صغار المزارعين في مصر يكافحون من أجل البقاء

يحدو الكثير من المزارعين المصريين إصرار كبير من أجل مواجهة تراكم المشكلات، التي حاصرت أعمالهم خلال الفترة الماضية بسبب قلة المداخيل من بيع المحاصيل جراء غلاء مدخلات الإنتاج، التي جعلتهم يلجؤون إلى أساليب تحميهم مما هو أسوأ.
سنديون (مصر) – يتبلور الدور الحاسم لصغار المزارعين في إطعام المصريين في البلد العربي الأكبر لجهة عدد السكان، بينما يتخبط العالم جراء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الطاقة والغذاء، لكنهم يعانون رغم ذلك ظروفا معيشية قاسية.
وما بين الديون وبيع المحاصيل بالخسارة يقول المزارع زكريا أبوالدهب، الذي يملك حقلا صغيرا بمحافظة القليوبية شمال القاهرة حيث يزرع القمح والبصل، إن “الفلاح الصغير مات”، في إشارة إلى شدة الضغوط الواقعة عليه.
وأضاف أبوالدهب في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية “أحاول بيع محصول البصل لكنني لا أجد سوقا له”. وتابع “أريد فقط أن أحصل على مصروفاتي، فقد تكلفت في زراعته 20 ألف جنيه (ألف دولار تقريبا)”، سائلا “لا أعرف كيف سأدفع الإيجار (للأرض)؟”.
ولم تؤثر مشكلة أبوالدهب على حجم البصل المعروض في الأسواق المصرية بالتأكيد، ولكنها تعد مؤشرا على أزمات العديد من صغار المزارعين على مستوى عقبات التمويل والتسويق والبنية التحتية، ما يخلق فجوات هائلة بين العرض والطلب.
صقر النور: الحماية حتمية، فالمزارع الحلقة الأضعف في السلسلة
وبحسب منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة “فاو”، فإن أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة التي تقل عن ثلاثة أفدنة (12600 متر مربع) ينتجون حوالي 47 في المئة من المحاصيل الحقلية في مصر.
وبحسب منظمة فاو، فإن هذه الحقول الصغيرة تعد هي “المنتج الأوّلي” للغذاء في مصر، بينما تركز الحيازات الزراعية الأكبر حجما على الصادرات، وقد ظهرت هذه الآلية قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وتعتمد مصر على هذين البلدين لتوفير نحو 80 في المئة من وارداتها من القمح، الذي تعد القاهرة من أكبر مستورديه على مستوى العالم.
وأما باقي احتياجات السوق المحلي، فيتم سدادها عبر اللجوء إلى صغار المزارعين لاستلام حصادهم من القمح.
وقال أستاذ علم الاجتماع الريفي صقر النور لوكالة الصحافة الفرنسية “لولا نسبة الأربعين في المئة التي ننتجها محليا من القمح لكان الوضع أسوأ بكثير”، مشيرا إلى عواقب الحرب الروسية – الأوكرانية.
وفي مارس الماضي، ألزمت الحكومة مزارعي القمح بتوريد نصف محصولهم على الأقل إلى المخازن العامة، ووصفت ذلك بـ”الواجب الوطني”، في ظل الأحداث العالمية الجارية.
وبحلول يونيو، سلّم المزارعون أكثر من 3.5 مليون طن من القمح إلى الحكومة، بحسب بيانات وزارة التموين المصرية، وهو ما يجاوز نصف المستهدف من كميات القمح المحلي المقرر توريدها حتى نهاية موسم الحصاد في أغسطس.
وعلّق النور على ذلك بالقول “عندما تعرضت الدولة إلى ضائقة قررت أن تعيد تنفيذ إجراءات كانت منعت من قبل، مثل التوريد الإجباري دون خدمات” عائدة على ذلك، مشيرا إلى أن دعم البذور والمبيدات والأسمدة الزراعية تراجع تدريجيا على مدى عقود.
وعكس قرار الحكومة الشهر الماضي بتجميد العمل بالضريبة الزراعية لمدة عام، تنامي الشعور لدى دوائر صناعة القرار السياسي باتساع الفجوة بين المزارعين والمؤسسات الرسمية.
ويقول الخبراء إن القرار يمثل عائقا أمام نجاح استراتيجية الدولة لإنقاذ الأمن الغذائي، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية جراء الأزمة في شرق أوروبا.
وعُرض على البرلمان مشروع قانون يقضي بتعطيل العمل بالضريبة الزراعية لمدة عام، مع إمكانية مدّ الفترة إلى عام آخر، كنوع من دعم المزارعين، وهو موقف أيده نواب بالأغلبية بعد تصاعد غضب المزارعين من العقوبات المتكررة عليهم.
وتواجه وزارات الزراعة والتجارة والصناعة والتموين أزمة جراء استمرار امتناع المزارعين عن بيع القمح للدولة، والتمسك بتخزينه إلى حين رفع أسعاره وتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الفارق، لتوجيه المكاسب للإنفاق على الغلاء وصعوبات المعيشة.
وهددت الحكومة المزارعين في عموم المحافظات بحرمانهم من أيّ دعم مقدّم لهم في صورة أسمدة أو قروض، في حال تمسكهم بمنع توريد القمح إلى المنافذ الرسمية المخصصة لذلك، لكن ذلك لم ينجح.
وحتى سعر التوريد المحلي الذي كانت تعرضه الحكومة أعلى من سعر طن القمح عالميا لتحفيز المزارع على التسليم، لم تعد قادرة على عرض مثله بسبب الارتفاع الشديد في الأسعار العالمية.
ويتساءل أبوالدهب وهو يشعر بيأس شديد “أنا مدين بالمال لبائع المبيدات، وبائع الأسمدة. ماذا أفعل حتى أسدد؟ سأبيع محصولي بأي سعر رغما عني”.
وينتشر مزارعون في العديد من الحقول بالبلاد، بما فيها حقل صغير بمحافظة بني سويف التي تبعد 150 كيلومترا جنوب القاهرة، حيث يضم نحو 17 عاملا هناك لزراعة أراضيهم.
وقال المزارع محمد عبدالمعز الذي أصبح يزرع الفلفل الإيطالي في فصل الصيف بدلا من القمح، في محاولة للنجاة بنفسه من الخسائر التي يواجهها الفلاحون، “هناك من ترك الأرض تبور ومكث في المنزل”، نتيجة الخسائر المتلاحقة التي مني بها.
47
في المئة من المحاصيل الحقلية بالبلاد ينتجها أصحاب الحيازات الصغيرة بحسب منظمة فاو
ووجد عبدالمعز شريكا يدعمه، بدلا من ترك الأرض، وهو شركة مزارع الناشئة للتكنولوجيا والتمويل في مجال الزراعة.
ويقول رائد الأعمال المصري حسين أبوبكر إن شركته تهدف إلى “ربط المزارع الصغيرة بالنظام البيئي وأصحاب المصلحة”.
وتقدم شركته عقودا رقمية للمزارعين وحلولا للتمويل والدعم، كما تحدد أسعار الشراء وتلتزم بها كشكل من الحماية، “حتى لو انخفض سعر السوق قبل ما يضع المزارع فأسه في الأرض”.
ويؤكد أبوبكر أن شركة مزارع طريقة “توحد صوت المزارع” وتجعله “جزءا من منظومة”، في غياب الجمعيات التعاونية المحلية الفعالة، والتي تم إهمالها بسبب “التدخل الحكومي الشديد” في توزيع الأسمدة المدعومة.
ويرى النور، وهو باحث زائر في جامعة برلين الحرة، أن هذه الحماية ضرورية، لأن المزارع “الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة”.
وقال إن “القدرة التفاوضية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة محدودة للغاية، خصوصا عندما لا تكون سعة التخزين كافية لمحاصيلهم”. وأضاف “يجب أن يتمتع المزارعون بحرية التنظيم حتى يتمكنوا من تأسيس تعاونيات زراعية”.