الحكومة الكويتية تحاصر الفرعيات مع اقتراب موعد الانتخابات

لم تكن العبارة التي تضمنها المرسوم الأميري بشأن حل مجلس الأمة والتي تنص على العودة إلى الشعب “باعتباره المصير والامتداد” مجرد إشارة عابرة، كما كان حاصلا في المرات السابقة، وهو ما أظهرته الحملة الجارية على الفرعيات التي اختطفت على مدار العقود الماضية حق الشعب الكويتي في تقرير مصيره واختيار ممثليه، واليوم يبدو أن الفرصة سانحة أمامه لاستعادة زمام الأمور.
الكويت - أظهرت الحكومة الكويتية الجديدة جدية في التعامل بحزم مع الانتخابات الفرعية من خلال سلسلة من المداهمات قامت بها الأجهزة الأمنية مؤخرا والتي حالت دون انعقاد مثل هذه الانتخابات غير القانونية في عدد من الدوائر الانتخابية.
وأشادت أوساط سياسية كويتية بالجهود المبذولة من قبل حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح للقطع مع “الفرعيات” التي شوهت العملية الديمقراطية في الكويت، واختطفت من الكويتيين حقهم الدستوري في تقرير مصير بلادهم السياسي.
وذكرت الأوساط أن هناك حاجة اليوم إلى تشديد العقوبة على المتورطين في المشاركة في هذه الانتخابات، من بينها حرمانهم من المشاركة في الاستحقاق التشريعي تصويتا وترشحا.
وتتمثل الفرعيات في عملية انتخابات مصغرة متكاملة الأركان تجريها معظم القبائل الكويتية ويكون مقرها الدواوين. وتشهد هذه الانتخابات تنافسا كبيرا بين المرشحين، وتقدم فيها طعون على النتائج يتم الحسم فيها من قبل لجنة مكلفة بالغرض أو شيخ القبيلة.
وأصدرت السلطة الكويتية في العام 1998 قانونا يقضي بحظرها، إذ تقول المادة الخامسة والأربعون من قانون الانتخاب “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ألفي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعا إليها”.
منع الفرعيات لن يؤثر فقط على مرشحي المكونات القبلية المهيمنة، بل أيضا على بعض الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة
ولكن هذا القانون ظل على مدار السنوات الماضية مجرد حبر على ورق، رغم دعوات النشطاء إلى تفعيله، معتبرين أن هذه الانتخابات كانت السبب الرئيسي في إفراز نفس التركيبة البرلمانية التي أدت بالبلاد إلى حالة من الشلل السياسي.
وكان رئيس الوزراء الكويتي وجه بالتعامل بحزم وبلا تهاون مع الانتخابات الفرعية، وتم تشكيل قوة أمنية للغرض لإحباط عقد مثل هذه الانتخابات.
وأعلنت وزارة الداخلية الكويتية أن قطاع الأمن الجنائي تمكن من ضبط مجموعة من الأشخاص يقومون بإجراء انتخابات فرعية، وعُثر على صندوق اقتراع وأدوات تُستخدم في عملية الانتخاب والفرز وأختام وأوراق متلفة استُخدمت في عملية التصويت.
وأوضحت وزارة الداخلية أن العمل يجري حالياً لضبط باقي المتورطين في الانتخابات الفرعية، وإحالة المتهمين والمضبوطات إلى النيابة العامة.
وكانت مصادر حكومية تحدثت في وقت سابق لـ”القبس” المحلية عن توجيهات مشددة صدرت لوزارة الداخلية بالتحرك السريع لضبط أي “فرعية”، مع الدعم والإسناد من جميع أجهزة الدولة، واستمرار الرصد لدعوات تنظيمها.
وأشارت المصادر إلى أن وزارة الداخلية تنفذ آلية متطورة للكشف عن الإعلان عن “الفرعيات” تحت ستار “مناسبات اجتماعية” لمنع أي التفاف على القانون.
وتأتي هذه التحركات الحثيثة من قبل الأجهزة الأمنية مع اقتراب إعلان موعد انتخابات مجلس الأمة الذي صدر مرسوم أميري بحله في الثاني من أغسطس.
وذكر المرسوم الذي وقّعه ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح “(…) تصحيحا للمشهد السياسي وما فيه من عدم توافق وعدم تعاون واختلافات وصراعات وتغليب المصالح الشخصية وعدم قبول البعض للبعض الآخر وممارسات وتصرفات تهدد الوحدة الوطنية، وجب اللجوء إلى الشعب باعتباره المصير والامتداد والبقاء والوجود ليقوم بإعادة تصحيح المسار بالشكل الذي يحقق مصالحه العليا، وبناء عليه (…) يحل مجلس الأمة”.
ومن المنتظر أن ينظر المجلس في مرسومي دعوة الناخبين وإجراء الانتخابات في جلسته المقررة في الخامس عشر من الشهر الجاري، على أن يتم نشر المرسوم في ملحق خاص بالجريدة الرسمية “الكويت اليوم” يوم الثلاثاء الموافق للسادس عشر من الشهر ذاته.
ويفتح باب تسجيل الراغبين في الترشح يوم الأربعاء الموافق للسابع عشر من أغسطس الجاري ولمدة عشرة أيام على أن تجرى الانتخابات في الرابع والعشرين من سبتمبر المقبل.
وقالت الأوساط السياسية إن إشارة الشيخ مشعل في المرسوم إلى إعادة الكرة إلى الشعب “لتقرير المصير” لم تكن هذه المرة متأتية من فراغ، أو مجرد ترديد لشعارات لا ترقى إلى الواقع.
الفرعيات تتمثل في عملية انتخابات مصغرة متكاملة الأركان تجريها معظم القبائل الكويتية ويكون مقرها الدواوين
وأشارت إلى أن الحملة الجارية حاليا على الفرعيات تؤكد على حرص القيادة الكويتية على القطع مع السائد، وأن تكون الانتخابات المقبلة استثنائية بامتياز لجهة منح الكويتيين الإرادة الكاملة لاختيار مرشحيهم بدون أي ضغوط قبلية.
وتشهد الكويت منذ سنوات سجالات تكاد لا تنتهي بين الحكومات المتعاقبة ونواب مجلس الأمة، الأمر الذي أدخل البلاد في أزمات لا تنتهي وعطّل الكثير من مشاريع القوانين الملحة لاسيما تلك المتعلقة بإصلاح الوضع الاقتصادي.
وأوضحت الأوساط أن منع الفرعيات لن يؤثر فقط على مرشحي المكونات القبلية المهيمنة، بل أيضا على بعض الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة، والتي ربطت علاقات مع ممثلي قبائل بعينهم لتوظيفهم في لعبة المساومة على السلطة.
وأعربت الأوساط ذاتها عن اعتقادها أن يؤدي النهج الجديد إلى صعود برلمان متجانس هدفه تحقيق تطلعات الشعب الكويتي وليس تحقيق طموحات فئوية وقبلية، على غرار ما حصل خلال السنوات الماضية.
ويتألف مجلس الأمة الكويتي من خمسين نائبا موزعين على الدوائر الانتخابية الخمس، عشرة في كل دائرة انتخابية، يتم انتخابهم من قبل المواطنين الذين يُسمح لكل ناخب باختيار مرشح واحد فقط في الدائرة المقيد بها، وأي صوت يمنحه لأكثر من مرشح يعد باطلا.
ويبلغ عمر كل مجلس أربعة أعوام، إلا أنه سبق أن انتهى عمر بعض المجالس في دورات سابقة قبل إكمال المدة القانونية بعد حلها من قبل أمير البلاد.