تصعيد الطوارق معضلة جديدة تواجه المجلس العسكري في مالي

تحريك ملف الطوارق في ظل التوتر مع فرنسا والأزمة مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا من شأنه أن يشل قدرات المجلس العسكري الحاكم.
الثلاثاء 2022/07/19
تصعيد الطوارق جاء في غير وقته

باماكو- أعربت مجموعات مسلّحة وقّعت اتفاق سلام في مالي عن “قلقها” إزاء “تخلّي” السلطات الحالية عن الاتفاق، وذلك في بيان صدر الأحد، في تصعيد جديد يزيد من أعباء المجلس العسكري الحاكم في ظل أزمته مع فرنسا ومع دول الساحل والصحراء.

وأكّدت هيئة تنسيق حركات أزواد، وهي تحالف لجماعات من الطوارق والعرب من شمال البلاد خاضت تمردا على السلطة المركزية العام 2012 ثم أبرمت اتفاق سلام مع باماكو العام 2015، أنها تتابع “بقلق كبير التدهور المتواصل للوضع الاجتماعي والسياسي” في مالي.

وصدر البيان بعد اجتماع للهيئة السبت والأحد في كيدال (شمال)، بحضور السلطات الإدارية المالية وممثلين لبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما).

ويقول مراقبون إن تصعيد الطوارق جاء في غير وقته خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها مالي مع فرنسا وقرار باريس بسحب قواتها من الأراضي المالية، وترك باماكو لوحدها في مواجهة الجماعات الجهادية. وهو أمر يتم كذلك في ظل برود علاقة المجلس العسكري مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس).

غراف

وأصدرت المجموعة سلسلة من العقوبات ضد مالي شملت إغلاق الحدود البرية والجوية للأعضاء معها وتعليق المعاملات المالية غير الضرورية وتجميد أصول الدولة المالية في البنوك التجارية التابعة لإيكواس، واستدعاء سفراء الدول الأعضاء في إيكواس من باماكو.

وكانت السلطات المالية اعتقلت مؤخرا العشرات من حراس الأمن القادمين من كوت ديفوار للعمل لدى بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي (مينوسما) بزعم أنهم “مرتزقة”. وعلقت الحكومة العسكرية المالية جميع التغييرات في القوات الدولية، معلنة في قرار بأثر فوري أنه لن يكون هناك تبادل للأفراد، سواء في الجيش أو في قوة الشرطة في إطار مهمة الأمم المتحدة، وأوضحت أن ذلك سينطبق أيضا على المناوبات الروتينية التي تم التخطيط لها والموافقة عليها بالفعل.

ويعتقد المراقبون أن تحريك ملف الطوارق في ظل التوتر مع فرنسا والأزمة مع إيكواس من شأنه أن يشل قدرات المجلس العسكري الحاكم، وإن كان ما يزال لحد الآن مستمرا في سياسة الهروب إلى الأمام.

وشهدت مالي انقلابين عسكريين في أغسطس 2020 ومايو 2021. وتتزامن الأزمة السياسية مع أُخرى أمنية خطيرة مستمرة منذ عام 2012 واندلاع تمرد انفصالي وجهادي في الشمال. وتسبب هذا العنف في مقتل الآلاف من المدنيين والعسكريين بالإضافة إلى تشريد الآلاف. واعتمدت الحكومة جدولا زمنيا انتقاليا للسماح للمدنيين بالعودة إلى السلطة في مارس 2024.

ونددت هيئة تنسيق حركات أزواد في بيانها بـ”جميع أشكال العنف والترهيب الممارسة على السكان المدنيين” و”أسفت لعدم الردّ المناسب على هذا الوضع المأساوي”. وأشارت “بقلق إلى التخلّي عن تنفيذ اتفاق (الجزائر) منذ انتقال السلطة”، مؤكدة أنها “تحتفظ بالحق في استخلاص جميع العبر”.

وفي بيان سابق صدر في مارس، أعربت الهيئة عن “أسفها لعدم إحراز تقدم في تنفيذ الاتفاق” في ظل الفترة الانتقالية. ونصّ اتفاق الجزائر على اندماج المتمردين السابقين في قوات الدفاع المالية بالإضافة إلى منح مناطق البلاد قدرا أكبر من الاستقلال. ويُعد الاتفاق حيويا لتحقيق الاستقرار في البلاد التي تعاني اضطرابات منذ عام 2012، لكن تطبيقه متعثّر.

◙ السلطات المالية اعتقلت العشرات من حراس الأمن القادمين من كوت ديفوار للعمل لدى مينوسما بزعم أنهم "مرتزقة"
السلطات المالية اعتقلت العشرات من حراس الأمن القادمين من كوت ديفوار للعمل لدى مينوسما بزعم أنهم "مرتزقة"

وتضمن الاتفاق الذي تم توقيعه في باماكو ورعته الجزائر لمدة قاربت السنة رسميا، بالإضافة إلى فترة طويلة من الاتصالات السرية، إنشاء مجالس محلية بصلاحيات واسعة ومنتخبة بالاقتراع العام والمباشر، وعلى ضم الأجهزة الأمنية في البلاد لأعداد كبيرة من الطوارق.

ولم يمنح الاتفاق الاستقلال الذاتي أو نظاما فيدراليا لشمال المالي كما كان يطالب بذلك الطوارق. كما أن الاتفاق لم يلبّ مطلب “التنسيقية” الأساسي بالاعتراف بتسمية “أزواد” التي يطلقها الطوارق على منطقة الشمال. لكن الحكومة المركزية التزمت باحترام التنوع العرقي والثقافي لمنطقة الشمال وخصوصياتها الجغرافية والاجتماعية.

وتسود مخاوف من أن يؤدي تصعيد الطوارق مجددا إلى خلط الأوراق في منطق الساحل والصحراء خاصة مع قرار فرنسا بالانسحاب، وهو أمر يهدد الجزائر بصفة خاصة التي عملت على التوصل إلى الاتفاق لضمان أمنها القومي.

وعلى شاكلة الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتداعياته المؤثرة على البلد بصفة عامة، يفتح الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل باب المخاوف من التداعيات الأمنية، خاصة أن تهديدات الجهاديين باقية في المنطقة ومتنامية بشكل غير مسبوق.

كما يضع الانسحاب الفرنسي الجزائر في ورطة بمنطقة الساحل، التي تعد الأكثر اضطرابا في ظل تنامي الخطر الإرهابي من الجماعات المسلحة.

5