تلويح باشاغا بالعودة إلى طرابلس.. ضوء أخضر خارجي أم مغامرة شخصية

فتحي باشاغا يلوح بدخول طرابلس وممارسة مهامه كرئيس حكومة معين من البرلمان بالرغم من فشل مغامرة شبيهة بدخول العاصمة قبل شهرين، وهو ما يطرح تساؤلات عن سر إصراره، وهل أن الأمر يتعلق بمزاج شخصي أم بضغوط مسلطة عليه من قوى محلية وخارجية لتجديد المغامرة.
تونس- أكد رئيس الوزراء الليبي فتحي باشاغا المعيّن من البرلمان والذي يتنافس على السلطة مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والتي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، أنه سيتوّلى مهامه في العاصمة “في الأيام المقبلة”، في خطوة زادت من الشكوك حول شخصية الرجل وتمسكه بمغامرة دخول طرابلس مجددا بالرغم من فشل مغامرته الأولى.
ولم تستبعد أوساط سياسية ليبية أن يكون باشاغا واقعا تحت تأثير جهات محلية وخارجية تضغط عليه لدخول طرابلس وفرض الأمر الواقع وأن هذه الجهات لا تقدر الصعوبات التي تعترضه وصعوبة أي مغامرة بالدخول إلى طرابلس مجددا بعد فشل المحاولة السابقة التي كشفت محدودية نفوذه وضعف الميليشيات الحليفة له.
ويسود ليبيا انقسام كبير مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس جاءت وفق اتفاق سياسي قبل عام ونصف برئاسة الدبيبة الرافض لتسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا عينها برلمان طبرق (شرق) في فبراير الماضي ومنحها الثقة في مارس، وتتخذ من سرت في وسط البلاد مقراً مؤقتاً لها بعد منعها من دخول طرابلس.

◙ حكومة الدبيبة كُلّفت بمهمة أساسية هي تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية كانت مقررة في ديسمبر الماضي
وأعلن باشاغا المدعوم من رجل الشرق القوي المشير خليفة حفتر في منتصف مايو الدخول إلى طرابلس مع حكومته، لكنه انسحب بعد ساعات إثر وقوع اشتباكات في العاصمة بين مجموعتين مسلحتين مواليتين لكل من رئيسَي الحكومتين وأحبطت محاولته.
وفي هذا السياق، شدّد باشاغا على أنه إذا كان قد انسحب فذلك من أجل تجنّب إراقة الدماء من دون أن يتخلّى عن مهامه في طرابلس.
وأوضح باشاغا في مقابلة مع وكالة فرانس برس عبر تطبيق “زوم” من مقرّه في مدينة سرت على بعد 450 كيلومترا شرق طرابلس أن “كل الطرقات إلى طرابلس مفتوحة”، مضيفاً “تلقّينا عدّة دعوات إيجابية لدخول العاصمة”.
وقالت أوساط سياسية ليبية وقتها إن مغامرة باشاغا بدخول طرابلس كانت خطوة غير محسوبة انتهت بإخفاق سياسي مدوّ تسبب بضربة معنوية له ولحلفائه داخليا وداعميه الإقليميين والدوليين.
واعتبرت تلك الأوساط أن باشاغا هو أكثر شخص يعرف ماذا يعني إخفاق من هذا النوع سواء على المدى القريب أو على مستقبله السياسي، حيث سبق أن مر حليفه الحالي وخصمه السابق القائد حفتر بمثل هذا الموقف وتحمّل تبعات فشله في السيطرة على العاصمة طرابلس.
واستغربت قيام باشاغا بمثل هذه المغامرة حيث ساد انطباع أنه شخصية متّزنة، ولم تستبعد أن يكون قد تأثر بالبعض من وزرائه وفريقه الاستشاري الذي قد يكون أوحى له بأن هناك ضوءا دوليا أخضر لدخول حكومته طرابلس.
لكن مراقبين ربطوا فشل باشاغا في البقاء في طرابلس وطرد خصمه الدبيبة برفض تركي لحكومته خاصة وأن من قام بفض الاشتباكات ووفر ممرا آمنا لباشاغا هو اللواء 444 قتال الذي تم تشكيله قبل نحو سنتين تحت إشراف وتدريب تركي. وانتشر اللواء بعدها في كامل طرابلس.
وأوضحت الحكومة في بيان أن “باشاغا وعدد من أعضاء حكومته غادروا العاصمة (…) حرصاً على سلامة وأمن المواطنين وحقنا للدماء”.
واعتبرت الحكومة مغادرتها طرابلس “إيفاءً بتعهداتها للشعب الليبي بخصوص سلمية مباشرة عملها من العاصمة وفق القانون”.
والدبيبة وباشاغا مدعومان من مجموعات مسلّحة مختلفة في العاصمة، ولكن الأخير أكد أن “القوى التي كانت معارضة تغيّرت مواقفها وتريدنا أن ندخل العاصمة وسوف ندخل”، مضيفاً “ليست هناك معارضة شديدة، هناك معارضة من بعض القوى التي دفعت لها الحكومة السابقة أموالاً”.
وكلفت حكومة الدبيبة بمهمة أساسية هي تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية كانت مقررة في ديسمبر الماضي.
غير أن الخلافات بين الفرقاء السياسيين، لاسيما حول القانون الانتخابي، أدت إلى تأجيلها إلى أجل غير مسمى، علما أن المجتمع الدولي كان يعلّق عليها آمالا كبيرة لتحقيق الاستقرار في البلد. وأكد باشاغا أن حكومة طرابلس “غير شرعية”، وقال “انتهت ولايتها ولم تنجح في تنظيم انتخابات”.
وعلى الرغم من أنّه مدعوم من المعسكر الشرقي، إلّا أن باشاغا يتحدر من مصراتة في غرب ليبيا، على غرار منافسه الدبيبة. وصنع المدرب السابق في ميدان الطيران لنفسه اسماً خلال الفترة التي قضاها على رأس وزارة الداخلية من العام 2018 إلى أوائل العام 2021.
وهو اليوم في قلب أزمة مؤسسية خطيرة تثير مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة في ليبيا.
وإذ استبعد سيناريو الحرب الأهلية، إلّا أنه حذر بأنه “ربما تعمّ الفوضى بسبب التظاهرات ومطالبة الناس بأن تكون هناك حكومة واحدة في ليبيا قادرة على أن تجمع الليبيين وتبدأ في عملية الإصلاح”.
وخرجت تظاهرات في أوائل يوليو في جميع أنحاء البلاد ضد تدهور الظروف المعيشية وانقطاع التيار الكهربائي وللمطالبة بتجديد الطبقة السياسية، من ضمنها الدبيبة وباشاغا. وتمكّن المتظاهرون من الدخول إلى برلمان طبرق (شرق)، قبل أن يضرموا فيه النيران.
ليس مستبعدا أن يكون فتحي باشاغا واقعا تحت تأثير جهات محلية وخارجية تضغط عليه لدخول طرابلس
ومنذ منتصف أبريل قام أنصار المشير خليفة حفتر بإغلاق المنشآت النفطية الرئيسية كوسيلة للضغط على حكومة طرابلس وإجبارها على التنحي. إلّا أن الإغلاق أدى أيضاً إلى انخفاض إنتاج الغاز الذي يعد ضرورياً لتزويد الشبكة الكهربائية، الأمر الذي كانت نتيجته إطالة فترة انقطاع الكهرباء.
وأكد باشاغا أنه ليست هناك “أي صلة” بين انقطاع التيار الكهربائي وإغلاق المنشآت النفطية، وقال “بعد أن يطمئن سكان الهلال النفطي إلى أن الأموال لن تذهب إلى الفساد أو السرقات أو غيرها، سوف يرفعون الحظر عن تصدير النفط”.
ودعا الأمم المتحدة إلى “تبني حلول تعمل لصالح الليبيين بدلاً من الدول التي تتدخّل في ليبيا”، وذلك بينما تأجّج الصراع إلى حدّ كبير مع التدخّلات الخارجية. وقال “تمكنّا من تجنّب أي مواجهة عسكرية، لكن ليبيا لا يمكن أن تبقى على هذا الحال إلى الأبد. نحن بحاجة إلى حل”.