أزمة داخل الجامعات المصرية بسبب قرارات تسيير الأعمال

قرارات رئاسية بتعيين مسؤولين جدد يؤدي إلى زيادة في الحراك السياسي وسط شريحة من الأساتذة.
الأحد 2022/08/07
دعوات إلى لفتة حكومية

القاهرة - بدأت أصوات أكاديمية ترتفع في عدد من الجامعات المصرية الحكومية أخيرا، ولجأ البعض إلى الكتابة بوضوح على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي اعتراضا على وجود فراغ في مناصب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات.

وقد انتهت مدة تولي عدد من هؤلاء لمناصبهم ولم تقم الحكومة بترشيح بدلاء لهم، ثم أصدر بعد ذلك رئيس الجمهورية قرارات بتعيين مسؤولين جدد، ما أدى إلى حدوث ارتباك في بعض الصروح الجامعية وزيادة في الحراك السياسي وسط شريحة من الأساتذة تريد استعادة زخم قام به سابقا ما يسمى بتيار الاستقلال في الجامعات.

ولعب هذا التيار دورا في الحراك العام في الشارع المصري في أواخر عهد الرئيس الراحل حسني مبارك بعد تزايد تدخلات أجهزة الأمن في تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، والعبث بنشاط الاتحادات الطلابية وتسخيرها لصالح النظام آنذاك.

وجرى وأد الحركة المعروفة بـ”9 مارس” التي قادت الحراك السياسي في جامعة القاهرة، لكن الدروس المستفادة منها لا تزال ماثلة في الأذهان، حيث أدت التدخلات الأمنية والسياسية المفرطة في الجامعات إلى دفع فئة من الأكاديميين إلى الضجر منها.

تجاهل الحكومة ما يجري داخل الجامعات المصرية من حراك وتململ مكتوم يمكن أن يفجر الأوضاع في أي لحظة

ويقول مراقبون إن تجاهل ما يجري في الجامعات من حراك مكتوم يمكن أن ينفجر في أي لحظة، حيث أدى عدم التغيير وفقا للقواعد المعمول بها إلى غليان في العديد من الأوساط الجامعية، ليس بسبب التدخلات الخارجية هذه المرة، لكن بسبب عدم حسم الكثير من المناصب، واعتذار بعض القيادات المستقلة والنزيهة عن توليها.

وهذه مشكلة تتجاوز حدود ما يجري في الجامعات، فأحد أسباب تأخير التعديل الوزاري كثافة الاعتذارات عن تولي مناصب، وتدار وزارة الصحة الآن من خلال وزير التعليم العالي بصيغة تسيير الأعمال بعد إسنادها إليه عندما أثيرت شبهات فساد حول وزيرة الصحة هالة زايد، والتي لم تثبت عليها، غير أنها لم تعد إلى مقعدها الوزاري.

ويضيف المراقبون أن تركيز الحكومة وأجهزتها المختلفة على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتوسعها في الجامعات الخاصة والأهلية انعكس سلبا على الجامعات التابعة لها التي يعد ما يدور في المجال الأكاديمي مؤشرا لما يجري خارجه.

ودفعت همهمات أكاديمية أخذت في الاتساع الأيام الماضية وزير التعليم العالي والبحث العلمي خالد عبدالغفار إلى تكليفه أقدم نواب رؤساء الجامعات بتسيير الأعمال في جامعاتهم إلى حين الانتهاء من إجراءات تعيين رؤساء جدد، وشمل القرار رؤساء جامعات المنصورة وحلوان وأسيوط والأقصر والسادات، وتغافل عن جامعات أخرى تعاني من مشكلة في مسألة الاختيار على أساس الأقدمية.

وانصب جزء كبير من التحفظات على تجاهل قرار وزير التعليم العالي لحالة رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت الذي انتهت مدة رئاسته الأولى واستمرت أربع سنوات من يوليو 2017 إلى يوليو 2021، ولا يزال مستمرا في منصبه، باعتبار أنه صدر له قرار سابق بتسيير أعمال، وهي حجة لم يستسغها أكاديميون.

وأبدت شريحة من المعارضين للخشت عدم قناعتها بالتمديد التلقائي وغض الطرف عن وجوده على رأس أعرق جامعة مصرية، خاصة أن الرجل اشتبك كثيرا مع أساتذة جامعات وتعرض بعضهم للتنكيل على يديه، في وقت اتهم بمحاباة آخرين.

وأصبحت إشكالية الدكتور عثمان الخشت نموذجا مصغرا لما يدور بشأن مناصب عدد من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، حيث جرى التشكيك في قراراته التي تتعلق بالترقيات والمهام الداخلية في جامعة القاهرة ذات البعد الحيوي، لأن القائم بتسيير الأعمال من المفترض ألا يصدر قرارات لها تأثيرات حيوية في العملية الجامعية.

وذكر مصدر جامعي لـ”العرب” أن أحد رؤساء الجامعات في جنوب مصر تم استبداله ضمن الخمسة المكلفين بتسيير الأعمال أخيرا، قام بتعيين زوجته في منصب مهم بكلية الطب، وضم أحد المراكز المهمة في الكلية نفسها إلى رئاسته مباشرة، في سابقة تخالف الأعراف والقوانين المستقرة والمعمول بها.

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن رئيس هذه الجامعة لجأ إلى وسائل متعددة في مجاملاته العائلية، وتوسيع صلاحياته كمحاولة لإجبار وزير التعليم العالي على إبقائه في منصبه بعد ضم صرح مهم إليه بحاجة إلى استكمال منشآت ومعدات طبية.

ولم تفلح حيلة رئيس هذه الجامعة الصارخة في استمراره ولم تشفع له مجاملاته لكبار المسؤولين، لكن لم تلغ قرارات اتخذها في تعيينات أقاربه وأصدقائه، وهي حالة متكررة بصور متفاوتة في جامعات أخرى استفاد فيها رؤساؤها من وظيفتهم.

وحذر أكاديميون من عدم وقف السيولة في الجامعات الحكومية، لأنها تنعكس على جودة العملية التعليمية وتسمح بمزيد من الارتباك في الأداء العام داخل الجامعات الذي تنظمه قرارات وقوانين لم يتم تفعيلها جيدا في الفترة الماضية.

التكلس بات يضرب بعدد كبير من الجامعات الحكومية، وهي على مشارف عام جديد حافل بالتغيرات

والتقت لجنة اختيار رؤساء الجامعات 38 أستاذا من المرشحين لرئاسة جامعات أسيوط والمنصورة والزقازيق والمنيا ومدينة السادات، لاختيار ثلاثة لكل جامعة وإرسال أسمائهم إلى وزير التعليم العالي الذي يقوم بعرض هذه الأسماء على رئيس الحكومة ثم ترفع إلى رئيس الجمهورية الذي يقوم بتعيين رئيس لكل جامعة من بين المرشحين.

ومرت عملية التعيين بمراحل مختلفة، من بينها الانتخاب المباشر من أساتذة الجامعة أو التعيين من قبل رئيس الجمهورية، ثم الطريقة الأخيرة التي أصدر بها الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا في يونيو 2014 نص على الترشيح ثم الاختيار.

وأصبح قرار وزير التعليم العالي الأسبق أشرف الشيحي في أكتوبر 2016 هو المنظم لاختيار القيادات الجامعية، وينص على تشكيل لجنة مختصة بترشيح المتقدمين لشغل وظيفة رئيس جامعة بقرار من وزير التعليم بعد موافقة المجلس الأعلى للجامعات.

وتتكون اللجنة من سبعة أعضاء يتولى المجلس الأعلى للجامعات ترشيح أربعة منهم أساسيين، وعضو خامس احتياطي من ذوي الخبرة، ويكون من بينهم أحد رؤساء الجامعات وتسند إليه رئاسة اللجنة.

ورغم هذا الوضوح إلا أن التكلس بات يضرب بعدد كبير من الجامعات الحكومية، وهي على مشارف عام جديد حافل بالتغيرات، وتظهر معه الكثير من أمراض العملية التعليمية التي هي بحاجة إلى وجود مسؤولين أكفاء قادرين على التعامل مع المستجدات ووقف التسييس القابل للتصاعد في ظل ارتباك ملحوظ يسود بعض الجامعات.

3