حظر التعامل التجاري مع إسبانيا يكشف تضارب قرارات الجزائر

نفت السلطات الجزائرية رفع حظر التعامل التجاري مع إسبانيا بعد بيان جمعية البنوك والمصارف، ما يطرح مسألة مدى انسجام القرارات السياسية في هرم السلطة وخلفيات هذا التضارب المريب في دوائر صنع القرار.
الجزائر - نفت السلطة الجزائرية أن تكون قد رفعت حظر التعامل التجاري مع إسبانيا، وشددت على أن القرار تتخذه حصرا المؤسسات الرسمية كرئاسة الجمهورية والحكومة.
وأكدت السلطة الجزائرية أن الأمر ليس من صلاحية جمعية ذات طابع مهني، من بين منتسبيها أعضاء أجانب.
يأتي هذا الموقف بعد انقضاء ساعات قليلة على ما تم تداوله عن رفع الحظر التجاري، ما يطرح مسألة مدى انسجام القرارات السياسية في هرم السلطة وخلفيات التضارب المريب في دوائر صنع القرار.
ووصفت الجزائر ما تم تداوله من طرف العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، حول تراجع الحكومة عن قرار الحظر التجاري المضروب على إسبانيا، على خلفية الأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين، بـ”العارية من الصحة “، وشددت على أن القرار من صلاحيات المؤسسات الرسمية للدولة وليس من مشمولات جمعية مهنية.
وذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أن “القرارات المتعلقة بالمسائل المالية والتجارية الخاصة بالتزامات الدولة يتم اتخاذها على مستوى مجلس الوزراء، أو من قبل وزارة المالية أو بنك الجزائر، ويتم الإعلان عنها عبر القنوات الرسمية”.
جمعية البنوك والمصارف ظهرت في الواجهة منذ اندلاع الأزمة الجزائرية – الإسبانية على خلفية ملف الصحراء المغربية
وأضافت “القرارات التي تخص القضايا المالية والاقتصادية، لاسيما تلك التي تخص علاقات الجزائر بشركائها التجاريين، تندرج ضمن الصلاحيات الحصرية للدولة، وليست من اختصاص المنظمات المهنية على غرار جمعية البنوك والمؤسسات المالية”.
واعتبر النفي الرسمي صريحا لما ورد من طرف جمعية البنوك والمصارف التي طالبت الخميس جميع البنوك والمؤسسات المالية العاملة في البلاد باستمرار التوطين البنكي للعمليات التجارية المتعلقة بالجانب الإسباني، وأن قراءة مستجدة للوضع أفضت إلى مراجعة القرار السابق.
وظهرت الجمعية المذكورة في الواجهة منذ اندلاع الأزمة الجزائرية - الإسبانية، والمضي في إحداث قطيعة تجارية مع مدريد، حيث سبق لها في مناسبتين أن أكدت على وقف العمليات المذكورة، وشددت في خطابها الصادر منذ أسبوع على أن العمليات المسجلة قبل التاسع من يونيو المصادف لقرار الحظر يتوجب إتمامها، وما عدا ذلك كل شيء موقوف.
ولفتت برقية الوكالة الرسمية إلى أن “جمعية البنوك والمؤسسات المالية التي ذكرتها الوسائل الإعلامية تلك، لا يمكنها أن تحل محل مؤسسات الدولة المكلفة بالمالية والاقتصاد والتجارة الخارجية، فهي مجرد جمعية ذات طابع مهني تدافع عن مصالح أعضائها، وتضم 30 بنكا ومؤسسة مالية تنشط في الجزائر، منها 10 أجنبية من بينها بنكان فرنسيان هما ‘بي أن بي باريبا’ و’سوسيتي جنرال’، وتتمثل مهمتها خاصة في تمثيل المصالح الجماعية لأعضائها تجاه الغير، لاسيما لدى السلطات العمومية وبنك الجزائر، وهو سلطة ضبط النشاط البنكي”.
ويبدو أن السلطة التي أوعزت لوكالة الأنباء الرسمية بنشر البرقية المذكورة تريد التلميح إلى أن المنتسبين الأجانب، ومنهم الفرنسيون، يريدون توظيف الجمعية المهنية والضغط بواسطتها على الحكومة لرفع القرار خدمة لمصالحهم.
ويرى مراقبون أن القرار المتخذ منذ التاسع من يونيو الماضي لم يتم الإعلان عنه من طرف أي مؤسسة رسمية في البلاد، وكل المعاينات تمت بناء على برقيات سابقة لجمعية البنوك والمؤسسات المالية، الأمر الذي يضع مضمون البرقية الرسمية في موضع التناقض، لأنها تؤكد شيئا لم يتم اتخاذه من طرف أي مؤسسة رسمية.
وكانت الجزائر قد قررت تجميد العمل باتفاقية الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا في الثامن من يونيو الماضي، عقب إعلان مدريد عن تأييدها للمقاربة المغربية المتعلقة بحل نزاع الصحراء، وألحقته بقطيعة تجارية مازالت سارية إلى حد الآن بموجب النفي المعبر عنه من طرف وكالة الأنباء الجزائرية.
وردا على امتعاض الاتحاد الأوروبي من قرار الحظر، ودعوته الجزائر إلى مراجعة قرارها والتعبير عن قلقه الشديد إزاء التطورات بين البلدين، أعربت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج في بيان لها أن “التسرع والتحيز في هذه التصريحات يسلطان الضوء على الطابع غير اللائق لمحتواها، لكون الأمر يتعلق بخلاف سياسي ذي طابع ثنائي مع دولة أوروبية، وليس له أي تأثير على التزامات الجزائر تجاه الاتحاد الأوروبي ولا يستلزم بالتالي أي مشاورة أوروبية لالتماس رد فعل جماعي”.
وأضافت “ينبغي التذكير في هذا السياق بأن قرار تعليق المعاهدة الجزائرية - الإسبانية للصداقة وحسن الجوار والتعاون، يستجيب لاعتبارات مشروعة، مردها أساسا عدم وفاء الشريك بالالتزامات والقيم الأساسية التي تنص عليها هذه المعاهدة حيث أخذ بذلك على عاتقه مسؤولية إفراغ هذه الأداة من جوهرها، والتشكيك في أهميتها في العلاقات القائمة بين طرفي المعاهدة المذكورة”.
ويبدو أن الأزمة الجزائرية - الإسبانية ستستغرق المزيد من الوقت، في ظل تضارب الموقف الرسمي الجزائري وغياب مقاربة موحدة تعنى بمسألة التعاطي مع الأزمات الإقليمية؛ فالتناقض بين ما ورد على لسان الجمعية المصرفية التي لا يمكن أن تتحرك خارج إرادة السلطة وبين ما جاء في برقية الوكالة الرسمية يترجم تعدد مصادر القرار داخل السلطة الواحدة.
ويعكس الموقف المذكور حالة من التخبط في دوائر صنع القرار في الجزائر، وغياب الانسجام في هذه الدوائر، مما نجم عنه تيار يدفع باتجاه عودة العلاقات الطبيعية بين الجزائر وإسبانيا، وتيار متشدد يريد ثني الحكومة الإسبانية عن موقفها الداعم للمغرب في قضية الصحراء.