موسيقى البوب والراب تبني ذوقا فنيا عربيا شعبيا

نحو ثلاثة آلاف شخص معظمهم من الشبان توافدوا على الحفل الذي أقيم تحت عنوان "ميدان".
الاثنين 2022/07/18
ويجز المصري أحد المشاركين في الحفل

بيروت – سهرت بيروت ليل السبت على أنغام الراب والهيب هوب والبوب في حفل كبير نظمه الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق” بمناسبة مرور 15 عاما على تأسيسه ساهم خلالها في تقديم الدعم للمئات من المشاريع الفنية والثقافية وتدريب العاملين فيها على امتداد المنطقة العربية.

وتوافد نحو ثلاثة آلاف شخص، معظمهم من الشبان، على الحفل الذي أقيم تحت عنوان “ميدان” في ميدان سباق الخيل ببيروت الذي كان مكانا ورمزا يجمع اللبنانيين خلال الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990، حيث لا تزال بعض المباني المحيطة به تحمل آثار الرصاص والشظايا على واجهاتها.

وأحيا الحفل مغني الراب مازن السيد (الراس) من لبنان وكاتيب من تونس ودافن شي من السودان وويجز ودنيا وائل والوايلي من مصر.

وعكست الأغاني قضايا متنوعة شخصية وسياسية وعاطفية وبيئية واقتصادية واجتماعية عبر كلمات تنوعت بين الفصحى والعامية، كما تباينت الإيقاعات الموسيقية ومزجت بين القديم والمعاصر الذي يحمل تأثير التكنولوجيا والآلات الموسيقية الكهربائية على حياة الإنسان.

موسيقى الراب صارت تحضّ الناس على الانتقاد ورفع الصوت بجرأة، فاكتسبت جماهيرية واسعة وتحولت إلى أداة ثورية

وقالت دنيا وائل “حفلة بيروت أثبتت أن موسيقى البوب والراب بنت ذوقا فنيا حلق ليكون فنا شعبيا، واليوم تطور هذا الجمهور كثيرا وأصبح للجميع قضية يتكلم عنها عبر هذه الإيقاعات واللعبة اللغوية”.

تأسس “آفاق” الذي يتخذ من بيروت مقرا عام 2007 بمبادرة من ناشطين ثقافيين عرب ليكون مؤسسة مستقلة تقدم التمويل والمنح للأفراد والمؤسسات في مجالات السينما والتصوير الفوتوغرافي والفنون الأدائية والكتابة النقدية والإبداعية والموسيقى.

وبحسب موقعه الرسمي على الإنترنت تشير الإحصاءات إلى أن “آفاق” دعم منذ تأسيسه 1737 مشروعا فنيا وثقافيا في العالم العربي وخارجه، فضلا عن الشبكة الواسعة من الشراكات التي أقامها مع مؤسسات وهيئات مختلفة.

ومن الفنانين المشاركين في الحفل اثنان فقط مدعومان من “آفاق” سابقاً، هما اللبناني مازن السيد (الراس)، وهو الأكبر بين المشاركين وصاحب التجربة الأطول، والثنائي دنيا وائل – الويلي: الأولى تكمل المسار الغنائي لفنانين مصريين خلال العقد الماضي مثل مي وليد، وآيا متولي في بداياتها، والثاني يعتبر من المنتجين الإلكترونيين الأكثر موهبة في مصر حالياً والذي يتعاون دورياً مع أبرز مغني الراب، كما يعتبر الوحيد تقريباً الذي استطاع إعادة الاعتبار للموسيقى الإلكترونية عند الجمهور، من خلال مقطوعات موسيقية ينتجها بشكل دوري.

وقال مازن السيد إنه يرى هذا الحدث “من زاوية الثقافة التي ننتمي إليها وتأخذ مكانها في البلد والمنطقة كأحد الأمور القليلة الإيجابية والمتبقية في ظل الأزمات الكبيرة التي نعيشها”.

وأضاف “بمجرد أن يحدث هذا في بيروت بوضعها الحالي، وهذه الموسيقى بالذات، والناس الملتفون حولها من كل الدول، يكون هذا هو الشيء الوحيد الإيجابي الذي أراهن عليه”.

وعن فكرة تنظيم هذا الحفل الموسيقي بالتزامن مع تأسيس “آفاق” قالت المديرة التنفيذية ريما مسمار “تأتي الذكرى في وقت ملائم، إذ يمكن القول إنها تتزامن مع نضوج المشاهد الموسيقية الناشئة في العالم العربي”.

موسيقى البوب

وأضافت “ساهمنا بشكل مباشر وغير مباشر في نمو المشاهد الفنية والموسيقية المتنوعة وتطورها على امتداد المنطقة، وسمح هذا التورط واسع النطاق، والثابت عبر الخمسة عشر عاما الفائتة، بالإعداد لهذا الحدث غير المسبوق”.

وأتى هذا التطور في موسيقى الراب بعد نحو عقدين من دخولها المنطقة العربية، عبر فرق ومغنين صنفوا لفترة طويلة تحت خانة موسيقى الأندرغراوند، واكتسب عمل عدد كبير منهم طابعاً سياسياً واجتماعياً. وقد عرفت موسيقى الراب في بداية ظهورها استهجانًا ورفضًا من المجتمع انعكس على مغنيها بطبيعة الحال، فتعرضوا للتنمر والسخرية ولوحقوا أمنيًا لأسباب عدة منها ما يتعلق بمظهرهم وملابسهم، ومنها ما يرجع إلى حملهم بعض الأفكار التحررية غير المألوفة لدى مجتمع محافظ، وبعض الأغاني المعارضة للأنظمة السياسية. وفي لبنان ظهر الراب عام 2008 في منطقة بعلبك الهرمل من خلال أعضاء فرقة “الطْفار” بعد نشرهم ألبوم “أصحاب الأرض”، تلك المنطقة التي وصفها بوناصر الطفار (وهو مؤدي راب لبناني معروف بجرأته في الحديث عن قضايا سياسية ومعارضته لحزب الله) قائلًا “اقتصر سماع أهالي المنطقة على أغاني الدبكة في الأعراس والعتابا في السهرات ولم يكن الراب -ولا غيره- معروفًا لديهم”، لكن على عكس المتوقع لاقى ألبوم الطفار اهتمامًا كبيرًا من أهالي المنطقة وبدأ الناس يتناقلون الأغاني على الهواتف المحمولة.

ولم يؤخذ الراب في لبنان على محمل الجد، كما أنه لم يتعرض إلى المساءلة وذلك يعود حسب النقاد إلى أنه كان ينشط ضمن دائرة العشائرية والذكورية التي تحميه من النظام السياسي.

ومنذ ما يعرف بثورات الربيع العربي، صارت موسيقى الراب تحض للناس على الانتقاد وعلى رفع الصوت بجرأة، فاكتسبت جماهيرية واسعة وتحولت إلى أداة ثورية تُهدى للنشطاء الذين يوظفونها في خدمة قضاياهم.

15