ماذا تبقى من ثورة 30 يونيو في الخارج

استطاع النظام المصري منذ ثورة الثلاثين من يونيو تقليص حركة معارضيه في الخارج بشكل كبير، مستفيدا من شبكات مصالح متقاطعة مع القوى الدولية والإقليمية، إلا أن تراجع سردية جماعة الإخوان المسلمين لدى الدوائر الغربية وحواضنها الإقليمية ليس ثابتا، بل يبقى رهين المتغيرات.
القاهرة - أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمة له الخميس بمناسبة الذكرى التاسعة لثورة الثلاثين من يونيو، أن بلاده “ستعبر الأزمات الدولية الراهنة بانعكاساتها المحلية، وستواصل بلا توقف مسيرتها نحو بناء الدولة المتقدمة والوطن الآمن”.
وقطع النظام المصري شوطا كبيرا في تجاوز الكثير من التحديات الأمنية، وقلّص حركة معارضيه في الخارج بعد أن أجهز على فلولهم بالداخل، من خلال حزمة من السياسات والإجراءات سهلّت الطريق ليحكم قبضته على المفاصل الرئيسية في الدولة.
وتأتي أهمية الذكرى التاسعة للثورة الشعبية التي أيدها الجيش وأطاحت بحكم جماعة الإخوان، من أن الرئيس السيسي قد يعلن في الثالث من يوليو المقبل (تاريخ عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي) عن قرارات لتدشين معالم الجمهورية الجديدة عمليا.
التحولات التي حدثت في العلاقة مع قوى إقليمية مختلفة أفشلت رهان الإخوان على التغيير في مصر من الخارج
وتتمثل هذه القرارات في إدخال تعديلات مهمة على الحكومة الحالية، تصل إلى إمكانية استبدال رئيسها مصطفى مدبولي وتغيير وزراء لم يتمكنوا من تحقيق تطلعات المواطنين، والإعلان عن نقل دولاب الدولة إلى العاصمة الإدارية في شرق القاهرة.
وتدخل البلاد العام العاشر لثورة يونيو، وقد حقق النظام الحاكم نصرا معنويا مهما بعد أن قوّضت خطوات التقارب السياسي مع كل من تركيا وقطر العديد من الأجنحة التي مكّنت الإخوان من التحليق وممارسة ضغوط عدة على النظام المصري.
ونزع هذا التطور الكثير من الدسم الإعلامي والسياسي الذي تمتعت به قيادات الجماعة في الخارج، حيث ساعدها على مضايقة القاهرة أو على الأقل استحوذ على جزء كبير من جهودها واهتمامها في التصدي لها.
وجاءت نقطة التغير من اعتبارات تتعلق بفشل مشروع الإخوان في الخارج وعدم قدرته على إحداث هزة في الداخل المصري، ومن المصالح التي فرضتها تطورات إقليمية على تركيا وقطر والتي جعلت كلاهما تدخل تعديلات على تصوراتها حيال القاهرة.
وتكمن كلمة السر في نجاح النظام المصري في تصحيح علاقاته مع قوى دولية وإقليمية عديدة، والصمود في مواجهة المشكلات التي تراكمت عقب ثورة يونيو، والتي وصفت في الأدبيات الغربية والإخوانية بأنها “انقلاب عسكري”، وإيجاد شبكة من المصالح المتبادلة فرضت على الدول الكبرى مراجعة مواقفها الصلبة، فضلا عن المرونة والبرغماتية اللتين تمتعت بهما القاهرة في إدارة علاقاتها الخارجية.
وتأكدت القوى التي دعمت جماعة الإخوان في الخارج أن استرداد مشروع الإسلام السياسي عملية عصية، بعد نجاح النظام المصري في إجهاض الكثير من مخططات الاستنزاف الأمني طويل المدى عبر دعم الجماعات المتطرفة في سيناء وغيرها.
ولم تتراجع أنقرة أو الدوحة عن دعم الإخوان كراهية في الجماعة أو رغبة في القيام بتغيير هيكلي في التوجهات الاستراتيجية أو لأنهما ازدادتا تعاطفا مع القاهرة، لكن لأن الرياح الإقليمية جاءت بما لا تشتهي سفنهما وبدأت تسير في طريق لم تعد فيه ورقة التيار الإسلامي تحمل الجدوى ذاتها التي ظهرت قبل عشر سنوات.
كما أن معارضي الخارج، وتمثلهم جماعة الإخوان، أصبحوا عبئا سياسيا على تركيا وقطر يصعب تحمله في فترة تعج بتغيرات لن تكون فيها الجماعة ورقة رابحة، وبالتالي من الضروري وضعها على الرف إلى حين العودة للاستثمار فيها مرة أخرى.
وتعد فكرة المعارضة من الخارج غير مجدية في الحالة المصرية تاريخيا، ومع وجود مصالح تربط النظام الحاكم في القاهرة بالعديد من الدول الغربية والعربية وعدم القدرة على توظيفها بطريقة إيجابية يزداد الأمر صعوبة.
وصارت التحولات الكبيرة التي حدثت في العلاقة مع قوى مختلفة شاهدة على فشل رهان الإخوان على إحداث التغيير المطلوب في مصر من الخارج.
وكان العصب الرئيسي للتغيير الذي حدث في مصر عبر ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 في الداخل، حيث جرى استثمار الحراك الشعبي ومساندة الجيش له في الثورتين كعنصر مفصلي في تغيير معادلة الحكم عموما، ولم تثبت المعارضة من الخارج نجاحا لافتا داخل مصر في أي وقت.
وتعد المؤسسة العسكرية المتحكم المركزي في تغيير نظام الحكم وترجح كفة أي من القوى السياسية، ومثل تدخلها الحاسم في مساندة المتظاهرين ضربة قاضية لإنهاء نظام حسني مبارك في ثورة يناير، والتخلص من نظام الإخوان في ثورة يونيو.
ويجد النظام المصري في بقاء قيادات وكوادر الإخوان في الخارج صيغة مريحة له، حيث يبعدهم عن التأثير المباشر في الكتلة الشعبية الحرجة التي استمالتها الجماعة من قبل، ويحشرها في نطاق فكرة العمالة والتآمر والتعاون مع جهات أجنبية ولصالحها، وهي طريقة تجد رواجا في الشارع وتقلل من المصداقية وتنزع أي صفة وطنية.
نجاح النظام المصري يكمن في تصحيح علاقاته مع قوى دولية وإقليمية عديدة، والصمود في مواجهة المشكلات التي تراكمت عقب ثورة يونيو
وفقد الإعلام النشط لجماعة الإخوان جزءا من بريقه عندما رفعت تركيا الراية البيضاء بشأن غالبية القنوات الإخوانية التي تبث من أراضيها لأجل تحسين علاقتها مع مصر.
وتراجعت قناة الجزيرة عن دعم خطاب الجماعة بالصورة التي كانت تخوض سباقا محموما ضد القاهرة، ما أدى إلى اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي، التي يختلط فيها الحابل بالنابل وتتوه فيها الرسائل السياسية ولا يتبقى منها سوى ضجيج مفتعل.
ويقول متابعون إن وضع الإخوان في الخارج في شكل “رمادي” أمر مقلق للقاهرة، فكونهم غير مؤثرين بقوة في المشهد السياسي وغير قادرين على التوقف والاستسلام، يعني أن هذه الورقة سوف تظل معلقة إلى حين التوصل إلى صيغة تفتح الطريق لعودتهم إلى الداخل أو تفعيل دورهم في الخارج، فالتقارب بين تركيا وقطر مع مصر تحيط به غيوم ربما تسقط مطرا إذا اختلفت الحسابات الإقليمية.
يشير المتابعون إلى أن الحالة الراهنة لا تبعث على الاطمئنان التام للقاهرة، فالسيولة قد تفضي إلى تحلل في المعالم الرئيسية لأي ظاهرة أو تتماسك بما يؤدي إلى منغصات جديدة، خاصة أن ملف معتقلي الإخوان وأحكام الإعدامات الصادرة بحق عدد من القيادات لا يزال معلقا، ويمثل ضغطا رمزيا على النظام المصري، فهو لا يستطيع العفو والإفراج عنهم أو استمرار بقائهم في السجون وتنفيذ الأحكام الباترة.
ومنحت هذه الحالة زخما معنويا لإخوان الخارج يحاولون استثماره سياسيا، غير أن إجراءات القاهرة المتوازنة في التعامل مع الخارج تقلل من التأثيرات السلبية، ولن تمكن الجماعة من إحداث الضغط الذي يساعدها على جني مكاسب حقيقية.