أحمد عمران لـ"العرب": أكتب قصصي متأثرا بماضيّ الشعري

لا شك أن هناك اختلافا بين الأدبين العربي والغربي، وهو اختلاف لا يعود إلى اللغة فحسب بل إلى منظومتين ثقافيتين مختلفتين، وإلى واقعين اجتماعيين وسياسيين مختلفين، بين الحرية الغربية والرقابة العربية، وأن يجمع كاتب بين الثقافتين والأدبين أمر بالغ الدقة مثلما فعل الأديب اليمني المجري أحمد عمران، الذي كان لـ”العرب” معه هذا الحوار.
عدن - بين شغفه الأدبي وعمله الأكاديمي وبين لغتين للكتابة، تدور تجربة الأديب اليمني المجري أحمد عمران الذي احتفى قبل أيام بصدور الطبعة العربية من كتابه الصادر باللغة الهنغارية تحت عنوان “بخار الروح” في العاصمة المصرية القاهرة.
بدأت اهتمامات عمران الأدبية منذ وقت مبكر بالتوازي مع مسيرته العلمية، حيث نشر العديد من النصوص الشعرية والقصصية في الصحافة اليمنية والعربية، قبل سفره إلى المجر للدراسة والعمل مهندسا جيوفيزيائيا في مجال استكشاف النفط والغاز.
وترجمت قصته “شاعر وراقصة” في العام 2000 إلى اللغة الإيطالية، وبدأ بنشر نصوصه في الدوريات المجرية في العام 2015، قبل أن يصدر مجموعته القصصية الأولى باللغة الهنغارية في العام 2017 تحت عنوان “الغداء الأخير” والتي تلاها إصدار مجموعته الثانية في العام 2019 بعنوان “بخار الروح” والتي صدرت ترجمتها العربية قبل أيام في العاصمة المصرية القاهرة عن دار عناوين بوكس.
عن كتابه “بخار الروح” يقول عمران لـ”العرب”، “بخار الروح هي مجموعتي القصصية الثانية بعد مجموعة ‘الغداء الأخير’، هذه المجموعة تتكون من 26 قصة، بعض القصص يمني بحت، وبعضها الآخر مجري بحت، وهناك نوع يدور في مساحات تلاقي الثقافتين العربية والأوروبية، وهذا النوع هو أكثر ما يشد القراء حسب ما يصلني منهم ومن النقاد”.
ويبين أن “بخار الروح” رحلة حياة يبحث فيها الإنسان عن التوازن الروحي عبر تعايشه وتصادمه مع أحداث كثيرة ومتغيرات شتى وفي بيئات مختلفة. لذا تشبه هذه المجموعة رحلة سمك السلمون حيث ينطلق من الهضاب باحثا عن البحر ثم المحيط ثم يعود إلى المرتفعات التي انطلق منها ذات يوم رغم العوائق والأخطار والصعوبات المحدقة”.
بين لغتين

"بخار الروح" رحلة حياة يبحث فيها الإنسان عن التوازن الروحي عبر تعايشه وتصادمه مع أحداث كثيرة ومتغيرات شتى
وعن نسختها العربية يقول عمران “يشتعل داخلي فضول كيف سيكون تقبل المجموعة؟ وهل استطعت ترجمتها إلى اللغة العربية بحيث أنها لم تفقد رونقها الأصلي ولا تتضمن تلك المطبات البنيوية واللغوية، التي يتسم بها عادة الأدب المترجم؟”.
وسبق لعمران أن رشح لجائزة الأدب المجري في العامين 2020 و2021، وعن كيف تلقى القارئ المجري كتبه يقول لـ”العرب”، “يمكنني القول إن تقبل القارئ المجري كان أفضل مما توقعت. الصعوبة كانت في البداية وأثناء محاولتي للظهور لدى دور النشر والدوريات الثقافية، كانت الدوريات الثقافية ودور النشر تشعر بأن ما أكتبه يشكل نوعا مغايرا ويحمل ألوانا مختلفة قياسا على ما هو موجود لكن لم يكن لديهم اطمئنان أن هذا الاختلاف البنيوي والسردي والصوري سيجذب القارئ فيما يخص الدوريات وسيجذب المشتري فيما يخص دور النشر”.
ويضيف “الحقيقة أني لم أبد استعدادا لتحوير أسلوبي وطريقة سردي من أجل أن أشابه ما هو مقبول على الساحة، فظللت أبحث عن الإمكانية حتى وجدتها في دوريات معينة وفي دار نشر رأت في أعمالي شيئا تجديديا ونفسا مغايرا لا يتعارض مع الأدب المجري بل يضيف إليه ويغنيه”.
وبعد ظهوره في الساحة الأدبية صارت الدوريات الثقافية تتسابق من أجل الحصول على نصوصه، كما صارت دور النشر تتسابق أيضا من أجل إصدار كتابه الثاني. يقول “طبعا أنا أمارس طبع الوفاء تجاه تلك الدوريات ودار النشر التي تقبلتني وساهمت في إظهاري. وفي السنوات الأخيرة تم ترشيحي مرتين لجائزة الأدب المجري غير أني لم أحظ بها، لكني أعتبر الترشيح بحد ذاته تكريما واعترافا أعتز به”.
وعن خوض تجربة الكتابة بلغتين مختلفتين تماما، يرى عمران أنه يشعر بهامش أكبر عند الكتابة بلغته العربية الأم، ويقول “أشعر بسلاسة أكبر وأنا أكتب بلغتي الأم ولكني أشعر بمتعة أكبر وأنا أكتب باللغة المجرية. والحقيقة أن كتابة النص تكون أسهل بلغة المجال الاجتماعي واللغوي الذي تدور فيه أحداث النص خاصة إذا كان النص بشكل كامل أو بشكل جزئي يحمل أحداثا واقعية”.
ويتابع “إن كتابة نص تدور أحداثه في قرية يمنية تكون أسهل باللغة العربية بطبيعة الحال، ولكني أتلذذ كثيرا بكتابته باللغة المجرية، لأن نقل النص إلى بيئة لغوية اجتماعية وفكرية مغايرة مع الحفاظ على كل مزاياه الروحية والفكرية يعد تحديا جميلا، وأعتقد أن هذه هي الزيادة التي أقدمها للقارئ المجري، فأنا أنقله عبر هذا إلى فضاءات لا يعرفها وأحيطه بتفاصيل لم يكن يقرأها وإن كان قد قرأها فقد تكون أتت إليه عبر ترجمات متعاقبة أفقدت النص روحه وتبخر عبرها ندى الكلمات الأصلية في النص العربي”.

وحول مزايا الكتابة قياسا على النص المجري المعتاد يقول عمران “طبيعتي الريفية الجبلية علمتني أن الصعود إلى القمة يكون أسهل عبر طريق متعرج وفيه بعض محطات التوقف، هكذا أكتب نصوصي ومحطات التوقف هي محطات غور في تفاصيل معينة، في استحضار ذكرى، في قراءة لملامح أو تمعن في جملة أو كلمة”.
ويتابع “الشيء الآخر أني بفضل ماضيّ الشعري أكتب نصوصا مرشوشة ببعض الشعر كما ذكر هذا أديبنا الكبير عبدالعزيز المقالح في قراءته لقصتي ‘الرحيل داخل الرحيل’. وربما يكون الشيء الأبرز هو أني أعتمد على الحكاية كنمط وعمود فقري للنص. أنا أيضا في كتابتي للأجزاء الحميمية أبتعد عن المباشرة المقذعة التي يزخر بها الأدب الأوروبي المعاصر. هناك صور وإشارات وألوان تجدها تتكرر في أغلب القصص إن لم يكن في جميعها مما قد يجعلك تشعر بأن للكاتب عالمه الخاص الذي يشركك فيه”.
وعن أشهر أدباء المجر الذين تأثر بهم يقول “الحقيقة إن الأدب المجري بشقيه الشعري والسردي في منتهى الغنى والروعة والعراقة، ولولا محلية اللغة لكان من الآداب المسيطرة على الأدب العالمي. وأجدني محظوظا أني أقرأ الأدب المجري من منابعه الأصلية”.
ويتابع “كوني أملك ميولا نحو الشعر فإني أعتبر يوسف أتيللا شاعري المفضل، وقد خلقت لنفسي توازيا بينه وبين عبدالله البردوني، كون هذا الشاعر المجري قد عاش حياة مأساوية ومات مبكرا منتحرا على قضبان السكة الحديدية. كانت أمه تغسل ثياب الأغنياء وتنشرها في سطح المنزل وكان هو يمني نفسه بلبس تلك القطع بدلا من ملابسه المهترئة دون أن يخبر أمه كي لا يحزنها. أما فيما يخص أدباء السرد فإن شاندور مارائي هو كاتبي المفضل وأعتقد أنني قد تأثرت بأسلوبه ولي محادثات كتابية نشرتها معه أو فلنقل مع روحه كونه قد توفي عام 1989، أنهى عمره في المهجر وربما كانت هذه النقطة شيئا زاد ارتباطي به”.
أتيللا والبردوني

وبالعودة إلى البدايات والجذور تسأل “العرب” الكاتب اليمني عن الوطن الأم في كتاباته وملامح الغربة البادية على نصوصه ونتاجه الأدبي وهل تراجع هذا الشغف بفعل الواقع الجديد الذي يعيشه بعيدا عن اليمن؟ فيجيبنا “يقول تشي غيفارا ‘هناك أوطان يسكنها الناس وهناك أوطان تسكننا’، اليمن من الأوطان التي تسكننا، فلا يمكنك الخروج من دائرة هذا الوطن الموغل في الروعة والعراقة”.
ويضيف “قد لا يكون الهم وحده ولكن موروث الحكاية شيء له بالغ التأثير في نفسي، وكما تقول الأديبة اليمنية جهاد الجفري ‘إننا محددون بشكل كبير عبر ما ترسب في وجداننا الطفولي’. اندماجي في المجتمع المجري شبه كامل وأنا أكتب عنه من الداخل تماما كما أكتب عن مجتمعنا ولكن يجب القول إن فوق طبقة المجتمع العربي والمجري سماء أعلى وهي سماء الإنسانية. فنحن كلنا شركاء في الحب والوجع والألم والدموع في كل العيون تحمل نفس الملوحة والابتسامة، شمس تشرق في كل الوجوه. كل قضية تهزني تستأصل مني نصا بغض النظر عن مكان انطلاقها”.
وفي حديثه لـ”العرب” يسرد عمران أبرز الفروق التي لمسها ككاتب وأديب يمني مهاجر بين المشهدين الثقافيين العربي والغربي، فيقول “أحد أكبر دواعي الكتابة في الشرق هو غياب حرية الرأي، فتأتي الكتابة عبارة عن أسلوب تهريب لهذا الرأي أو الرؤية. أما في الغرب فهذا ليس سببا رئيسيا للكتابة. لذلك نستخدم التورية والاستعارة بشكل أكبر. ما لا يطيب لي في الأدب العربي أن هناك أقلاما تحاول كتابة ما يطلبه القارئ الغربي العادي ودور النشر التي تبحث عن فرص مبيعات عالية. ‘أدب الفضيحة’ نوع ذو عمر قصير في نظري وإن كانت عائداته مرتفعة وهو أدب يحمل قدرة كبيرة على التشويه. الأدب الغربي في بعض جوانبه يحمل مباشرية مبالغا فيها ويعمد أحيانا إلى الغموض أو ما يسمونه ‘الابستركت’ ويتجنب نمط الحكاية على اعتبار أنها نمط كلاسيكي عفا عليه الزمن”.
وحول التباعد بين شكل تخصصه المهني وانحيازه الأدبي وكيف يوزع وقته واهتماماته، يؤكد عمران أنه استفاد من عمله المهني كمهندس جيوفيزيائي وكاتب، مشيرا إلى أنه يلطف حياته المهنية بالأدب ويستخدم بعض المقاربات العلمية ومنطق التحليل والبناء في كتاباته الأدبية.
ويتابع “هذا التباين لا يزعجني بل يشعرني بشيء من الغنى النفسي رغم صعوبة التوفيق أحيانا. أنا لا أشعر بصعوبة التوفيق لأني أمارس الأدب كهواية، ولم أضع في ذهني أرقام كتب يجب أن أنشرها، أنا في الحقيقة لا أصطاد السمك بغرض بيعه في السوق، أنا أبحث عن سمكة روحي الذهبية. أقول هذا وأنا أعرف أني سأثير حفيظة الكثير ممن أحبهم ويحبونني ويقدرون إنتاجي ويرون أن في داخلي وفي إطار إمكانياتي ما يجب أن يكتب بشكل أكثر غزارة. أبرز هؤلاء زوجتي الكاتبة جهاد الجفري والكاتب الكبير والصديق محمد الغربي عمران“.
وعن مشاريعه الأدبية القادمة، يختتم عمران حواره مع “العرب” بالقول “أنا كاتب كسول، كاتب يتهرب من النص حتى يستطيع النص خنقه فيبدأ مجبرا على كتابته. مشاريعي المستقبلية ربما تكون في ترجمة المجموعة الأولى إلى اللغة العربية. ثم إن لي نتاجا شعريا قديما أفكر في تجميعه وطبعه”.