الدم إلى زيي المدرسي. وأثر ذلك على معنوياتي”.
وأضافت أوبوكو، التي تريد أن تصبح ممرضة، “الفوط الصحية باهظة الثمن… أستخدم أحيانا ورق المرحاض أو حفاضات الأطفال أو القماش أثناء الحيض”.
بدائل مؤقتة
سعر عبوة الفوط الصحية ارتفع بنسبة 117 في المئة في زيمبابوي وبنسبة 50 في المئة في الكونغو الديمقراطية
كما تضطر “سمر”، (اسم مستعار)، وهي لاجئة فلسطينية من مخيم مار إلياس في بيروت، إلى تمزيق سروال “جينز” قديم، وتقسيمه إلى أجزاء تتلاءم مع حاجتها لاستخدامها بديلاً عن الفوط الصحية خلال دورتها الشهرية. شأنها شأن “عبير”، لبنانية، تعيش في ضواحي بيروت، التي علمتها والدتها كيف تستخدم قطع قماش بدلاً من الفوط أيضاً، وذلك بعد الارتفاع الجنوني في أسعار الفوط الصحية ومستلزمات النساء خلال الدورة الشهرية، في ظل الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يضرب البلاد.
ويقول خبراء الصحة والجمعيات الخيرية إن المشكلة العالمية المتمثلة في تصاعد تكلفة الفوط في العديد من الدول الأفريقية، دفعت المزيد من الفتيات إلى ترك المدرسة أو إلى بدائل غير صحية يمكن أن تسبب العدوى والعقم.
وارتفع سعر عبوة الفوط الصحية بنسبة 117 في المئة في زيمبابوي وبنسبة 50 في المئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بحلول أبريل مقارنة بشهر يناير، وفقا لأكشن آيد انترناشونال التي تنظم حملات من أجل حقوق النساء والفتيات.
وحسب منظمة “في – مايل” اللبنانية ارتفعت أسعار الفوط الصحية المستوردة ما بين 66 في المئة و409 في المئة فيما ارتفعت أسعار المنتجات الوطنية من98 في المئة إلى 238 في المئة بحسب الأصناف، وما كان سعره يتراوح بين 4000 ليرة و6000 ليرة بات اليوم يتراوح بين 25 و35 ألف ليرة لبنانية.
وتقول المؤسسات الخيرية إن هذا قد يخلّف عواقب وخيمة على ملايين الفتيات الأفريقيات مما يؤثر على تعليمهن وصحتهن وكرامتهن، ويدفعهن إلى ممارسة الجنس بمقابل مع رجال أكبر سنا وتفاقم عدم المساواة بين الجنسين في نهاية المطاف.

وقالت سوغانيا كيمبرو من خدمات الإغاثة الكاثوليكية “مع استمرار ارتفاع الأسعار، أصبح شاغلنا الرئيسي هو تخلي النساء عن الإنفاق على الصحة، مثل الأدوية والمنتجات الصحية، لإعطاء الأولوية للطعام وأشياء أخرى لدعم أسرهن”.
وقالت كيمبرو، وهي نائبة مدير جودة البرامج في شرق أفريقيا “قد يكون لهذا تأثير هائل على الفتيات الملتحقات بالمدرسة والنساء اللائي يكسبن رزقهن”، مضيفة أن العائلات كانت تتخطى أيضا وجبات الطعام وتبيع الماشية للتكيف.
وقالت المديرة التنفيذية بالشراكة في منظمة “في – مايل”، علياء عواضة، إن “فقر الدورة الشهرية أصبح للأسف واقعًا في لبنان، وله الكثير من التأثيرات السلبية والضرر المباشر على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات. مع الإشارة إلى أنّ هذا الموضوع ينتقص من كرامة النساء الإنسانيّة ويؤدّي إلى عدم شعورهنّ بالأمان أثناء فترة حيضهنّ”.
وتبدلت طريقة تعامل كل فتاة وامرأة في لبنان مع دورتها الشهرية ومستلزماتها، بحسب وضعها المعيشي وظروفها المادية، لكن الثابت أن 76 في المئة منهن يعانين من صعوبة في الوصول إلى منتجات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الحادّة في الأسعار الناتجة عن الأزمة الاقتصاديّة وانهيار العملة اللبنانية، وذلك بحسب دراسة إحصائية وطنيّة نفذّتها منظمة “في – مايل” بالشراكة مع منظمة “بلان انترنشيونال”.
ويُعرَّف فقر الدورة الشهرية بصعوبة الحصول على منتجات النظافة الصحية، ونقص الثقافة الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية، ودورات المياه، ومرافق غسل اليدين، أو إدارة المخلفات. وهو أمر شائع في معظم أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهذا ما يسبب تغيب الفتيات عن الدراسة وحتى الانقطاع عن الدراسة تماما.
عدم المساواة

وجدت دراسة رعتها مؤسسة بيل وميليندا غيتس في كينيا أن 65 في المئة من النساء والفتيات غير قادرات على شراء الفوط وأن 32 في المئة فقط من المدارس الريفية لديها مكان خاص مثل دورات المياه للفتيات لتغيير الفوط.
وتقدر الأمم المتحدة أن واحدة من كل 10 فتيات في أفريقيا جنوب الصحراء تتغيب عن المدرسة خلال فترة الحيض، والتي يمكن أن تصل إلى 20 في المئة من العام الدراسي.
وحتى إذا أكملت هؤلاء الفتيات تعليمهن، فمن المحتمل أن يتخلفن عن الأولاد في سنهن، مما يؤدي إلى تعمّق عدم المساواة القائمة في التحصيل العلمي، كما يقول النشطاء.
وعندما تستخدم الفتيات بدائل مؤقتة، مثل الورق والخرق القديمة والأوراق، فإنهن يتعرضن لخطر الإصابة بعدوى الجهاز التناسلي والمسالك البولية، كما يقول خبراء الصحة.
وقالت أنيتا أسامواه، وهي مناصرة مستقلة للصحة العامة “يمكن للفتيات أن يصبن بعدوى بكتيرية عامة من استخدام قطع القماش. وإذا لم يتم أخذ الرعاية المناسبة، فإن هذه الالتهابات ستؤدي لاحقا إلى مرض التهاب الحوض أو العقم”.
ومرض التهاب الحوض هو عدوى تصيب الرحم وقناتي فالوب والمبيضين، مما يصعب الحمل ويزيد من فرص حدوث الحمل خارج الرحم في قناتي فالوب.
من دون مال لشراء الفوط، تمارس بعض الفتيات الجنس مع رجال أكبر سنا بمقابل، مما يؤدي إلى استمرار دورة الاعتماد والاستغلال، والتي يمكن أن تؤدي إلى الحمل غير المرغوب فيه والأمومة المبكرة.
التهاب الحوض هو عدوى تصيب الرحم وقناتي فالوب والمبيضين، مما يصعب الحمل ويزيد من فرص حدوث الحمل خارج الرحم في قناتي فالوب
وقالت أدجوا نيانتنغ ييني، التي تعمل في مجال الصحة الجنسية للمراهقين مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في غانا “لقد أغراهن الرجال بالدخول في علاقات جنسية تبادلية مقابل فوط صحية. ووقعت العديد من الفتيات ضحية الحمل في سن المراهقة والحمل غير المخطط له”.
ووجدت الأبحاث التي أجراها معهد البحوث الطبية الكيني والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في المناطق الريفية بغرب كينيا أن 10 في المئة من الفتيات البالغات من العمر 15 عاما اللاتي شملهن الاستطلاع مارسن الجنس مع الرجال للحصول على منتجات الدورة الشهرية.
يحث نشطاء في الدول الأفريقية على إلغاء الضرائب الموظفة على المنتجات الصحية النسائية لجعلها في متناول الجميع. ولم يفعل ذلك سوى عدد قليل من البلدان، مثل كينيا ورواندا وجنوب أفريقيا.
وتفرض غانا ضريبة استيراد بنسبة 20 في المئة وضريبة قيمة مضافة إضافية بنسبة 12.5 في المئة على الفوط التي تصنفها هيئة الإيرادات الغانية على أنها سلع فاخرة.
ويقول النشطاء إنه يتعين على المزيد من الدول توفير فوط صحية مجانية لطالبات المدارس، على غرار المثال الذي وضعته كينيا وجنوب إفريقيا وبوتسوانا وزامبيا، بالإضافة إلى منتجات أرخص وقابلة لإعادة الاستخدام مثل السراويل ذات البطانات القابلة للغسيل وأكواب الدورة الشهرية.
من جهتها عبرت مديرة برامج الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في منظمة “بلان إنترناشيونال” لما نجا، عن قلق المنظمة من تأثير تدهور الأوضاع في لبنان على المراهقات والنساء، وخاصة مع تزايد أعداد اللواتي استبدلن الفوط الصحية ولجأن إلى استخدام طرق بديلة وغير آمنة، “ما يشكل خطرا حقيقيا على حقوق وصحة المراهقات والنساء الجنسية والإنجابية. في حين أن الدورة الشهرية ليست خيارا بل واقعا بيولوجيا والوصول إلى منتجات الدورة الشهرية هو حق من حقوق الإنسان”.
يترأس كوفي كيريماتينغ نيانتنغ منظمة “كولد يو؟” (هل تستطيع؟) في غانا، وهي توزع أكواب الحيض السيليكونية على الفتيات المهمشات على مستوى العالم.
وقال “نحن في حاجة إلى استكشاف طرق فعالة ومستدامة لمعالجة فقر الدورة الشهرية. تكمن إحدى الإستراتيجيات المؤكدة في وضع منتجات قابلة لإعادة الاستخدام مثل كأس الدورة الشهرية على مكاتب صانعي السياسات”، مضيفا أن الأكواب يمكن أن تُعتمد لمدة تصل إلى 10 سنوات.