اليد العاملة تنسحب من السوق الأميركية: 10 ملايين وظيفة شاغرة

واشنطن - تتزايد طلبات البحث عن عاملين في الولايات المتحدة، من بائعين وندل واختصاصيين وسعاة بريد، نتيجة تقلّص اليد العاملة خلال جائحة كوفيد – 19، في ظلّ إحالات على التقاعد وقيود على الهجرة وإصابات بالمرض طويلة الأمد.
وعلقت لافتات كُتب عليها “مطلوب عمّال” على امتداد الطرق، أمام المطاعم أو حتّى على الحافلات. فأصحاب الأعمال يسعون لتوظيف عدد أكبر من الأشخاص في ظلّ الاستهلاك الجامح للأميركيين، لكن يصعب عليهم إيجاد ضالتهم.
وكانت حوالي 10 ملايين فرصة شاغرة في يونيو، وفق أحدث المعطيات في هذا الصدد، في حين لم يكن عدد الباحثين عن عمل يتخطّى 6 ملايين.
لمواجهة هذه المعضلة، لا بدّ من اجتذاب الناس إلى سوق العمل من جهة ولجم الاستهلاك المفرط للأميركيين من جهة أخرى
وجاء في بيان صادر عن غرفة التجارة الأميركية “لدينا عدد كبير من الوظائف وعدد غير كاف من العمّال… ويطال هذا النقص القطاعات كافة”.
وتوقّف كثيرون عن العمل في ربيع 2020 عندما وجّهت جائحة كوفيد – 19 ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي. ولم يعودوا إلى أعمالهم منذ ذلك الحين.
وأفادت غرفة التجارة “كان ليكون لنا 3.4 مليون شخص إضافي في سوق العمل لو بقيت نسبة الانخراط في السوق على حالها كما قبل الجائحة”.
وكثير من هؤلاء تقاعدوا عن العمل “فسكّان الولايات المتحدة يتقدّمون في السنّ”، على ما قال نيك بنكر المتخصّص في سوق العمل الأميركية والمشرف على الأبحاث الاقتصادية في موقع “إنديد” لإعلانات الوظائف.
وبدأ أبناء جيل طفرة الإنجاب بالانسحاب من سوق العمل قبل جائحة كوفيد – 19، غير أن “الإحالات على التقاعد تسارعت” في بداية الأزمة الصحية، بحسب ما قالت ديان سوونك كبيرة الاقتصاديين في شركة “كي.بي.إم.جي”، لوكالة فرانس برس.
واختار الملايين من الأشخاص التقاعد مبكرا، خشية على صحّتهم، مستفيدين من ارتفاع أسعار الأسهم في البورصة والعقارات لإجراء صفقات بيع والانتفاع من مدّخراتهم.
ومن المستبعد أن تعود اليد العاملة إلى مستويات ما قبل الجائحة، بسبب تقدّم السكّان في العمر، وفق بنكر.
الملايين اختاروا التقاعد خشية على صحّتهم، مستفيدين من ارتفاع أسعار الأسهم في البورصة والانتفاع من مدّخراتهم
وما يعزّز هذه الفرضية هو أن “الهجرة ليست بوتيرة كافية للتعويض عن أبناء جيل طفرة الإنجاب الذين ينسحبون من السوق”، بحسب ديان سوونك.
فالقيود المفروضة على الهجرة في عهد دونالد ترامب تسبّبت بخفض عدد الوافدين إلى النصف بين 2016 و2019. ثمّ أتت جائحة كوفيد – 19 لتخفّض بعد أكثر أعدادهم التي باتت في 2021 توازي ربع ما كانت عليه في 2016.
وأوضح بنكر “انتعش الوضع قليلا، لكننا لم نبلغ بعد المستويات التي كانت سائدة قبل بضع سنوات”.
ويرد “التقاعد المبكر وتراجع الهجرة” من جملة الأسباب التي تقدّمها غرفة التجارة الأميركية لتفسير الوضع، فضلا عن المساعدات السخية التي منحتها الحكومة خلال الجائحة والتي “زادت من عائدات بعض العاملين الذين ما عادوا بحاجة إلى العمل”.
وتوقّفت النساء أيضا عن العمل في 2020 بأعداد كبيرة، بسبب إغلاق المدارس طوال سنة ونصف السنة. ولم تعد كثيرات منهنّ للعمل بسبب تحديدا نقص اليد العاملة في دور الحضانة.
وأشارت ديان سوونك إلى “تداعيات الجائحة بذاتها” مع أشخاص أصيبوا بالفايروس أو يعانون من كوفيد – 19 طويل الأمد “وهي من المشاكل التي لم تقدّر على حقيقتها ولم تحلّل كما ينبغي وتبقي أشخاصا بعيدين عن سوق العمل”.
ويفاقم هذا الوضع نقص اليد العاملة “ويعقّد بدوره البحث عن عمل”، وفق الخبيرة الاقتصادية.
ولمواجهة هذه المعضلة، لا بدّ من اجتذاب الناس إلى سوق العمل من جهة ولجم الاستهلاك المفرط للأميركيين من جهة أخرى كي لا تضطر الشركات إلى توظيف هذا العدد الكبير من الأشخاص.
ومن المرتقب أن يستمرّ هذا النقص لكن أن يتقلّص بعض الشيء، إذ أن التدابير المتّخذة لمواجهة التضخّم الشديد تؤدّي إلى تباطؤ الاقتصاد ومن ثمّ العمالة.
ويستفيد الموظّفون راهنا من الوضع مع تزاحم أصحاب العمل على تقديم رواتب أعلى وشروط عمل أفضل.
ويؤدّي ذلك إلى ارتفاع الراتب الوسطي الذي بات في القطاع الخاص يوازي 32.27 دولار (زيادة بنسبة 5.2 في المئة في خلال سنة)، ما يغذّي بدوره التضخّم.
وفي يوليو انتعشت سوق العمل في الولايات المتحدة مع التعويض عن الوظائف التي تسبّبت الجائحة بفقدانها والمقدّرة بـ22 مليونا وتراجع البطالة إلى 3.5 في المئة.