بَدل الصحافيين في مصر من محفّز على التطوير إلى منحة تعوّض تدني الرواتب

بمرور الوقت تحول بَدل التدريب والتكنولوجيا المسدى من الحكومة للصحافيين المصريين عبر السنوات من محفّز على التطوير إلى منحة تعوض الرواتب الزهيدة التي لا تكاد تكفي احتياجات الصحافي الضرورية، في حين أنه يوفر أرباحا طائلة للدخلاء على المهنة، ويرمي القطاع برمته في أتون استراتيجيات الحكومة لترويض الحريات والسيطرة على الصحافة والإعلام، وإضافة إلى معاناة القطاع من جشع المستثمرين فيه.
القاهرة - ينتظر الصحافيون في مصر تطبيق الزيادة الجديدة التي أقرتها الحكومة مؤخراً والمتمثلة في الترفيع في بدل التدريب والتكنولوجيا الذي أضحى أداة تعويض عن عدم قدرة المؤسسات الصحافية على تحسين جداول رواتب الصحافيين التي صارت تتذيل قوائم رواتب الفئات العاملة.
وأعلن نقيب الصحافيين ضياء رشوان موافقة الحكومة على زيادة حافز التدريب الذي يحصل عليه الأعضاء بنسبة 19.5 في المئة ليصل إجمالي ما يحصل عليه الصحافي من النقابة شهريًا إلى 160 دولارا تقريبًا، وذلك بالتشاور مع وزارة المالية.
وكشفت مصادر صحافية لـ”العرب” أن الزيادة ستطبق مع راتب شهر أغسطس المقبل، بأثر رجعي من يوليو، كي تغطي جزءا من الزيادة الراهنة في أسعار السلع.
وأقر المجلس الأعلى للصحافة في مصر -وكان مشرفًا على الصحف الحكومية- قبل عشرين عاماً لأول مرة “بدل التكنولوجيا والتدريب الصحافي” بهدف مساعدة الصحافي على تحسين قدراته لمجاراة التطورات الحاصلة في مجال الإعلام بوجه عام، ولم تكن رواتب الصحافيين آنذاك بحاجة إلى منح إضافية.
ويضاهي الحافز الذي تتحكم في زيادته ومواعيد صرفه الحكومة ممثلة في وزارة المالية رواتب الكثير من الصحافيين في العديد من الصحف وقد يفوقها في بعض الأحيان، حيث بات يشكل مصدرا أساسيا للدخل لأكثر من 650 صحافيا لا يعملون في مؤسسات صحافية، إلى جانب آخرين تعرضت المؤسسات التي يشتغلون فيها للإغلاق أو التوقف عن العمل بسبب تردي أوضاعها الاقتصادية.
بشير العدل: البدل تجارة يستفيد منها الدخلاء على المهنة لتحقيق أرباح طائلة
وتحول ما يوصف بـ”البدل” إلى ورقة انتخابية يستخدمها البعض من المرشحين ممن لديهم صلات مباشرة بالحكومة وتدعم فرصهم في الحصول على أصوات الناخبين، وكانت الحصان الرابح في انتخابات نقابة الصحافيين في آخر دورتين بعد أن شهد البدل زيادات بنسب لم تكن معتادة من قبل.
ويتفق العديد من العاملين في الصحافة على أن البدل الذي يصعب الاستغناء عنه لمجاراة صعوبات الأوضاع المعيشية أصبح عبئا على أوضاع الصحافة بوجه عام، إذ أنه مثّل حجة للكثير من المؤسسات الصحافية التي ترفض زيادة الرواتب بدعوى أن هناك راتبا إضافيا يحصل عليه الصحافي.
ووظفت الجهات الحكومية الأمر ليصبح البدل أداة لترويض قلعة الحريات التي فقدت حضورها السياسي وغابت فاعليتها على مستوى المجتمع المدني، وهو ما انعكس على حرية الرأي والتعبير في ظل عدم وجود تشريعات تضمن استمرار صرفه كاستحقاق مالي للصحافيين، لكن الأمر يبقى بيد الحكومة التي تحدد مواعيد صرفه وقيمة زياداته سواء أكانت سنوية أم كل عامين تزامنا مع الانتخابات.
وقال مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة (حقوقي) بشير العدل “إن فلسفة البدل لم تتحقق لأن هناك صحافيين يعانون مشكلات التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ويواجهون أزمات حقيقية في التدريب وتطوير المهارات، وتحول الحافز الشهري إلى جزء أساسي من دخل الصحافي لا يمكن اقتطاعه أو الاستغناء عنه”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الأمر تجاوز ذلك خلال السنوات الماضية، وبات البدل تجارة يستفيد منها البعض من الدخلاء على المهنة لتحقيق أرباح طائلة، فهناك وقائع جرى ضبطها بشأن حصول عدد من أصحاب الصحف على مبالغ مالية تصل إلى 40 ألف جنيه (2100 دولار تقريبًا) مقابل تسهيل مهمة تسجيل الصحافيين العاملين لديهم في جداول النقابة”.
عمرو بدر: البدل ضرورة ملحة طالما أن رواتب الصحافيين زهيدة
وتابع “بعض الصحف توقف رواتب الصحافيين العاملين فيها بمجرد حصولهم على البدل، والذي يتحول في تلك الحالة إلى راتب أساسي، والأمر برمته يرجع إلى تدني أوضاع الصحافة في مصر وعدم الاهتمام بالمهنة والعاملين فيها”.
ولدى البعض من الصحافيين قناعة بأنه حينما كانت الحكومة تدرك قيمة الصحافي وحافظت على دوره ومكانته في المجتمع لم يكن الوضع بحاجة إلى منحة إضافية، وثمة اقتناع بأن الأنظمة السابقة قدرت الصحافيين حق قدرهم كنوع من المكافأة والتقدير، والآن يجري توظيف المنحة الحكومية كأداة ترويض للصحافيين ووسيلة غير مباشرة لتكميم الأفواه وإجبار الأصوات المعارضة على التزام الصمت.
ولم يعد معيار إنجاز من يقبع في منصب نقيب الصحافيين متعلقا بما حققه على المستوى المهني، وأضحت قدرته على زيادة قيمة البدل خلال فترة وجوده في منصبه المعيار
الأول الذي يمهد لنجاحه في أي انتخابات، وبدت الجماعة الصحافية مستسلمة بفعل ضغوط الحياة وعدم القدرة على مجاراة الزيادة في أسعار السلع والخدمات.
ويرى صحافيون أن هناك دوائر رسمية تتعامل مع الزيادات بشكل دوري باعتبارها وسيلة موازية تعوض عدم قدرة الصحف على مجاراة الزيادات التي تقرها الحكومة بشكل سنوي للتعامل مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار، في حين أن ذلك يشكل ظلمَا للآلاف من الصحافيين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالنقابة، والأجدى أن تكون الزيادة مرتبطة برواتب الصحافيين الأساسية.
وأكد عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق عمرو بدر أن “البدل ضرورة ملحة طالما أن رواتب الصحافيين زهيدة، حيث يرتبط الأمر بالأوضاع المعيشية، وعلينا تطوير أوضاع المهنة قبل الحديث عن طريقة الصرف أو مدى تأثيره السلبي على الأوضاع المهنية بوجه عام، وإن كانت الدولة تستخدمه في السيطرة على نقابة الصحافيين”.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “البدل اكتسب مشروعية على الرغم من أنه تسبب في عدد من الظواهر السلبية، على رأسها الزج بأشخاص ليس لهم علاقة بالمهنة داخل أروقة النقابة، ومتاجرة العديد من أصحاب الصحف الخاصة بتعيين المحررين”.
ويتعلق الصحافيون بالمشروعية التي منحتها محكمة القضاء الإداري (مختصة في إدارة النزاعات مع الهيئات الحكومية) للبدل كحق أصيل “للحياة المهنية للصحافي، وبدونه لا تستطيع الصحافة وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله من إنجازات”.
وناشدت في حيثيات الحكم القاضي بإلزام الجهة الإدارية باتخاذ إجراءات منح ذلك البدل لجميع الصحافيين المقيدين بجدول النقابة- “المشرع تقنين بدل التكنولوجيا بعد أن صار لصيقًا بالحياة المهنية لا ينفك عن الصحافي وإعادة تقدير قيمته”.
ومع ذلك سوف يظل البدل محل أخذ ورد بين المشروعية الواجبة ونظيرتها المكتسبة التي تخضع لتقديرات الجهة المانحة، فإذا كانت لا تستطيع وقفه فإنها تتحكم في نسب زيادته تدريجيا، وبعد أن فقدت نقابة الصحافيين بريقها السياسي لن تكون الحكومة مضطرة إلى زيادته أو توظيفه كأداة ضغط في يد مرشحها لمنصب النقيب.