احتجاجات غاضبة في الشمال السوري تنديدا بدعوة تركيا للمصالحة مع النظام

محتجون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية يصفون دعوة تركيا للمصالحة مع النظام بالخيانة العظمى، ويشددون على أن لا بديل لهم سوى إسقاط الأسد.
الجمعة 2022/08/12
مخاوف من انقطاع المنافع

دمشق – شهدت كبرى المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، شمال غربي البلاد، مساء الخميس، خروج محتجين على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، حول إعادة العلاقات مع النظام السوري، وعن دعم تركيا للسلام بين النظام والمعارضة، فيما أعلن قياديون في المعارضة المسلحة أن لا مصالحة مع "الأسد".

وكان كشف جاويش أوغلو، أنه التقى بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في العاصمة الصربية بلغراد في وقت سابق.

وقال جاويش أوغلو" للصحافيين، الخميس، "أجريت محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري في اجتماع دول عدم الانحياز ببلغراد. علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم".

وخرجت مظاهرات غاضبة في العديد من المدن والبلدات في مناطق الشمال السوري، أبرزها إعزاز ومارع والباب وجرابلس وعفرين بريف حلب، وفي مناطق عدة بمحافظة إدلب، ورأس العين بريف الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة منددين بتصريحات وزير الخارجية التركي، داعين إلى مواصلة الاحتجاجات وإقامة تظاهرات في سائر المنطقة، بعد صلاة الجمعة.

ووصف نشطاء تصريحات وزير الخارجية التركي بأن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا في المصالحة بين المعارضة والنظام  بـ"الخيانة العظمى".

واعتبر الناشط السياسي المعارض إبراهيم الحاجي بأن قرار السلم والحرب بأيدي من أسماهم بـ"الثوار" مشيرا إلى مصالحهم تتعارض مع مصالح تركيا الساعية للتطبيع مع النظام السوري.

 

ومن جانبه، طالب الناشط السياسي المعارض صالح الغانم وزير الخارجية التركي بإعلان المصالحة أولا مع المعارض الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة عبدالله غولن ومع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا تنظيما إرهابيا، ليفكروا بعدها بالمصالحة مع النظام السوري.

شهدت إعزاز شمالي حلب، اقتحام المتظاهرين لمديرية الأمن بالمدينة وتوجهوا إلى مبنى المجلس المحلي وقاموا بإنزال العلم التركي وإحراقه، وسط دعوات لإزالة العلم التركي من جميع المناطق الخاضعة لنفوذ الفصائل، كما منع المتظاهرون من مرور رتل تركي على طريق عفرين-اعزاز، والدخول إلى مدينة اعزاز. في حين خط المحتجون عبارات على الجدران جاء بأبرزها "تسقط تركيا ويسقط النظام".

وفي بلدة الراعي، منع المحتجون دورية تركية من المرور بأحد الطرقات الرئيسية، وأشعلوا إطارات، وأغلقوا الطريق بالحجارة، كما ردّدوا شعارات رافضة للتصريحات التركية، وأحرق محتجون آخرون العلم التركي، وشطبوا أسماء بعض المرافق التي تحمل دلالات تركية.

إلى ذلك، أعلن قياديون في المعارضة المسلحة رفضهم لأي مصالحة مع النظام السوري.

 وقال القيادي في "الجيش الوطني" و"فرقة المعتصم"، الفاروق أبوبكر "لا شأن لنا في موازين السياسة وتقلباتها لا كلمة لنا إلا ما صدحنا بها من أول يوم في ثورتنا لن نركع ولن نصالح المجرمين ولن نجالس قتلة الأبرياء ولن نتنازل عن حقوقنا في الحرية والكرامة".

أما القائد السابق للفيلق الثالث في "الجيش الوطني" أبوأحمد نور، فوضع عدة شروط للصلح مع نظام الأسد، وقال عبر حسابه على تويتر، "إذا حضر الصلح الشهيد غياث مطر ووافق عليه حمزة الخطيب ووقع عليه حجي مارع، وإذا خرج الغارقون من البحار، وإذا عادت المدن المدمرة شامخة كما كانت قبل براميل بشار الأسد، وإذا وافقت أمهات الشهداء واندملت جراحات المصابين وزالت الخيام ونسي المعتقلون ليالي البؤس، وقتها قد نصالح".

وقال وزير الدفاع في "الحكومة السورية المؤقتة"، حسن حماة، إنه "عند أول صيحة (الشعب يريد إسقاط النظام)، هي نقطة اللاعودة. انتهى"، مؤكداً أنه "لا بديل عن إسقاط الأسد".

وفي بيان لإدارة التوجيه المعنوي، التابعة لهيئة الأركان العامة في الحكومة السورية المؤقتة، أكّدت أن نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة، وهو مخلب إيران وذيل روسيا، مشيرة إلى أن من مسؤولية الجيش الوطني التصدي له بالوسائل المشروعة كافة إلى حين خضوعه لإرادة الثورة وقرارات المجتمع الدولي في تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها لنظام الأسد.

ولاحظ مراقبون أن أمراء الحرب والمنتفعون من بقاء الوضع على ماهو عليه هم من سارعوا برفض المصالحة مع النظام السوري، فطيلة السنوات الماضية كانوا يسبحون بحمد أردوغان ونظامه، لكن مع شعورهم باقتراب نهايتهم انقلبوا عليه وكالوا له الصاع صاعين، إذ تمثل المصالحة فقدانهم لمناطق سيطرتهم وانقطاع ما يجنوه من منظمات حقوق الإنسان، وأيضا ما يحصدوه من التهريب من منافع جمة من عمليات التهريب.

وتكشف تصريحات وزير الخارجية التركي عن انقلاب شامل في الموقف التركي وسط حديث عن تسوية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد بعد فشل مساعي أردوغان لإسقاط الأسد خلال عشر سنوات.

وقبل يومين ذكرت صحيفة "تركيا" المقربة من دوائر حكومية، أن هناك أنباء عن محادثة هاتفية محتملة بين أردوغان والأسد. وبينت الصحيفة أن الزعيم الروسي دعا الأطراف للاجتماع لإجراء مناقشات.

وقالت الرئاسة الروسية "الكرملين"، إن الإجابة بخصوص المزاعم عن خطة اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد باقتراح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يمكن لموسكو إعطاء تعليق عليها.

وأوضح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الثلاثاء الماضي، أن الشؤون السورية تمت مناقشتها من قبل قادة روسيا الاتحادية وتركيا، ما تبقى هي القضايا الثنائية للنظام السوري وأنقرة، وفق وكالة ريا نوفوستي.

وقال بيسكوف للصحافيين "تمت مناقشة الشؤون السورية خلال اجتماع عقد مؤخراً في سوتشي، أما بالنسبة لآفاق الاتصالات الثنائية عبر الهاتف، فيجب أن تسأل الجانب التركي أو الجانب السوري".

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال خلال رحلة عودته من سوتشي عقب لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي "بوتين لديه مقاربة تقوم على تفضيله لجوء تركيا إلى خيار حل مسألة مكافحة الإرهاب مع النظام".

وأضاف "ونحن نقول إن أجهزة استخباراتنا تتواصل أساساً مع استخبارات النظام حول هذه المواضيع، ولكن المهم التوصل إلى نتيجة، فإن كانت أجهزة استخباراتنا تلتقي مع مخابرات النظام، ورغم ذلك يتحرك الإرهابيون في المنطقة، فيجب عليكم (روسيا) دعمنا في هذا الأمر، ولدينا اتفاق بهذا الخصوص".

ومن شأن انقلاب الموقف التركي تجاه سوريا والبحث عن تسوية مع الأسد أن تقود إلى مراجعة خطته لإقامة منطقة عازلة بعرض ثلاثين كيلومترا في العمق السوري وعلى طول الحدود، خاصة بعد أن فشل في تسويق هذه الخطة لدى الدول المؤثرة في الملف السوري ولاسيما روسيا والولايات المتحدة.

وتعتبر الولايات المتحدة الأكراد في شمال سوريا حليفًا رئيسيًا في الحرب ضد داعش. وتقول إن أي حملة عسكرية تركية في المنطقة ستشكل خطرا على القوات التي تقاتل تنظيم داعش.
كما تتحدى الدول الأوروبية أي توغل تركي جديد.

ومن جانبها ترفض روسيا شن عملية واسعة شمال سوريا، وتعتبر أنها ستقود إلى المس من وحدة الأراضي السورية، وتعرض على أنقرة التعاون مع النظام السوري لمواجهة الإرهاب بدلاً من شن عملية عسكرية غير مضمونة.

كشفت منظمات حقوقية، نقلاً عن مصادر أهلية، أن القوات التركية انسحبت من قاعدتين بريف تل أبيض الغربي شمال سوريا، في قريتي حرقلي وتانوز.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مراقب حرب حقوقي مقره المملكة المتحدة، أن الجيش التركي نفّذ الانسحاب بالتنسيق مع القوات الروسية في المنطقة.

ومن المرجح أن تحل القوات الروسية وقوات النظام السوري في تل أبيض محل القوات التركية في اتفاق غير معلن بين موسكو وأنقرة.