وانتهى زمن الغزل

شعب لا يعرف الغزل لا أظن أن في إمكانه أن يكتب أو يقرأ الشعر.
السبت 2022/07/02
لا كلام من غير سامع

“بقى يُقلي وأنا أقلو”، كنا نضحك ونحن صغار، فلم يكن في إمكاننا أن نتخيل أن العالم يمكن اختصاره في حوار بين عاشقين لا يعرفان متى ينتهي كلامهما.

بعد سنوات اكتشفنا أن أم كلثوم كانت على حق؛ فالحياة كلام يروي حكايات لا تنتهي.

في واحدة من أشد لحظات حياتي حرجا تذكرت بيت أبي الطيب “نحن أدرى وقد سألنا بنجد/ أطويل طريقنا أم يطول”، صرت أردده سرا وعلنا وهو ما قادني إلى التعلق بأغنية محمد عبدالمطلب “حبيتك وباحبك وحاحبك على طول”، ذلك حب طويل الأمد لا ينتهي. وهو حب قد يكون من طرف واحد. ذلك الطرف الذي يقول ولا يصغي إلى ما يُقال له من نصح.

ولست هنا في حال تسمح بالتذكير بابن زريق البغدادي في واحدته التي يقول في مطلعها “لا تعذليه فإن العذل يوجعه/ قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه”، في تلك اللحظة الحرجة من حياتي كانت الطريق تبدو لي طويلة غير أنني لم أكن جاهزا للمضي وراء سؤال أبي الطيب.

كنت في حاجة إلى يأس أقل. لذلك شغفت بكارم محمود وقد عاد بشكل جديد إلى الغناء بعد أن أجرى على أغانيه عمليات توزيع سرعت منها. فراقني أن أردد “يرضيكو الحليوة يسبني/ في النار اللي بتذوبني/ أيه قصدو الحليوه”، جمل مقتطعة من أغنية “عنابي”. لقد سكن العنب في رأسي باعتباره إشارة غرام.

غير أن عبدالمطلب لم يفارقني بأسئلته الوجودية “بتسأليني بحبك ليه/ سؤال غريب مجاوبش عليه”، مثلما كنتُ أجهل الطريق كنت أجهل السبب الذي دفعني إلى أن أكون غريبا.

كنت في تلك اللحظة الحرجة في حاجة إلى من ينصت إلي وأنصت إليه. “وخلصنا الكلام كله”، كيف يمكن أن ينفد الكلام؟ الكلام في حاجة إلى من يسمعه. لا كلام من غير سامع.

لا بأس من أن يكون المتكلم والسامع هما الشخص نفسه. ولكننا سنعترف حينها بأن العزلة هي مصيرنا.

صار يزعجني مشهد الناس الجالسين في قطارات الاتفاق وهم ينظرون إلى هواتفهم النقالة. زوج وزوجته لا يكلم أحدهما الآخر. لا أظن أن أحدهما سيسأل الآخر “لمَ تحبني؟” لقد انتهى زمن الحب ولا معنى لكلمة “عنابي”. ألا يزال الغزل ممكنا؟ ما أنا متأكد منه أن اللغة السويدية على سبيل المثال تضيق بالغزل.

شعب لا يعرف الغزل لا أظن أن في إمكانه أن يكتب أو يقرأ الشعر. ولو أن أحدا ما قد أقدم عل ترجمة “بقى يُقلي وأنا أقلوا/ وخلصنا الكلام كله” إلى اللغة السويدية لما فهم السويدي منها شيئا ولاعتبرها لغزا.

20