الإعلام واستفتاء تونس: حضر رأي المراسل وغابت موضوعية الوكالات

تخبط واضح في التغطيات الإعلامية لوكالات الإعلام الأجنبية تجاه الاستفتاء في تونس، ما بين تحويل الرئيس التونسي إلى دكتاتور وإغفال إرادة الشعب التونسي وبين الحديث “قليلا” عن الديمقراطية المزيفة التي جلبت لتونس أزمات لا تحصى ولا تعد.
تونس - كان لافتا “تبشير” الإعلام الغربي وخاصة وكالات الأنباء بالأيام السوداء القادمة لدكتاتورية الرئيس التونسي قيس سعيد حتى أن وكالة بلومبرغ الأميركية طالبت الرئيس الأميركي جو بايدن بالتدخل واستخدام السلاح الاقتصادي للضغط، واصفة الاستفتاء الدستوري بـ”الرث”.
ونصبت وكالات الأنباء الأجنبية، التي تستقي منها معظم وسائل الإعلام في العالم أخبارها، نفسها “محاميا ضد إرادة الشعب التونسي” منذ الإعلان عن قرارات 25 يوليو 2021 وفيما اختار بعضها التخفيف من حدة لهجته بعد الإعلان عن الاستفتاء، زادت أخرى عداءها المعلن لمشروع الرئيس التونسي.
ورغم الأزمات العالمية، مثل تغطية الشأن التونسي موضوعا دائما في البرنامج اليومي للوكالات الأجنبية.
الصحافيون التونسيون في الوكالات الأجنبية متهمون بنقل مواقفهم الشخصية في مقالاتهم دون التزام الموضوعية
وطيلة سنة ما بعد قرارات 25 يوليو 2021، والتغطيات الخاصة بتونس في وكالات الأنباء الغربية تتعامل مع ما جرى في تونس بوصفه “انقلاباً”، رغم أن ما حدث كان “ترجمة لإرادة الغالبية الكبرى من التونسيين” التي أرادت، وفق مراقبين، التخلص من حكم الديمقراطية المزيفة الذي قاد البلاد نحو أزمات من مختلف الأنواع والأشكال، وهي الإرادة التي تعارضت مع منظور الغرب.
وكانت التغطيات، قبل استفتاء 25 يوليو 2022 وبعده، بالغة التسييس وسببت صدمة للكثيرين ممن كانوا ينظرون إلى هذه المنصات الإعلامية باعتبارها نموذجاً يحتذى به في المهنية والموضوعية، فقد كان مزعجا جدا للتونسيين أن الإعلام الغربي متحيز بطريقة صارخة ولا ينقل الحقيقة كاملة.
وفيما يتهم مراقبون بعض الصحافيين التونسيين العاملين في هذه الوكالات بنقل مواقفهم الشخصية في مقالاتهم وعدم التزام الموضوعية، يبرز تخبط واضح في التغطيات الإعلامية يعكس في الغالب عدم وضوح رؤية البلدان المالكة لوكالات الأنباء لنهج تعاملها مع تونس ضمن سياسات المحاور التي أصبحت متبعة عالميا.
وقام صحافيو الوكالات بعرض آراء معارضة للاستفتاء تنصص على دكتاتورية قيس سعيد مع إغفال تام للرأي الآخر. في مثل هذه الحالات، تقع المسؤولية على المحررين للتأكد من أنه يتم تغطية مواقف الأحزاب المختلفة في نفس القضية. يتم القيام بذلك عن طريق تجميع قصص مركّبة أو عن طريق إيراد قصص متوازية تصور المواقف المختلفة.
وتشددت وكالة “رويترز” مع مشروع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى حد العداء منذ إعلانه قرارات 25 يوليو 2021 ولم تتوان عن وصفه في مقالاتها التي تبثها على مدار الساعة بـ”الدكتاتور” و”المتسبب في إفشال الديمقراطية الناشئة” مغفلة رأي الشعب التونسي.
وركزت تقاريرها من العناوين على “الإعلان على بداية حكم الفرد المطلق”. ورغم ذلك لم تستطع الوكالة إغفال الرأي القائل أن الدستور الجديد قد يجلب لتونس استقرارا اقتصاديا ينشده الشعب في مقال بعنوان “سعيد يتذوق السلطة المطلقة في تونس لكنه يواجه اختبارا اقتصاديا وشيكا”.
وبدت لهجة الوكالة الفرنسية مرتبكة إزاء قيس سعيد ما يظهر تذبذبا سياسيا فرنسيا حول التعامل مع تونس رغم أنه ليس من مصلحة فرنسا معاداة النظام السياسي خاصة مع اقتراب احتضان تونس للقمة الفرانكفونية في نوفمبر القادم.
ويقول مراقبون إن المقالات المرتبكة مردها محرريها. واختارت الوكالة في أحد تقاريرها الحديث إلى خبير هاجم الدستور الجديد وقيس سعيد دون رد.
من جانبها، اختارت وكالة الأناضول التركية التراجع بشكل لافت عن الصدام مع النظام السياسي التونسي بالرغم من عدم تراجعها عن توفير منبر للإسلاميين للتعبير عن آرائهم وخاصة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي وصف قيس سعيد والاستفتاء بأبشع الأوصاف.
وكان لافتا موقف نقابة الصحافيين التونسيين التي تمترست في معسكر يعادي الرئيس قيس سعيد دون أي نقاش ما يعكس التوجهات الفكرية والسياسية للقائمين عليها، رغم أن الكثير من منتسبيها يعبرون صراحة عن دعمهم للاستفتاء. وأصبحت النقابة في ورطة بعد خسارتها تعاطفا شعبيا مهما معها ومع حرية الرأي إجمالا لوقوفها ضد إرادة الشعب. ويعتبر التونسيون أن الإعلام في البلاد يغلب عليه المال السياسي الذي حاد به عن الطريق القويم.
رغم الأزمات العالمية، مثل تغطية الشأن التونسي موضوعا دائما في البرنامج اليومي للوكالات الأجنبية
ويتساءل مراقبون إن كان على الصحافي التحول إلى مناضل.
ويقولون إن “أحد أكبر الالتباسات حول الصحافة هو مفهوم الموضوعية. الاعتراف المتزايد بأن الصحافيين كانوا غارقين في التحيز في الحالة التونسية”. إذ مثل الصحافيون معدو التقارير وهم تونسيون في غالبيتهم “الخصم والحكم”. حتى أنهم حصروا المصادر والشخصيّات التي تتمّ مقابلتها في فئةٍ ما يتحيّز لها الصحافي، فلا يَعرض وجهات النظر المختلفة، بل قد يؤدّي إلى تحييد أشخاصٍ هم الأنسب لملء المكان، ثم يستخدمون الصوت المحايد لجعلها تبدو موضوعية، وبذلك ينخرطون في شكل من أشكال الخداع. وهذا يضر بمصداقية الحرفة.
وقامت وكالات الانباء بتشويه الحقائق من خلال التعميم المخل أو الاجتزاء أو التأطير ثم إعادة السرد بما يدعم التحيزات الثقافية والأيديولوجية في رؤية وتغطية الأحداث في تونس.
ويمكن التمييز بين نوعين رئيسيين من التحيز، يرتبط ألأول بالأحكام الاستشرافية عن الشعوب العربية وثقافتها وميلها إلى الدكتاتورية؛ إلى آخر تلك الأحكام التي لا تخلو من تنميط، وتظهر في شكل مباشر أو غير مباشر في ما تنشره أو تبثه وسائل إعلامية أوروبية وأميركية. أما النوع الثاني فتعكسه ثقافة ومواقف غالبية العاملين في وسائل الإعلام الغربية.
ودفع هذا التحيّز صحافيين إلى استباق النتائج، وإطلاق الأحكام المُسبقة، كما دفعهم إلى تبرئة أطراف عمقت أزمات المجتمع التونسي واتّهام آخرين مفوضين من الشعب، ما أدى إلى التّنميط، وإطلاق الأوصاف جزافاً.