مجلس أمناء الحوار الوطني يبعث برسالة متأرجحة إلى الحكومة المصرية

القاهرة - في الوقت الذي حمل إعلان مجلس أمناء الحوار الوطني المكون من 19 عضوا رسالة إيجابية بعد أن حوى أسماء معارضة ووسطية ولها مواقف وانتقادات واضحة حول سياسات الحكومة المصرية، شكك آخرون في التركيبة واعتبروها غير عادلة لأن الأسماء المؤيدة للحكومة أكثر عددا ما يفقد الحوار توازنه المطلوب.
وبعث تشكيل مجلس الأمناء الأحد برسالة متأرجحة حيال نوايا إدارة الحوار الوطني وتوظيفه بصورة تؤدي إلى عدم تمكينه من تحقيق الأهداف التي يسعى لها في مجال الإصلاحات السياسية وجره إلى الدخول في تفاصيل قضايا مجتمعية واقتصادية.
وجاءت أسماء لها مواقف معارضة واضحة، مثل وزير التضامن الأسبق جودة عبدالخالق، والكاتب الصحافي عبدالعظيم حماد، والناشط الحقوقي البارز نجاد البرعي، في إطار الاختلاف مع النظام المصري من منطلق أرضية متقاربة.

طلعت خليل: الأجواء الراهنة ليست مهيأة لإجراء حوار مثالي
ويبدو أن التباين مع النظام في جزء كبير منه جاء من رحم التحفظ على بعض التصورات والتصرّفات، ما يجرّ الحوار إلى منحى يبتعد عن الصدام الحاد في الرؤى.
ويعد هذا التوجه ميزة كبيرة لتسهيل مهمة الحوار وتحقيق اختراق جاد في عملية الانسداد الحاصل في الفضاء العام، فمجلس الأمناء جهة منوط بها رسم الأجندة وتحديد المحاور وإعادة صياغة المخرجات وبلورتها بصورة واضحة لتصبح قابلة لتطبيقها.
ويؤكد وجود أسماء يمكن وصفها بأنها “مستقلة في مواقفها السياسية” مثل الباحث عمرو هاشم ربيع أن الحكومة مستعدة لمناقشة أفكار عديدة من كل الأطراف، وهي صيغة تعزز الحرص على توافر العناصر الشكلية في الحوار.
ويشير متابعون إلى وجود مخاوف من الاستغراق في الشكل على حساب المضمون، والتمسك بأن تكون التركيبة العامة للحوار فضفاضة، وقد يجد فيها كل شخص، أو قوى، ما يبحث عنه كي تنفي الحكومة عن نفسها الاتهامات المتداولة بأنها تريد حوارا بطيئا يمكّنها من عبور الأزمات الراهنة ولا تبحث عن صيغة حقيقية للتغيير.
ويقول هؤلاء المتابعون إن وصول هذه القناعة إلى شريحة كبيرة من المشاركين في الحوار ممن يقفون على يسار الحكومة لن يكون مفيدا، وتضع هذه الفكرة عراقيل أمام قدرة أعضاء مجلس الأمناء، ومنسقه العام (ضياء رشوان)، في موقف غير إيجابي. ويحتاج الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى مزيد من الثقة المتبادلة في القوى الممثلة للمؤيدين والمعارضين ومن يحتفظون بهامش مستقل في مواقفهم، فالاستغراق في تفاصيل الحوار من لجان وأعضاء والإيحاء بالتوازن في القوى والنخب المشاركة يبعد الحوار عن التطرق إلى جوهر القضايا.
ويخلق الاستغراق في التفاصيل والتباحث حول ملفات هامشية أو غير ذات أولوية ملحة انطباعات عديدة يمكن أن تقلل من الرهانات المرتفعة على جدوى الحوار وقدرته على إحداث حراك منتظر في المشهد المصري.
وتسعى المعارضة لحوار بناء يؤدي إلى تغيير سريع في العلاقة مع الحكومة وتحويلها من الخصومة والمنافسة إلى التكامل والتعاون لتجاوز الأزمات المتراكمة، والتي يعجز كل طرف عن تسويتها بمفردة وعبر طريقة لا تكبد الدولة خسائر باهظة.
ويسهم وجود أعضاء محل تقدير في مجلس أمناء الحوار في زيادة فرص التفاؤل وإمكانية الوصول إلى نتيجة تقود إلى عصف جاد يساعد على طيّ الصفحة الماضية وبدء صفحة جديدة يمكن أن تنهي حالة لا يرتاح لها مصريون سادت لفترة طويلة، ربما يكون هناك كثيرون قبلوا بها لأن الدولة واجهت تحديات داخلية وخارجية عاصفة.
في الوقت الذي حمل إعلان مجلس أمناء الحوار الوطني المكون من 19 عضوا رسالة إيجابية شكك آخرون في التركيبة واعتبروها غير عادلة
وقال الأمين العام لحزب المحافظين طلعت خليل إن تشكيلة مجلس أمناء الحوار لا تعني الأحزاب، فما يشغلنا في المقام الأول المنهجية التي يعتمد عليها الحوار، وحتى الآن ليست واضحة المعالم، ومن المفترض أن يكون الحوار سياسيا، لكن المؤشرات تقول إنه يتجه نحو الشق المجتمعي، حيث يضم أحزابا ونقابات وقوى مختلفة.
وأضاف لـ”العرب” أن الأحزاب تريد حوارا سياسيا بالمعنى الحرفي تتشعب منه حوارات اقتصادية واجتماعية لأن الملف السياسي هو أصل الأشياء وجوهر المشكلة في مصر، كما أن الأجواء ليست مهيأة لإجراء حوار مثالي في ظل استمرار الحبس الاحتياطي لنشطاء لا تهم محددة وجهت إليهم.
ولفت إلى أن هناك إجراءات لا بد من وجودها لنجاح الحوار الوطني، أهمها رفع سقف الحريات الإعلامية واتخاذ خطوات حقيقية نحو الإفراج عن المحبوسين، وهي تحركات طبيعية لإثبات حسن النوايا، مع ضرورة وضع أسس مرتبطة بالملفات التي سيتم الحوار بشأنها ولا يتحول الأمر إلى “شو” إعلامي لا تستفيد منه السلطة ولا الأحزاب ولا الناس.
وتأخذ قوى معارضة على الحكومة عدم التركيز على الهدف الاستراتيجي المرجوّ من الحوار الوطني، وتخشى أن يتحول إلى هدف في حد ذاته ويصبح عملية سياسية تستغرق وقتا طويلا بلا سقف ما يفقده الأهمية التي راهن عليها البعض عند انطلاقه.
ويرد مؤيدون للحكومة أن تجهيز الحوار والترتيب له جزء أساسي لنجاحه، وما يتم اتخاذه من إجراءات حاليا هو بداية الطريق لتأكيد الرغبة على النجاح وليس استعراضا للعضلات السياسية أو مضايقة المعارضة، فالإعداد الجيد يقود إلى نتائج جيدة قابلة للتنفيذ.