سوريا تُعول على المغتربين لانتشال سياحتها المنهارة

وجهت الحكومة السورية أنظارها إلى مساهمة المغتربين، أملا في انتشال القطاع السياحي المنهار من مخلفات الحرب، وإعطائه جرعة دعم من أجل تحقيق عوائد علها تسد جزءا من أزماتها المالية الخانقة.
دمشق - تصطدم طموحات الحكومة السورية لانتشال السياحة المنهارة من الخراب، الذي حل بها بسبب سنوات الحرب، بالكثير من العقبات على الرغم من بروز مؤشرات على عودة مظاهر الحياة لهذا القطاع.
وتعول دمشق على عودة المغتربين إلى مناطق سيطرتها حتى يسهموا في تحريك نشاط المرافق السياحية والترفيهية والتجارية التي لا يزال الكثير منها يعاني من الدمار، في محاولة لرفع معنويات هذا المجال الذي كان يدر ملايين الدولارات سنويا قبل 2011.
وعلى الرغم من عودة الأمن إلى دمشق قبل سنوات، إلا أن الزائرين الأجانب الذين ينفقون مبالغ كبيرة لم يعودوا إليها، حيث لا تزال سوريا ممزقة بسبب الحرب.
وكانت لدى سومر حازم آمال كبيرة عندما افتتح فندقا بدمشق في عام 2009، مما أضاف إلى عدد متزايد من بيوت الضيافة الفاخرة في المدينة القديمة التي أثبتت نجاحها من قبل السياح. اندلعت الحرب وأجبرته على الإغلاق.

سومر حازم: السياح الأجانب قلة لكن ثمة بصيص أمل مع عودة المغتربين
وليس لدى حازم أي خطط لإعادة افتتاح فندق بيت روز، وهو منزل يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر وبه غرف تقع حول فناء خلاب، وهو قرار يعكس ضعف السياحة والاقتصاد الأوسع لبلد يعاني من 11 عاما من الصراع.
وقال حازم لرويترز وهو يدخن النرجيلة في مقهى يملكه في منزل دمشقي قديم آخر “عدد السياح الأجانب في سوريا كما كان قبل 2011 لا يزال قليلا”. لكنه يرى بصيص أمل حيث المزيد من المغتربين السوريين يزورون بلدهم بعد انقطاع.
ولا توجد معطيات دقيقة حول أعداد المغتربين الذين يزورون البلاد وهذا الوضع يجعل من الصعب حصر الأموال، التي سينفقونها خلال زيارتهم وخاصة في موسم الصيف حيث يقضون إجازاتهم في المدن الخاضعة لسيطرة نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي ذروتها عام 2010، جذبت سوريا 10 ملايين سائح، الكثير منهم من الغربيين. وتغير كل ذلك مع بداية الحرب التي دمرت البنية التحتية لكافة القطاعات وجعلت نصف السكان يغادرون البلاد.
ويأتي معظم الزوار الأجانب إلى سوريا اليوم من دول تربطها علاقات جيدة بحكومة الرئيس بشار الأسد ومن بينهم عراقيون ولبنانيون وإيرانيون يحجون إلى مواقع يقدسها الشيعة.
محمد مرتيني: نتوقع زيادة أعداد الزوار هذا العام إلى مستويات 2018 و2019
وأكد وزير السياحة محمد رامي مرتيني لرويترز أن أعداد الزائرين ارتفعت إلى 750 ألفا في النصف الأول من عام 2022 من 570 ألفا في الفترة نفسها من العام الماضي.
وعزا الزيادة إلى تخفيف قيود السفر بسبب قيود الإغلاق المنجرة عن فايروس كورونا، وهو يتوقع أن تتعافى أعداد الزوار هذا العام إلى مستويات شوهدت آخر مرة في 2018 و2019.
وقال مرتيني لرويترز “لدينا قرابة 100 ألف عراقي وهناك لبنانيون وآخرون من دول صديقة. لكن العدد الأكبر هم المغتربون”، واصفا ذلك بأنه “دفعة للاقتصاد لأنهم ينفقون مبالغ مماثلة للسياح الأجانب”.
ويعاني الاقتصاد السوري من ضائقة شديدة، متأثرا بعوامل من بينها التراجع السريع في قيمة العملة المحلية منذ عام 2019، بسبب الانهيار المالي للبنان المجاور.
ولمواجهة ظروفها الخانقة قامت الحكومة برفع الدعم على السلع الأساسية تدريجيا، مع ارتفاع أسعار مواد مثل الوقود إلى مستويات غير مسبوقة.
وعلى الرغم من أن انهيار الليرة إلا أنها عززت القوة الشرائية للمغتربين الذين يزورون البلاد بأعداد كبيرة بفضل ما يجلبونه معهم من العملات الأجنبية.
وعلى مدى عقد من الزمن كان الدخول إلى سوريا كسائح أمرا مستحيلا، ولكن بعد أن خفّت حدة القتال في 2019 عاد الزوار الباحثين عن المغامرة ومستخدمو يوتيوب والبعض من المغتربين حتى أوقفتهم الأزمة الصحية، ثم عادوا من جديد بعد رفع قيود الإغلاق.
وأحد هؤلاء سامي القديمي، المغترب السوري الذي يعيش في السعودية، وظل بعيدا عن البلاد منذ 2011 وحتى 2019، أثناء ذروة الصراع في البلاد.
وخلال هذا الصيف، قال القديمي لرويترز إنه “شعر بأمل أقل خلال هذه الزيارة”، مشيرا إلى ارتفاع الأسعار ونقص الوقود وسوء التزويد بالكهرباء في حرارة الصيف.
وقال “جئت بسيارتي من الرياض. قضية البنزين مزعجة للغاية. نحاول الحصول عليه ولكن بصعوبة”.
وتكافح الحكومة من أجل إعادة تأهيل المنشآت السياحية التي دمرت خلال الحرب وسط شكوك تحوم حول قدرتها على تحقيق أهدافها في ظل الأزمة المالية الخانقة.
وكشفت الحكومة التي تراهن على تحقيق إيرادات مع استكمال خططها المزمعة، أنها رصدت تمويلات بقيمة 665 مليار ليرة (264 مليون دولار) من أجل إصلاح خراب العشرات من المنشآت أغلبها فنادق.
وفي مايو الماضي، قال مرتيني خلال جلسة عامة بالبرلمان إن “الوزارة مستمرة في الترخيص للمنشآت السياحية الجديدة وإعادة تأهيل المدمرة جراء الأعمال الإرهابية”.

سامي القديمي: ارتفاع الأسعار ونقص الوقود وتقنين الكهرباء قضايا مزعجة
وأوضح أن عدد المنشآت المستهدفة يصل إلى 188 وهي تستوعب أكثر من 3700 سرير، لكنه لم يذكر بالتحديد التوزيع الجغرافي لها أو موعد عودتها إلى الخدمة.
وبحسب البيانات الرسمية فقد تم إنجاز نحو 80 في المئة من أعمال إعادة تجديد البنى التحتية للفنادق التابعة للدولة وفقا للخطة التي تم اعتمادها وأنه يتم العمل على تحسين وتجميل المرافق العامة.
وتنشر وسائل الإعلام الرسمية تقارير بين الفينة والأخرى تشير إلى زيارة وفود سياحية للمناطق الخاضعة لنظام الرئيس بشار الأسد، في مسعى يراه خبراء محاولة من السلطات لتكريس فكرة أن البلاد بدأت تستعيد استقرارها وبالتالي تحفيز الزوار على القدوم.
ويعتقد متابعون أن القطاع محاصر بمجموعة من التحديات أبرزها القيود الغربية المفروضة على الاقتصاد السوري التي تمنع تطوير السياحة من بوابة جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
ومع ذلك يؤكد مرتيني أن الوزارة تقدم التسهيلات الممكنة للمستثمرين العرب والأجانب لتشجيعهم على ضخ رؤوس أموال في السوق المحلية لتنمية القطاع السياحي.
وحتى تتمكن دمشق من إيقاظ القطاع المنهار يتطلب الوضع ضبط أسعار الخدمات وتسهيل إجراءات منح التراخيص وإعادة تفعيل شركة الكرنك للنقل السياحي وتحسين مستوى الرواتب والتعويضات والحوافز ودعم المنشآت السياحية بالطاقة المتجددة.
وكانت سوريا تشتهر بغناها الطبيعي والأثري، وسبق أن صنفت كواحدة من أفضل المواقع السياحية في العالم، غير أن الأزمة أفضت إلى اختفاء مظاهر نشاط القطاع من البلاد.
وتظهر الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة السياحية في يناير الماضي، أن الحكومة قامت بتحصيل إيرادات من القطاع خلال العام الماضي بواقع قرابة 44 مليون دولار، وهو مبلغ قليل جدا قياسا بمستوى 2010 حينما بلغت العوائد نحو 8.4 مليار دولار.