مصر تستعين بالرقابة الإدارية لحل أزمة الرُخص الصناعية

تخوض الحكومة المصرية معركة جديدة لمواجهة البيروقراطية العميقة التي عطلت نشاط الكثير من المصانع، وأدت إلى سوء الخدمات المقدمة للمستثمرين، جراء طول فترة منح التراخيص وتباطؤ حل المشكلات، ما وضع البلد في مركز متأخر على مؤشر مناخ الأعمال العالمي.
القاهرة- قررت السلطات المصرية إسناد مهمة جديدة إلى هيئة الرقابة الإدارية تتعلق بتلقي شكاوى المستثمرين واستخراج التراخيص والموافقات للمشاريع الصناعية عبر وسائل التواصل المختلفة، بهدف توفير مناخ جاذب للأعمال وتذليل العقبات أمام أصحاب الشركات.
وتكافح القاهرة منذ فترة من أجل الخروج من عباءة الروتين والتصدي للعراقيل للنهوض بالصناعة وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، أملا في زيادة الإنتاج وتقليل معدلات الاستيراد وزيادة الصادرات لتوفير العملة الأجنبية، والحد من تفاقم أزمة الديون الخارجية للبلاد.
وعلى الرغم من المساعي الحكومية لتطوير المناطق الصناعية والاتجاه إلى رقمنتها بشكل تدريجي، إلا أن تعقيد الإجراءات الإدارية قوّض جانبا مهما من مفاصل النشاط الاقتصادي لها.

سعيد يونس: خطوة إيجابية تأخرت كثيرا قد تقضي على الروتين
وزاد هذا الأمر من تردي أوضاع الخدمات التي يحصل عليها المستثمرون ودفع البعض من أصحاب الأعمال إلى إغلاق المصانع، ومن ثم أصبحت المبادرات المحفزة التي اتخذتها الحكومة عديمة الجدوى في نهاية المطاف.
وسعت القاهرة منذ سنوات لحل هذه المشكلات بالاستعانة بتجارب خارجية في إدارة المناطق الصناعية، أبرزها تجربتي ألمانيا والإمارات، وتحويل إدارتها للتحول الرقمي والإلكتروني.
لكن الشكاوى من هيئة التنمية الصناعية قوضت جهود السلطات في هذا الاتجاه مما أبطأ وتيرة الإصلاحات وبالتالي أوجد حالة من التذمر بين أصحاب رؤوس الأموال في السوق المحلية
ورغم تباهي الحكومة بإنشاء نحو 17 مجمعا صناعيا في 15 محافظة بالبلاد بتكلفة استثمارية بلغت حوالي 530 مليون دولار، إلا أنها لم تحقق عوائد إيجابية على الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
وبحسب الأوساط الاقتصادية المحلية يعود السبب في عدم الإقبال عليها من قبل المستثمرين لارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول على تراخيص للمشاريع، والتشدد مع أصحاب الأعمال من قبل الدوائر الرسمية.
ويتجاوز عدد المناطق الصناعية بالبلاد نحو 121 منطقة، تعاني جميعها من مشكلات عديدة، باتت عقبة أمام المناخ العام للاستثمار، بسبب هيئة التنمية الصناعية التابعة لوزارة التجارة والصناعة التي يتنافى اسمها مع دورها في الواقع العملي.
وقال سعيد يونس عضو جمعية مستثمري السويس، شرق القاهرة، إن “القرار خطوة إيجابية، لأن الحصول على الرخصة الصناعية من أصعب مراحل بدء المشاريع، من ناحية التكاليف وطول فترات الانتظار للحصول عليها، وربما تساعد في تقليل الروتين بدوائر الحكومة”.
وأضاف خلال تصريحاته لـ”العرب” أن رسوم الحصول على الرخصة الصناعية يبلغ أكثر من 5 آلاف دولار، وهي مُبالغ فيها للغاية، هدفها الجباية فقط وتحصيل الأموال.

محمود الشندويلي: تعدد الشكاوى يخلق صراعا بين المصنّعين والسلطات
وأشار يونس إلى أن غالبية المصنعين ندموا على دخولهم هذا المجال بعد تعرضهم للمزيد من التعنّت الحكومي خلال الفترة الماضية.
ومع أنه يمكن للمستثمر تأسيس شركته عبر الإنترنت بعد سماح هيئة الاستثمار بذلك، لكنه لا يزال يواجه صعوبات لأجل الحصول على تراخيص تشغيل المصانع ومزاولة النشاط بشكل فعلي.
واستدعت مصر تجربة دولة الإمارات في إدارة وتنمية المناطق الصناعية العام الماضي للخروج من نفق البيروقراطية بلا جدوى حقيقية بسبب تعنّت موظفي الحكومة الذين أجهضوا جانبا مهما من أهداف الخطة.
وتراهن السلطات خلال الفترة المقبلة على الاتفاق الموقع بين هيئة التنمية الصناعية مع شركة التنمية الصناعية التابعة لها ومؤسسة الإمارات لإدارة المشاريع الصناعية واللوجستية لتنمية الأعمال وتسهيل الإجراءات الإدارية.
وتقوم الشركة الإماراتية بموجب تلك الاتفاقية بإدارة المجمعات الصناعية وتكامل أنشطتها الخدمية واللوجستية وتعزيزها واستدامتها.
وأكد محمود الشندويلي عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين لـ”العرب”، أن دخول الرقابة الإدارية كطرف لحل المشكلات خطوة يمكن أن تغير حال المناطق الصناعية، لأنها تتخذ قرارات حاسمة ومُلزمة لعلاقتها المباشرة بمؤسسة رئاسة الجمهورية.
وخلال السنوات الماضية طبقت القاهرة تجربة المُطور الصناعي، حيث تمنح من خلالها لمستثمر أو شركة مساحة كبيرة من الأراضي يتولى تطويرها وتوصيل المرافق إليها.
ويتم بعد ذلك تقسيمها إلى أنشطة صناعية يتم تأجيرها لمستثمرين في أنشطة اقتصادية متنوعة، ولكن إجراءات التراخيص تنفذها هيئة التنمية الصناعية فقط.
وتحتاج هذه الخطوة إلى اقتطاع هيئة الرقابة الإدارية لجزء كبير من وقتها كي تستطيع حل مشاكل المستثمرين المتعددة مع تشتت المناطق الصناعية، ومعاناة بعضها من الترهّل وعدم قدرة المستثمرين على استئناف أنشطتهم فيها.

مجدي شرارة: الجهات المعنية تتعامل مع المستثمرين بطريقة مُنفّرة
وحذّر الشندويلي من أنه في حال تعدد شكاوى المستثمرين ضد هيئة التنمية الصناعية أن تتجه الأخيرة لعرقلة أنشطتهم من زوايا أخرى، مثل تعدد حملات التفتيش وفرض غرامات على المصانع دون وجه حق.
وأكد أن صاحب العمل لا يرغب في الانشغال بهذه التفاصيل، لأنه يؤدي إلى تشتيت أفكاره وعدم التركيز في نشاطه الرئيسي.
ويعود السبب الرئيسي في تعطل المصانع وطول إجراءات التراخيص إلى عدم تفعيل منظومة الشبّاك الواحد حتى الآن، لأن هذه المنظومة تفعّل عند تأسيس الشركات فقط، وفي القاهرة مقر هيئة الاستثمار دون بقية المحافظات.
وقال مجدي شرارة عضو جمعية مستثمري العاشر من رمضان، إن السلطات تتعامل مع المستثمر كأنه “لص”، فهو “يجد مطاردة من مختلف الجهات بداية من هيئة التنمية الصناعية ثم المالية والجمارك والدفاع المدني والمياه والكهرباء وغيرها”.
وأوضح لـ”العرب” أنه عند تخلف المستثمر عن دفع أي غرامة تُحرر له مخالفة ويمكن اعتقاله في أي وقت.
ويأمل شرارة في أن تكون الرقابة الإدارية داعما للاستثمار في الفترة المقبلة وهو يرى أن على الحكومة، وخاصة هيئة التنمية الصناعية وهيئة الاستثمار، وضع خطة لتيسير الاستثمار، لأن هناك عددا كبيرا من المصانع معطلة، وهي رسالة سلبية للخارج عن الاستثمار في مصر.
ويعاني الجهاز التنفيذي منذ عقود من الترهل بسبب الروتين، وهو ما يحتاج إلى حسم وصرامة في محاسبة المقصرين، ولذلك تتحرك الحكومة لمواجهة المشكلة بالتقليل من الاعتماد على العنصر البشري قدر الإمكان في تقديم الخدمات للمستثمرين.
رغم تباهي الحكومة بإنشاء نحو 17 مجمعا صناعيا في 15 محافظة بالبلاد بتكلفة استثمارية بلغت حوالي 530 مليون دولار، إلا أنها لم تحقق عوائد إيجابية على الناتج المحلي الإجمالي السنوي
ويتنافى عدم التعامل بجدية مع الأزمات التي تواجه المستثمرين مع مساعي الحكومة وتصريحات المسؤولين بأن البلاد تتبنى برنامجا للإصلاح الهيكلي يركز على النهوض بالصناعة وتنمية الصادرات وفق خطة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي تستهدف تحقيق 100 مليار دولار.
كما تعد البيروقراطية أزمة في مسار المعاملات الحكومية والإدارية، حيث تخلق أرضية للوساطة والرشاوى والتربّح الإضافي للموظفين، وقد يقضي المستثمرون ساعات طويلة أمام دوائر رسمية للحصول على خدمات، ما يدفعهم إلى الملل والرغبة في تصفية أعمالهم.