مسلسل "ريفو".. الموسيقى والأغاني يشكلان وجدان المجتمع

جاء مسلسل "ريفو" المصري ليكون بمثابة عصا سحرية حملت الشباب في رحلة حنين نحو الماضي الجميل بموسيقاه وفنونه التي لا تزال محفورة في وجدناه، وليؤكد من خلال قصة فرقة موسيقية صاعدة أن المجتمعات تنمو وتسير في حركة متوازية مع الفنون وأن الموسيقى تشكل جزءا كبيرا من وجدان المجتمع، وتعكس الكثير من مميزاته ومشكلاته، فهي لسان حال الفرد والمجموعة.
القاهرة - حرّك المسلسل المصري “ريفـو” الذي بثته منصة “ووتش إت” أخيرا الكثير من المياه الفنية الراكدة، وقدم قصة يستطيع المتابعون للفرق الموسيقية وتطوراتها أن يشيروا إلى أصحابها لأنها تنطبق على معاناة البعض في إثبات الوجود وطرق أبواب صعبة لتوصيل صوتهم إلى الجمهور، ورغبة البعض الآخر في تقديم لون جديد.
وتوافرت مجموعة من العوامل الفنية التي أسهمت في نجاح “ريفو”، على الرغم من عدم اعتماده على نجوم كبار وحرص مخرجه يحيى إسماعيل ومؤلفه محمد ناير على تقديم عدد من الوجوه الشابة المقنعة وتوصيل الرسالة المهمة التي يحملها العمل وتتعلق باتساع مروحة الطموح والقدرة على النجاح عندما تكون هناك إرادة حقيقية.
قام ببطولة المسلسل أعضاء من فرقة “كاريوكي” المصرية التي ظهرت عقب ثورة يناير 2011، وأدى مطربها الأول أمير عيد دورا قريبا من شخصيته الحقيقية كموسيقي موهوب، كذلك تامر هاشم عازف الدرامز، ومعهما أسماء أخرى كونت مع بعضها فرقة موسيقية باسم “ريفو”، أبرزهم حسن أبوالروس وصدقي صخر ومينا النجار، ومعهم سارة عبدالرحمن التي أدت دورا أشبه براعية الفرقة، وركين سعد الباحثة عن الحقيقة التي تركها والدها الراحل معلقة.
رحلة صعود وهبوط
كانت قصة صعود الفرقة وهبوطها هي العنصر الدرامي الرئيسي في عمل جمع بين الحاضر والماضي ومزج بينهما بلا اغتراب، ففرقة “ريفو” كوّنتها مجموعة من الشباب الحالمين بتقديم نوع جديد من الموسيقى، واستخدام مفردات لأغان سادت في تسعينات القرن الماضي، وإلى أين انتهى هؤلاء بعد مرور حوالي عشرين عاما.
ظل هذا السؤال عصيا وبقيت “مريم” أو ركين سعد تبحث عن إجابة لتستكمل قصة كتبها والدها المؤلف “حسن فخرالدين” وقام بدوره الفنان محسن محي الدين.
◙ المؤلف محمد ناير نجح في تجميع الخيوط بسلاسة فنية وبراعة درامية لافتة، وتمكن من تجاوز التعقيدات التقليدية
نجح المؤلف محمد ناير في تجميع الخيوط بسلاسة فنية وبراعة درامية لافتة، وتمكن من تجاوز التعقيدات التقليدية التي يمكن أن تظهر في مسلسل يقوم على “الفلاش باك” في عدد كبير من مشاهده والخلط بين عصرين أو جيلين من دون أن يشعر الجمهور بوجود ترهل في البنية الرئيسية للعمل الذي يتكون من عشر حلقات، يتفاوت زمن كل حلقة بين 35 و66 دقيقة، وأسهمت الاستعانة بالمطرب حسام حسني واستحضاره لأداء دوره الحقيقي في إضفاء واقعية مطلوبة كأحد مطربي التسعينات.
من يتابع مسلسل “ريفو” يسأل عن هوية الاسم، ولم يستغرق المؤلف وقتا طويلا في تفسير سببه، خاصة أنه يبدو غريبا على الأذن ويرتبط بنوع بسيط من الدواء يحمل نفس الاسم ويستخدم كمسكن سريع للألم في زمن سابق.
واستوحت الفرقة بالفعل اسمها من هذا الدواء عندما شعر أحد أعضائها بصداع وأخرج من جيبه شريط ريفو، في هذه اللحظة كان قائد الفرقة ومطربها الأول “شادي” وقام بدوره المطرب أمير عيد يسأل من أحد الأشخاص عن اسم الفرقة فرد على الفور “ريفو” وكان الدواء موضوعا على منضدة قريبة منه.
كانت هذه حيلة من المؤلف والمخرج للتفسير، لكنها لا تخلو من دلالة رمزية تنطوي على تشابه بين “ريفو” الفرقة الموسيقية الطموحة والحالمة وبين “ريفو” الدواء المسكّن للألم، كأنهما مردافان لمعنى واحد يستهدف تخفيف المعاناة على الناس.
رسالة فنية للشباب
لم تكن الفرقة عادية أو شقت طريقها بسهولة، بل مرت بمرحلة شاقة لتجد لنفسها مكانا وسط الفرق الأخرى وترسم لونا هادفا من الموسيقى المصطحبة معها كلمات معبرة عن حالات إنسانية متفرقة ومتناقضة، نجحت بعد جهود طويلة في توصيل رسالتها إلى شريحة كبيرة من جمهور الشباب في منتصف التسعينات من القرن الماضي.
وضع فريق العمل الكثير من الإمكانيات التي توحي بأجواء هذه الفترة من الملابس والحركات والتصرفات والموضة وأنواع السيارات والمشروبات المتداولة وغيرها من المفردات والعادات التي سادت في ذلك الوقت كي لا يشعر المشاهد الذي تجاوز مرحلة الشباب الآن بالغربة أو الاختلاف بين زمنين.

جاء الخلط النسبي بين فرقة “ريفو” وفرقة “كاريوكي” وهل الأولى تجسيدا للثانية، ولأن العنصر المشترك بينهما أمير عيد وتامر هاشم بدا من السهل حدوث إسقاط على أن قصتهما واحدة أو متشابهة، غير أن استضافة أبطال المسلسل في أحد البرامج التلفزيونية مؤخرا أكدت أن القصتين مختلفتان، حيث أشار أمير عيد إلى أن معاناة “كاريوكي” وهي في طريقها إلى الصعود وتثبت وجودها كانت أشد صعوبة.
وأجاد أمير عيد في دور “شادي أشرف” في أول تجاربه الدرامية، ما يتيح فرصة لرؤيته في أعمال أخرى مستقبلا، لأنه يحاول تطوير الجانب التمثيلي عنده، مستفيدا من أنه يؤدي دورا حقيقيا يعيشه بالفعل، ما يجعل الحكم النهائي عليه يحتاج إلى أداء دور مختلف للتأكد من عمق قدراته الفنية في مجال التمثيل.
حمل مسلسل “ريفو” الكثير من الرسائل التي تتجاوز فكرة الطموح والأحلام وآليات الوصول إليها، حيث أكد العمل أن الموسيقى والأغاني مرتبطان بالمجتمع وتطوراته.
ويمكن للمشاهد ملاحظة أنهما متلازمان، فقد تكون الموسيقى عنصر مؤثرا في المجتمع أو العكس، وهي حالة فنية واقعية رصدها “ريفو” بنعومة بالغة، للدرجة التي جعلت الفن عذابا وعلاجا في آن واحد، الأمر الذي ظهرت معالمه في الحياة التي وصل إليها أبطال فرقة “ريفو” عندما تشتتوا بعد مصرع “شادي” في ظروف غامضة لم يتطرق لها المسلسل، وربما لإيجاد فرصة لتقديم جزء آخر من الحلقات.
لعبت الممثلة الأردنية ركين سعد دور “مريم” بطريقة متقنة، ويمكن وصفها بأنها البطل الحقيقي للعمل، ليس فقط من حيث مساحة الدور، لكن أيضا من زاوية قوتها التأثيرية والفنية، فهي ابنة المؤلف الذي توفي فجأة وهو يكتب فيلما عن “ريفو” كعمل سينمائي ولم يكمل القصة، ما دفع “مريم” وفاء لوالدها وتحقيقا لذاتها أن تتصدى لاستكمال الفيلم، وهي التي تعمل مساعدة مخرج ولا دراية لها بالكتابة.
الاختلاف والتشابه
واجهت تحديات كبيرة لتتمكن من استكمال العمل لأنها لا تعلم عن “ريفو” شيئا وبدأت الرحلة من بوستر لأعضاء الفرقة وجدته على فيسبوك ثم توالت المفاجآت للوصول إليهم بعد مرور وقت طويل وماذا حدث فيه من تغيرات وتحولات لهؤلاء بعد أن تفرقت بهم السبل، وهو ما نجح المؤلف في صياغته من خلال سيناريو محكم.
لكل شخص منهم قصة بدأت تتجمع عند “مريم” وتحوي مقارنة ضمنية بين ماذا كان وكيف صار، وفي الطريق أسئلة عدة تبحث عن إجابات في جلها تؤكد أن “ريفو” ليست فرقة موسيقية تحمّس للكتابة عنها المؤلف حسن فخرالدين، لكنها فكرة عميقة تكشف عمق التطورات التي حدثت في المجتمع المصري في العقدين الماضيين، كما أنها تحمل أبعادا شخصية لفخرالدين الذي كان متزوجا من والدة شادي.
◙ المسلسل يؤكد أن الفن أحد الوجوه المعبرة عن المجتمع والفرقة "ريفو" حالة شجن تتخطى حلم الشباب بتقديم نوع معين من الموسيقى
جاءت هذه المفاجأة كالصاعقة لمريم التي تعيش والدتها المطلقة في كندا وتستعد للهجرة إليها مع خطيبها، غير أن قصة “ريفو” عطلت مشروع الزواج والسفر وجذبتها بعيدا عن حياتها التي خططت لها، حيث استغرقت في تفاصيلها والبحث عن تفكيك خيوطها الدرامية، فكل شخص من أعضاء الفرقة والمحيطين بها عند تشكيلها حدثت له تغيرات كبيرة في حياته الاجتماعية بعد أن ترك الموسيقى والغناء.
أكد المسلسل على أبعاد تشدد على أن الفن أحد الوجوه المعبرة عن المجتمع، والفرقة “ريفو” حالة شجن تتخطى أهميتها التصور الخاص بشباب يحلمون بتقديم نوع معين من الموسيقى تترك أثرا طويلا في الناس، وهي عقدة كانت عنصرا أساسيا في حالتي الصعود والهبوط، فسمات أعضاء الفرقة بشرية بكل تناقضاتها المعنوية والمادية، وجرى تشخيصها لتؤكد أن عذابات الإنسان يمكن أن تأتي من المنطقة التي يعشقها.