نقص المواد الخام يربك خطط مصانع الدواء في مصر

تسبب نقص المواد الخام الناشئ عن ضعف سلاسل التوريد العالمية في إرباك الكثير من خطط مصانع الأدوية المصرية، ما دفع الأوساط الاقتصادية للدعوة إلى ضرورة تكامل المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص كأداة للتغلب على التحديات التي تعترض واحدة من الصناعات الإستراتيجية في البلاد.
القاهرة – تسعى الحكومة المصرية إلى النهوض بصناعة الدواء ضمن خططها الرامية إلى تمكين القطاع الخاص في مجالات مختلفة لإيجاد صورة تمكنها من جذب المزيد من رؤوس الأموال، وهي خطوة تعزز الاستثمار المباشر وتغري التدفقات الأجنبية.
وعقد قطاع الأدوية اجتماعا أخيرا، ضم ممثلين عن شركات القطاع الخاص والهيئات التنظيمية وأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب واتحاد الصناعات المصرية واتحاد الغرف التجارية، بغرض التشاور حول وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أعلنت عنها الحكومة مؤخرا.
وجاء ذلك في إطار سلسلة من المناقشات بشأن خطط الحكومة للخصخصة التي انطلقت في يوليو الماضي، وتشرف عليها السلطات ضمن الوثيقة التي تحدد القطاعات التي تعتزم الدولة رفع يدها عنها لتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.
ويتوافق هذا التوجه مع مساعي الحكومة لمضاعفة دور القطاع الخاص في الاقتصاد بهدف جمع 40 مليار دولار في الأعوام الأربعة المقبلة من خلال بيع حصص في الأصول المملوكة للدولة لمستثمرين محليين وأجانب.
علي عوف: التعسير الإلزامي وزيادة المصروفات من أبرز التحديات
ويرى خبراء في قطاع الأدوية إمكانية جذب استثمارات بشرط معالجة بعض القضايا الرئيسية، أبرزها التسعير الإلزامي وصعوبة توفير المواد الخام اللازمة لتصنيع الأدوية والمضادات الحيوية وتسهيل إجراءات ترخيص الأدوية والتقليل من المصاريف.
ويوجد في مصر نحو 170 مصنعا لإنتاج الأدوية تعمل حاليا، و40 مصنعا قيد الإنشاء، ونحو 500 مصنع لمستحضرات التجميل، بجانب 300 مصنع للمعدات الطبية، في حين يصل عدد أنواع الأدوية المتداولة في السوق إلى حوالي 6500 نوع.
وتنتج مصر 88 في المئة من حاجاتها المحلية وتسعى لسد فجوتها الاستهلاكية البالغة 12 في المئة من الأدوية التي تحتاجها السوق، وهي أدوية يتم استيرادها بالكامل لأنها شديدة التعقيد في تركيبتها العلمية، مثل أدوية مرض السرطان.
وقال علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر لـ”العرب” إن “خطة التسعير الإلزامي لبعض الأدوية والمنتجات الدوائية تقف عائقًا أمام الصناعة”.
وأضاف “صارت هناك حاجة ماسة إلى إعادة تقييم الأسعار مع زيادة المشاكل التي تواجه سلاسل التوريد وإسهامها في تأخر التصنيع، علاوة على الزيادات الكبيرة في تكاليف الشحن، وهو ما يؤثر على تكلفة الإنتاج في جميع أنحاء القطاع”.
ووضعت وزارة الصحة مخططا للتسعير الإلزامي للأدوية، يفرض نظام تسعير يقضي بأن تراجع الإدارة المركزية للشؤون الصيدلانية أسعار الأدوية في الدول الأخرى، ثم يتم تحديد أسعار الأدوية في السوق المحلية عند أقل سعر تباع به في الخارج.
وهذه الأسعار تكون سارية لمدة خمس سنوات ويمكن تجديدها في حالة تذبذب أسعار صرف العملات الأجنبية بنسبة 15 في المئة أو أكثر خلال عام واحد أو إذا قدمت إحدى الشركات طلبًا رسميا لإعادة تسعير منتجاتها بنسبة تصل إلى 5 في المئة سنويًا.
ولم يصبح قرار رفع أسعار الدواء من القرارات الإستراتيجية منذ تحرير سعر صرف الجنيه بعد أن بدأت الحكومة تقلّل الدعم بشكل عام.
حسام عمران: ضرورة تطوير شركات القطاع العام لحل الأزمة الحالية
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي زخما في شكاوى المواطنين الذين فوجئوا برفع أسعار أصناف عديدة من الأدوية الأساسية الشهر الماضي من دون أن تعلن الحكومة أو الشركات عن ذلك.
وأوضح عوف أن القطاع يواجه مشكلات تتعلق بارتفاع تكاليف المواد الخام وأسعار الطاقة وزيادة الرواتب ومتطلبات التأمين على العاملين بالشركات، وتسببت هذه العوامل في توسيع الفجوة بين مصاريف شركات الأدوية وعائداتها.
وخطت الحكومة خطوة نوعية خلال العام الماضي لتطوير القطاع مع تدشين مدينة الدواء “جيبتو فارما” التي افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسي بهدف وضع البلاد على خارطة الاستثمارات الأجنبية في صناعة الدواء، وذلك تمهيدا لأن تصبح مركزا إقليميا بهذا المجال الحيوي.
وتأمل القاهرة عبر هذه المدينة في تأمين عمليات إتاحة العلاج للمواطنين، ومواجهة الممارسات الاحتكارية التي تشهدها سوق الدواء من قبل بعض شركات الدواء الكبرى والتي نتج عنها انفلات زمام التسعير العادل في السوق.
كما تطمح السلطات من خلال هذه الخطوة إلى امتلاك قدرة تكنولوجية عالية في مجال صناعة الدواء.
وتحدثت الحكومة مرارا عن تطوير مصانع الأدوية التابعة لها بعد أن تحول بعضها إلى إنتاج الخامات، إلا أن ذلك لم يتحقق عمليًا بصورة يمكن أن تقوض خطط الإسراع في توفير المواد الخام المستخدمة في صناعة الدواء.
وطالب خبراء بضرورة خفض الرسوم والضرائب المتعلقة بتراخيص مستحضرات التجميل الجديدة والتي يصل بعضها إلى 100 ألف جنيه (نحو 5 آلاف دولار)، وقد يصل إلى مليون جنيه (نحو 50 ألف دولار) بخصوص
الأدوية الجديدة، وتعد هذه التكاليف مرتفعة للغاية بالنسبة إلى العديد من الشركات.
وأكد حسام عمران، خبير صناعة الدواء ومدير التصدير في إحدى شركات الدواء المصرية، أن “نقص المواد الخام من المشكلات الكبيرة التي تواجه مصانع الدواء، وقد احتدّت نتيجة أزمة سلاسل التوريد التي أبطأت حركة السلع على مستوى العالم”.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على “وجوب الإسراع في تطوير شركات القطاع العام لتكون مجهزة بشكل أفضل لتصنيع المواد الخام وتوفيرها لشركات القطاع الخاص، ولن يتحقق ذلك إلا بوجود إستراتيجية شاملة تضم القطاع الخاص لضمان عدم المزاحمة”.
وأعلنت هيئة الدواء المصرية مؤخرا أنها منحت شركات القطاع الخاص حوافز على مدار العامين الماضيين، من بينها تسهيل الإجراءات منذ تفشي جائحة كورونا، ما أسهم في مساعدة الدولة على مواجهة الأزمة والتقليل من مخاطرها.
وأكد مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، اهتمام القاهرة بتوطين هذه الصناعة كأولوية قصوى؛ إذ تمتلك بلاده تجربة لاقت إشادات واسعة وهي إنتاج اللقاحات المضادة لفايروس كورونا محليا، وكانت من عوامل النجاح في تخطي أزمة الوباء.
ويرحب القطاع الخاص بالمشاركة مع الشركات المملوكة للدولة في صناعة الأدوية طالما يتم العمل في إطار تشريعي منظم، إذ يعزز ذلك نمو القطاع ويسهم في تحقيق الأرباح، كما يسهل جذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية في هذا القطاع.
وتوقع عمران، في حال استمرار ضعف سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع التكاليف في السوق المحلية التي تبدأ من ارتفاع سعر الدولار بصورة مستمرة، حدوث تحريك جديد في أسعار الدواء بمصر كي تتمكن الشركات من مواصلة الإنتاج.