وأشرح لها

حين غنى ابن السويداء فهد بلان أغنيته “تحت التفاحة/ لكعد سنة وسنتين/ تحت التفاحة”، فإنه لم يكن يفكر بقانون الجاذبية الأرضية الذي اكتشفه نيوتن حين رأى تفاحة تسقط على الأرض ولا تحلق في الهواء.
كانت هناك جاذبية من نوع مختلف.
تلك هي جاذبية المرأة الحبيبة التي يجب قضاء الوقت عبثا في انتظارها أو ملاحقتها أينما ذهبت مثلما قال ابن السويداء الآخر فريد الأطرش مخاطبا حبيبته بصيغة المذكر “تطلع للسما أطلعك/ تنزل للأرض انزلك”.
لا علاقة للأطرش هنا بقانون الجاذبية الأرضية ولا بوكالة ناسا. والأطرش هذا هو سوري المولد غير أنه قضى كل حياته في مصر وغنى باللهجة المصرية من غير أن يهواه المصريون وقد كان منافسا لعبدالحليم حافظ.
لقد أحب المصريون الذين عملوا في العراق وكانوا بالملايين أغانيه وحين عادوا إلى مصر أعادوا إليه اعتباره، لكن بعد وفاته.
حكاية حزينة يمكن أن تكون مناسبة لإلهام صوت فريد الحزين.
لقد اكتفى الأطرش بأن يخبرنا بأن حكاية غرامه طويلة. وهو ما أكده في غير أغنية.
وحين ختم حياته بقصيدة بشارة الخوري “عش أنت أني مت بعدك/ وأطل ما شئت صدك” فإنه بشر العشاق بالموت، وهو هنا إنما يستذكر بيت أبي الطيب الذي يقول فيه “وعذلت أهل العشق حتى ذقته/ فعجبت كيف يموت مَن لا يعشقُ”.
أليست أم كلثوم محقة حين تقول بلغة الاستفهام “عن العشاق سألوني” ولم يكن لأمة أن تسمح لصبي من صبيانها أن يقول “ومن الحب ما قتل” لولا أنها اختبرت حكايات العشاق الذين ذهبوا إلى الموت بسبب غرامهم وملكهم في ذلك قيس بن الملوح الذي لا ينافسه في حبه لليلى روميو الذي أحب جوليت.
أما الفرق بينهما فيكمن في أن قيسا كان رجلا حقيقيا أما روميو فقد كان مجرد اختراع مسرحي.
لم يفكر شكسبير وهو كاتب مسرحية “روميو وجوليت” في فهد بلان الذي ألهمته شجرة التفاح الانتظار. لقد انتظر روميو تحت شرفة محبوبته ولم ينتظر تحت شجرة التفاح. ليس في الريف شرفات.
وكان البلان الذي بدأ حياته العملية مساعد سائق حافلة قد بدأ الغناء بتقليده لإحدى أغاني فريد الأطرش إلى أن ذاعت شهرته مع أغنية “وأشرح لها”.
يومها كلف البلان النسيم بالذهاب إلى حبيبته ليبلغها بأن روحه عليلة من أجلها. يمكننا أن نتخيل صعوبة المهمة التي كُلف بها النسيم.