مؤسسة الجيش تأخذ الدور الاجتماعي للسلطة في الجزائر

المؤسسة العسكرية في الجزائر باتت تضطلع بدور كبير رغم الانتقادات والمطالب الداعية إلى حصرها في المهام الدفاعية عن الوحدة والسلامة الترابية للبلاد وإبعادها عن المؤسسات المدنية وإدارة الشأن العام.
الجزائر- كرس الحضور المتزايد لقيادة المؤسسة العسكرية بالجزائر في المشهد العام حالة تحوّل صريحة تمهد لأن تأخذ مكان الوعاء الاجتماعي للسلطة، رغم الانتقادات المستمرة لدورها المتصاعد في المشهد منذ انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد نهاية العام 2019.
وأكد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة على هامش حفل تخرج سنوي لدفعة جديدة من الضباط، على الدور الذي لعبته المؤسسة في بناء البلاد بالقول “لعب الجيش دورا مشهودا في مسار بناء الدولة الحديثة من خلال الإنجازات المحققة منذ الاستقلال على غرار تأهيل موارده البشرية وتشييد منشآته ومساهمته الفعالة في التنمية الوطنية”.
وأضاف “كان جيشنا العتيد عنوانا لوحدة الوطن المفدى، وفي هذا السياق شكلت هياكل التكوين على رأسها أكاديمية شرشال بوتقة تنصهر فيها طاقات أبنائها من كل ربوع وطننا الفسيح”.
ولفت إلى أنه “يكفي أفراد الجيش أنهم استطاعوا بناء قوة دفاعية مهيبة الجانب كانت درعا واقيا من أخطار المراحل الصعبة، يحدوهم في ذلك إيمانهم الراسخ في حقنا كأمة وأن نضطلع بدورنا الريادي في منظومتنا الإقليمية وتعميم نعمة الأمن في محيطنا القريب والبعيد”.

سعيد شنقريحة: استظهار تضحيات من وهبوا الجزائر الاستقلال هو واجب وطني مقدس
وألمحت كلمة الرجل الأول في المؤسسة العسكرية إلى الدور الذي باتت المؤسسة العسكرية تضطلع به، رغم الانتقادات والمطالب الداعية إلى حصرها في مهامها الدفاعية عن الوحدة والسلامة الترابية للبلاد، وإبعاد نفوذها عن المؤسسات المدنية وإدارة الشأن العام، خاصة وأن خطاب المؤسسة العسكرية بات يتناول مختلف القضايا والملفات المتصلة بالقطاعات الأخرى.
وأشارت إلى التوجه نحو دخول المؤسسة عالم الصناعة العسكرية والإنتاج الحربي، بما يحولها إلى رافد جديد للاقتصاد المحلي، خاصة وأن المؤسسة تملك من الإمكانيات البشرية والفنية ما يؤهلها للدخول في مشروعات مختلفة بما في ذلك الشراكة مع شركات أجنبية.
وكرس الظهور المتنامي للمؤسسة في الواجهة الرسمية، خاصة منذ الاستعراضات الضخمة المنظمة على هامش الاحتفال بذكرى ستينية الاستقلال الوطني في الخامس من يوليو، وتبادل رسائل “الغزل” بين الرجل الأول في الدولة الرئيس عبدالمجيد تبون وقائد أركان المؤسسة العسكرية، حالة تناغم غير مسبوقة بين المؤسستين تتجاوز الحرج الذي خيم على العلاقة طيلة العقود الماضية، وتتجه إلى أن تتحول إلى وعاء اجتماعي صريح للسلطة.
ولأول مرة منذ سنوات تعود الحركة السنوية في صفوف المؤسسة العسكرية إلى مواعيدها التقليدية، حيث تشكل ذكرى الاستقلال الوطني محطة للترقية والإحالة على التقاعد وتخريج الدفعات الجديدة في مختلف المدارس والمعاهد العسكرية، الأمر الذي يوحي بعودة الاستقرار داخل المؤسسة، بعدما شهدت حركات غير منتظمة وعشوائية منذ العام 2018.
وذكر شنقريحة في كلمته بأن “تشريف رئيس الجمهورية لحفل تخرج الدفعات بالأكاديمية العسكرية لشرشال الثلاثاء يعكس الأهمية التي يوليها للجيش ولأفراده، ولا يفوتنا جميعا ونحن لا نزال نعيش نفحات ستينية الاستقلال التأكيد أن واجبنا اليوم الحفاظ على وطننا الجزائر من كل خطر ومكروه والحفاظ على عهد الشهداء”.
وأضاف “إن استظهار تضحيات من وهبوا الجزائر الاستقلال هو واجب وطني مقدس يفرض نفسه على كافة الوطنيين المخلصين، فهو واجب يمنحنا جميعا الافتخار والاعتزاز بالانتماء إلى الشعب الجزائري، وأن الشعب الجزائري كان ولا يزال شعب المواقف الثابتة والسديدة والحاسمة يتخذها في حينها وفي الوقت المناسب، مواقف ستتجلى جدواها ولو بعد حين”.
المؤسسة العسكرية الجزائرية تدخل عالم الصناعة والإنتاج الحربي، ما يحولها إلى رافد جديد للاقتصاد المحلي
وأشاد المتحدث بالمستوى الذي بلغته مؤسسته بالقول “الجيش الذي بلغ مستوى عاليا من النضج والاحترافية يواصل بكل عزم جهوده المضنية على مسار عصرنة قوام المعركة لديه بشكل يمكننا من مواجهة أي تهديد مهما كان نوعه ومصدره”.
ورغم نجاح الحراك نسبيا في إحراج المؤسسة العسكرية أثناء حكم الرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، إلا أن الجنرالات في الجزائر أظهروا قدرا من التكيف مع التطورات الحاصلة.
لكن النجاح النسبي للمؤسسة العسكرية في وأد جهود التغيير الجذري للنظام وتكريس حكم ديمقراطي مدني لا يمنع أن النظام العسكري يعيش حالة من العزلة داخليا وخارجيا.
ورغم جهود النظام العسكري لتوطيد العلاقات مع بعض الدول الشقيقة على غرار مصر في مواجهة نفوذ ودبلوماسية الجار المغرب في خضم تصاعد التوتر، لكن المؤسسة العسكرية تعيش دائما حالة من القلق والتوجس مما تصفها بالمؤامرات الداخلية والخارجية.