كثرة الشعور بالملل تؤدي إلى الإضرار بالعواطف الإنسانية

أطباء ينصحون بتقليل ارتباط المرء العاطفي بعمله لتعويض الشعور بالملل وتغذية احترامه لذاته من خلال شيء آخر غير عمله.
الأربعاء 2022/07/20
الكثير من الأشخاص لديهم حاجة قوية للقيام بعمل هادف

برلين ـ يعاني الأشخاص الذين يشعرون بالملل من الإنهاك والكسل والفراغ وهي نفس المشاعر التي يعاني منها المصابون بالإرهاق. ومن المفارقات أن الملل يعد مرهقا للغاية، وخصوصا عندما يحاول المرء أن يبدو مشغولا بينما لا يكون مثقلا بمهام شاقة إضافية، أو لإعطاء انطباع بأنه غارق بالفعل في عمل مهم.

وقد يبدو توفر الكثير من وقت الفراغ أثناء فترة العمل أمرا ممتعا، حيث أن ذلك يتيح للمرء أن يشاهد لساعات مقاطع الفيديو المحببة لديه على موقع يوتيوب مثلا، أو أن يقوم بتقليم أظافره بدلا من أن يتعجّل للتنقل بين اجتماع وآخر، أو أن يكافح من أجل الوفاء بتسليم ما هو مطلوب منه قبل انتهاء المواعيد المحددة لذلك. ولكن مثلما يمكن أن يسبب الإفراط المزمن في العمل الشعور بالإرهاق، فمن الممكن أن تتسبب قلة العمل المزمنة أيضا في الشعور بالملل.

◙ مثلما يمكن أن يسبب الإفراط في العمل الشعور بالإرهاق، فمن الممكن أن تتسبب قلة العمل أيضا في الشعور بالملل

ويقول عالم النفس في قطاع الأعمال أندرياس هيمسينج إن "عدم القيام بأي شيء له معنى يعني في مخيلة المرء أنه نفسه ليس له معنى"، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الأشخاص الذين تكون لديهم حاجة قوية إلى القيام بعمل هادف، والقيام به بصورة جيدة.

ويضيف هيمسينج أن الفكرة القائمة على أنه "في حال لم يعمل المرء فإنه سيفقد مكانته في المجتمع" لها آثار صحية، موضحا أنه "من الواضح منذ أعوام كثيرة أن الشعور بالفراغ الداخلي يسبب أضرارا عاطفية"، حيث أن المرء لا يشعر بالملل واللامبالاة فحسب، ولكنه يشعر أيضا بالاستياء والإحباط وبأنه على حافة الهاوية.

ولا تقتصر هذه المشاعر على مكان العمل فحسب، حيث "يظهر الممل تأثيره السيء بعد انتهاء العمل"، بحسب ما يقوله بيتر آر فيردر، الذي قدم المصطلح مع مستشار الأعمال السويسري فيليب روثلين، في عام 2007 في كتاب صدر باللغة الألمانية يحمل اسم "قلة العمل: التشخيص هو الملل - عندما يتسبب الشعور بالملل في جعل المرء مريضا".

ولا يمكن للمرء أن يقوم ببساطة بإلغاء مشاعره مثلما يقوم بإطفاء الأنوار عندما يغادر المكتب مثلا. ولا يدرك الكثير من الأشخاص أن شعورهم بالضيق والفتور والتهيج والتعب والانسحاب في المساء قد يكون مرتبطا بعملهم.

ومن ناحية أخرى "يترك الكثير ممن يعانون من الملل وظائفهم لأسباب عاطفية في مرحلة ما ويتطور لديهم نوع من القبول المستسلم بظروف عملهم"، وذلك بحسب ما يقوله ديرك فيندموت، وهو مدير "معهد العمل والصحة" التابع لاتحاد التأمين ضد الحوادث الاجتماعية الألماني، وهي جمعية تضم شركات تأمين معنية بدفع تعويضات للعاملين في القطاع الصناعي الخاص والقطاع العام.

◙ نظام التناوب الوظيفي الذي تتغير فيه الأنشطة التي يقوم بها العاملون كل يوم من الممكن أن يساعد على تقليص الملل

بعبارة أخرى، يعرفون أن وظيفتهم في الواقع ما هي إلا هراء، ولكنهم يقولون لأنفسهم "لا بأس. فأنا ليست لدي أي مشاكل: حيث أحصل على إجازات منتظمة وأجني قدرا جيدا من المال". إلا أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم، وهو الأمر الذي لا يفلح على المدى الطويل. ويقول فيندموت إنه بدلا من التقليل من أوجه القصور المتعلقة بالوظيفة، من الأفضل تغيير الأمور.

ومن الممكن تحقيق ذلك فقط من خلال أن يكون المرء صادقا مع نفسه وأن ينقل مخاوفه إلى رئيسه في العمل. ويقول فيردر "عالج المشكلة، قم بتغيير مهامك داخل الشركة، واحصل على المزيد من التدريب، أو اترك وظيفتك. تلك هي الخيارات المتاحة أمامك، ولا يعد أي منها غاية في السهولة"، ولاسيما لأن المرء يقوم، على الأرجح، بمزاولة عمله الحالي لفترة كبيرة من الوقت.

ويضيف "يمكنك أن تخبر رئيسك في العمل بشيء مثل، أرغب في أن أقوم بشيء آخر بين الحين والآخر، وهو أمر يحتاج إلى تلقي المزيد من التدريب، أو أرغب في أن أظل مع الشركة، ولكن هل يمكنني أن أعمل في قسم مختلف؟".

وبحسب فيندموت، فمن الممكن أن يساعد نظام "التناوب الوظيفي"، الذي تتغير فيه الأنشطة التي يقوم بها العاملون كل ساعة أو كل يوم. أو يمكن للمرء أن يحاول توسيع مسؤولياته، وذلك على سبيل المثال عن طريق القيام بمهام تسبق مهامه الحالية في آلية العمل. وأخيرا يوصي هيمسينج بتقليل ارتباط المرء العاطفي بعمله لتعويض الشعور بالملل وتغذية احترامه لذاته من خلال شيء آخر غير عمله.

17