اكتشاف احتياطي جديد يفتح آفاقا لتجارة الذهب في السودان

7 أطنان من المعدن الأصفر ستنضاف إلى كمية الإنتاج سنويا.
الثلاثاء 2022/07/26
هذه عينة من مخزون قد ينقذنا من الفقر

أعطى إعلان السودان عن اكتشاف احتياطي جديد للذهب زخما لخطط السلطات الساعية لجني المزيد من الإيرادات ودعم الخزينة العامة وتوسيع رقعة استثماراتها بالقطاع في ظل الإصلاحات التي أدخلتها خلال الفترة الماضية لتنشيط عمليات التنقيب والإنتاج.

الخرطوم- شكل عثور السودان على كميات جديدة من الذهب مؤخرا بارقة أمل للمسؤولين لتحسين الأوضاع المالية للدولة الغارقة في الأزمات في ظل التقهقر المستمر في الاقتصاد وتوقف التمويل الدولي بسبب التوتر السياسي في البلاد.

وكشف وزير المالية جبريل إبراهيم أثناء اجتماع عقده مع مسؤولين عن شركتي أوركا الكندية وبرسيس الأسترالية أن المنجم المكتشف بالمنطقة الواقعة بين ولاية (محافظة) نهر النيل وولاية البحر الأحمر يحوي مخزونا يمكن أن ينتج 7 أطنان سنويا.

ولم يذكر قيمة تمويل المشروع، لكنه أكد خلال الاجتماع الذي حضره وزير المعادن بشير عبدالله ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية الحكومة مبارك عبدالرحمن أردول أن المشروع الذي ستنفذه أوركا وبرسيس سيوفر ألفي فرصة عمل.

جبريل إبراهيم: المشروع سيوفر أكثر من ألفي فرصة عمل للسودانيين

ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى إبراهيم قوله إن “الاستثمار في المنجم سيدعم المشاريع الأخرى المصاحبة والتي تتمثل في المدينة التعدينية المتكاملة الأمر الذي سيسهم في إنعاش المنطقة والاقتصاد السوداني ككل”.

ومن المتوقع أن تقوم وزارة المالية بتكوين فريق عمل متخصص للتعاون مع الجهات ذات الصلة لتوفير الاحتياجات اللازمة وتسهيل حركة المدخلات حتى يتسنى تنفيذ هذا المشروع في القريب العاجل.

وقال وزير المعادن في الاجتماع إن “المشروع في التمهيد لمرحلة الإنتاج التي تتطلب استجلاب آليات ضخمة ومتنوعة من الخارج” ذات تكنولوجيا متطورة.

وأوضح أن تنمية المنجم تتطلب أن يكون هناك نوع من النشاط الدائم والتعاون من كل الأطراف المعنية وتسريع عملية استيراد هذه الآليات لبدء مرحلة الإنتاج بأساليب حديثة.

وأكد عبدالله أن وجود أوركا وبرسيس في السوق المحلية سيعمل على دفع الشركات الأجنبية الأخرى للاستثمار في البلاد، مبديا تفاؤله بأنه ستكون هناك استثمارات كبيرة في الفترة القادمة مع بداية الإنتاج.

وتقول الحكومة إنها على استعداد لتسهيل كل الظروف للشركات الأجنبية الراغبة في الاستثمار في التعدين ولاسيما تخصيص الرقع الاستكشافية بهدف تطوير الاستثمار وزيادة الإنتاج وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة بالبلاد.

وبعد انقطاع الدول عن تقديم مساعدات بالمليارات من الدولارات، لجأت الخرطوم إلى رفع الأسعار والضرائب على كل شيء، من الرعاية الصحية حتى غاز الطهي، لكن الزيادات تثير حنق المواطنين الذين يواجهون بالفعل صعوبات في تلبية احتياجاتهم اليومية.

وتحاول الخرطوم طي مرحلة الارتباك في إدارة السياسات النقدية التي رافقت الوضع العام بالبلاد طيلة الأشهر الماضية بإدارة جديدة للبنك المركزي حيث تم تعيين حسين جنقول محافظا جديدا العام الماضي خلفا لبدرالدين عبدالرحيم.

100

طن يتم إنتاجها سنويا تستفيد الدولة من ثلث الكمية بينما الباقي يُباع في السوق السوداء

والأزمة الاقتصادية الممتدة منذ سنوات طويلة بالبلاد هي إرث لعقود من الحرب والعزلة والعقوبات الأميركية وكانت بوادر انحسارها قد بدأت تظهر بعد الإطاحة بحكم عمر البشير في 2019.

لكنها عادت الآن أشد حدة لتشكل خطرا جديدا على الأوضاع الاجتماعية بالبلاد بالتزامن مع مواجهة السودانيين موجة جديدة من العنف والاضطرابات ومستويات متصاعدة من الجوع.

ويعول السودان على الذهب باعتباره موردا مهما للعملة الصعبة، خاصة بعد فقدانه ثلاثة أرباع عائداته النفطية بسبب انفصال الجنوب في يوليو 2011، وفقدانه حوالي 80 في المئة من موارد النقد الأجنبي.

وبحسب بيانات وزارة المعادن زاد إجمالي إنتاج الذهب بالبلاد في الربع الأول من هذا العام بنحو 20 في المئة ليصل إلى 5.2 مليون طن قياسا بـ4.3 طن قبل عام.

ويستحوذ القطاع غير المنظم للتنقيب على الذهب على أغلبية الإنتاج، الذي يصعب إحصاؤه لعمليات بيعه وتهريبه بعيدا عن القنوات الرسمية رغم أن السودان يعتبر واحدا من ثلاثة أكبر منتجين للذهب في العالم.

ويقدر الإنتاج المعلن للبلد بأكثر من مئة طن، لكنه في تراجع ولا توجد إحصائيات دقيقة، حيث تستند الأرقام المتداولة على كميات التصدير والتي تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين طنا بينما يضيع ثلثي عائدات الذهب نتيجة للتهريب.

شوقي عزمي: السودان شرع فعليا في تأسيس بورصة للذهب والمعادن الأخرى لأول مرة في تاريخه

وكان البلد قد أنتج ما يقدر بنحو 93 ألف طن من الذهب في المتوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة. وهذا الرقم يجعل السودان ثالث أكبر منتج في قارة أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا، وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وتشتكي الحكومة من عدم قدرتها على تحديد إنتاج الذهب بدقة، نتيجة تهريبه للخارج من قبل الأفراد، والذي يتم عبر 800 موقع تنتشر في جميع أنحاء البلاد.

ويُضيّع هذا الوضع على الدولة إيرادات سنوية تقدر بحوالي خمسة مليارات دولار. وترى الأوساط الاقتصادية المحلية أن هذا المبلغ كفيل بتغطية العجز التجاري أو جزء كبير منه.

وفي يناير 2020 غيّر السودان قواعد تجارة الذهب عبر السماح للقطاع الخاص بتصديره، في خطوة ترمي لتضييق الخناق على التهريب وجذب النقد الأجنبي لخزانة البلاد التي تعاني نقصا في السيولة.

وكان البنك المركزي الجهة الوحيدة المخول لها قانونيا شراء وتصدير الذهب وإقامة مراكز لشراء المعدن الأصفر من شركات التعدين الصغيرة.

ويترقب السودانيون مكاسبة اعتماد بورصة محلية لتجارة الذهب كونها ستوفر فرصا للوقوف على أدوات مالية جديد تسهم في تعبئة الموارد المالية وتحفيز القطاع ومعرفة نشاطه بشكل واضح.

ومن المتوقع أن تساعد الخطوة التي تسير بخطى متثاقلة منذ الإعلان عنها قبل أشهر بالاحتفاظ بالذهب داخل البلاد ويحارب التهريب بتطوير منظومة السوق عوضا عن التكلفة المرتفعة والجهد الكبير الذي يبذل في المعالجات الأمنية لمكافحة تهريب الذهب.

وكان مدير عام سلطة تنظيم أسواق المال شوقي عزمي قد قال في وقت سابق هذا العام إن “السودان شرع فعليا في تأسيس بورصة للذهب والمعادن الأخرى لأول مرة في تاريخه”.

السودان يعول على الذهب باعتباره موردا مهما للعملة الصعبة، خاصة بعد فقدانه ثلاثة أرباع عائداته النفطية

وستسهم البورصة أيضا في ضخ أموال ضخمة واستثمارات جديدة في مجال إنتاج الذهب وزيادة في حجم التمويل ودخول منتجين جدد في التعدين وإيجاد فرص للعمل من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ويربط خبراء تأسيس بورصة الذهب بتطوير قطاع الإنتاج التقليدي وتحويله إلى مجال منظم مع توفير الخدمات وتخفيض الرسوم المفروضة عليه.

كما أن تطوير مصفاة الخرطوم للذهب التي تم تدشينها في 2015 ورفع معايير التصفية وتأسيس مخازن خاصة للاحتفاظ بالمنتجات مسجلة، بعد معالجة المعدن الأصفر وتحويله إلى سبائك أو نقود معدنية أو غيرها، سيساعد على تنمية القطاع.

11