لامركزية المحليات في مصر.. خطوة نحو التنمية تثير الغضب

مجلس النواب المصري يلزم الحكومة بإعادة هيكلة نظام الإدارة المحلية في البلاد.
الاثنين 2022/06/27
البرلمان المصري يحرج الحكومة

القاهرة - وضع مجلس النواب المصري الحكومة في مأزق بعدما ألزمها بإعادة هيكلة نظام الإدارة المحلية في البلاد، بما يسمح ببدء تطبيق اللامركزية المالية والإدارية والاقتصادية، في خطوة يراها كثيرون مقدمة لإثارة غضب الشارع، لأن استقلال القرار المحلي بعيدا عن الحكومة ومن دون تطهيرها من الفساد والبيروقراطية، مغامرة غير محسوبة العواقب، على الرغم من مزاياها التنموية.

وترتبط أزمة الحكومة بأن توسيع صلاحيات المحليات في الوقت الراهن ودون اختيار عناصر تحمل قدرا من الكفاءة والخبرة والأمانة، يتسبب في صدام مع الشارع الذي ينظر إلى الإدارات المحلية في الأقاليم باعتبارها السبب الأول في البيروقراطية والعمق الإداري وانتشار الواسطة والحصول على مبالغ مالية من المواطنين بلا وجه حق، لغض النظر عن المخالفات أو تمرير مصالح الناس.

عمرو هاشم ربيع: اللامركزية تتطلب نقل صلاحيات لا مجرد تفويض حكومي

ولا تزال الحكومة نفسها متخوفة من منح سلطات واسعة للمحليات تطبيقا للامركزية التي نص عليها الدستور المصري، وتم التصديق عليه منذ ثماني سنوات، فهي التي اعتادت اتخاذ خطوات من شأنها التعويل على الإدارات المحلية للقيام بنفس مهام الوزراء، لإدراكها أنها بذلك سوف تجازف بشعبيتها طالما أن نظرة الشارع للمحليات من الصعب أن تتغير، ولا يجب أن تضع الطرفين في مواجهة غير محسوبة.

وسئل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال أحد المؤتمرات الشبابية عن المخالفات المتجذرة التي تعج بها المحليات في البلاد، فجاءت إجابته بتساؤل استنكاري مفاده “وماذا سأفعل وحدي حيال هذا الملف؟”، ما حمل اعترافا ضمنيا بأن العديد من الإدارات ليست بنفس الكفاءة التي يروجها رئيس الدولة أو الحكومة أو الشارع.

ويهدف البرلمان من وراء تكليف الحكومة بتطبيق اللامركزية في العمل المحلي إلى رفع العبء عن المؤسسات الرسمية ودوائر صناعة القرار، بحيث يكون محافظ الإقليم بمثابة رئيس جمهورية الإقليم المسؤول عنه، ليحدد الميزانية والعوائد المالية وطريقة جلب الموارد وتوزيعها بلا عودة إلى السلطة المركزية الممثلة في الوزارات المختلفة.

ومن شأن تطبيق اللامركزية أن تنتقل بالتبعية إلى رؤساء المدن والأحياء، وهي الخطورة بعينها، وفق العديد من المراقبين الذين يرون أن هذه الخطوة، وإن كانت لها مزايا نسبية تسهل تيسير أحوال الناس، لكنها تمثل خطورة أكبر عندما يرتبط الأمر باتخاذ قرارات تضاعف الأعباء على الناس من دون حنكة سياسية وأمنية قد تفجر غضب الشارع المتذمر بطبعه.

وترى دوائر سياسية أن ترك حرية جلب عوائد مالية لميزانيات المحليات بلا رقابة الحكومة، قد يشجع رؤساء أحياء ومدن ومحافظين على تنمية الموارد من جيوب الناس، للظهور أمام صانع القرار بصورة مثالية، وأن هذه المحافظات ليست بحاجة إلى أموال من ميزانية الدولة، لكن النجاح على أكتاف الشارع مقدمة لغضب غير محسوب.

ويتزامن التكليف البرلماني للحكومة بتوسيع قاعدة اللامركزية المالية والإدارية للأحياء، مع ارتفاع نبرة الغضب في الشارع من تجاوزات واضحة في المحليات، سواء في ملف التعديات على الأراضي أو المباني المخالفة، وشكاوى من الحصول على إتاوات لتمرير تجاوزات، ثم تكتشفها الأجهزة الرقابية، وكثيرا ما تم ضبط مسؤولين محليين كبار برشاوى مالية ضخمة.

وقال السيد القصير وزير الزراعة أمام البرلمان المصري الخميس إن أزمة المباني المخالفة والبناء على الأراضي الزراعية تتشارك فيها أطراف عديدة، بينها المحليات التي لا تقوم بدورها في منع وقوف المخالفة نفسها، وهو الاتهام الذي سبق وردده رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ما يوحي بأن دوائر صناعة القرار لا ترحب باللامركزية للإدارات المحلية.

هل حان وقت التغيير؟
هل حان وقت التغيير؟

وأكد عمرو هاشم ربيع، الباحث والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن غل يد المحافظين في تقرير مستقبل الخدمات والمشروعات في الأقاليم يتعارض مع إنجاز الملفات الملحة للدولة، وهذا يتطلب وجود سلطات رقابية في المحليات لمنع التلاعب، لأن تفعيل اللامركزية بلا قواعد للمحاسبة يقود إلى مخالفات إدارية متجذرة.

وأضاف لـ”العرب” أن العمل باللامركزية يتطلب نقل صلاحيات لا مجرد تفويض حكومي، لأن استمرار مركزية العاصمة يعمق البيروقراطية والترهل الإداري وتعطيل مصالح الناس، لافتا إلى أن اللا مركزية لا تعني تفتيت الدولة، ومطلوب لها عناصر على قدر من الكفاءة كممثلين للدولة في تعاملهم مع الناس.

ويرى معارضون لما طرحه البرلمان أن تطبيق اللامركزية في مصر مطلوب وحتمي لتسريع وتيرة التنمية والتصدي للبيروقراطية المتجذرة في الجهاز الحكومي، لكن تفعيل ذلك قبل تطهير المحليات من الفساد مغامرة، لأن الحكومة بذلك ستضع الشارع في مواجهة مع مؤسسات لا رقابة عليها وتعج بالمخالفات والتجاوزات، دون أن تكون هناك مجالس شعبية تحاسبها.

ولا توجد في مصر منذ عام 2011، مجالس محلية منتخبة بعدما تم حلها بحكم قضائي بسبب مخالفات، ومنذ ذلك الحين تعهدت حكومات متعاقبة بإجراء الانتخابات المحلية، لكن ذلك لم يحدث لأسباب سياسية وأمنية، وارتفاع مخاوف السلطة من وجود ثغرات يمكن استغلالها لتسلل عناصر مناوئة للحكومة ضمن هذه المجالس.

الحكومة المصرية تبدي تخوفها من منح سلطات واسعة للمحليات تطبيقا للا مركزية التي نص عليها الدستور المصري

صحيح أن النسبة الأكبر من المحافظين من الجيش والشرطة، لكن ذلك لا يعني وصول التناغم بين الرئيس السيسي والمحليات إلى المستوى المأمول، بعدما تحولت الكثير من الأحياء إلى مراكز قوى تتحكم في مصائر الناس بشكل تجاوز حدود القانون، ما استدعى محمد شعراوي وزير التنمية المحلية إلى إجراء حركات تغيير في قياداتها على فترات متلاحقة.

ويرى متابعون أن أزمة المحليات في مصر لا ترتبط بكبار المسؤولين بقدر ما تتعلق بالموظفين الصغار، وهؤلاء أعدادهم ضخمة، ولديهم قواعد علاقات ومصالح يصعب على الحكومة ضربها بسهولة، ما يتطلب أولا مجالس شعبية منتخبة من الناس لتكون ممثلة لهم في الرقابة والمحاسبة، قبل أي تحرك رسمي لرفع العبء عن السلطة بتطبيق اللامركزية.

ومن شأن استجابة الحكومة للبرلمان أن تكون للمحافظين سلطات أكبر في تعيين مرؤوسيهم، مع أحقية الوحدات المحلية الصغيرة والكبيرة في تنمية مواردها بعيدا عن موازنة الدولة، ما يقود إلى فرض ضرائب أكبر على المواطنين بعيدا عن أخذ رأي الحكومة للإنفاق على المشروعات التنموية والخدمية، وهي السياسة التي قد تكرس فرض الجباية بشكل غير عقلاني.

وسبق أن ألمح مجلس النواب إلى إعداده مشروع قانون يمنح المحافظين والإدارات المحلية، أحقية دعم الميزانيات الخاصة للمحليات من الضرائب على العقارات والثروات وكل وسائل النقل، وغيرها، وبعد تعطيل القانون في البرلمان، وجد النواب أنه لا مانع من تطبيق نفس الأمر من خلال توجيه تكليف مباشر للحكومة بتفعيل ذلك، ولو دون غطاء تشريعي.

واعتاد الكثير من الموظفين والمسؤولين المحليين استباحة أموال المواطنين بحق ودون حق وتعطيل مصالحهم، وفي النهاية يتم توجيه غضب الناس ضد الحكومة، وعندما يتم فرض رسوم وضرائب ومتحصلات مالية يكون ذلك بطريقة تفتقد الحنكة السياسية وبلا مراعاة للأبعاد الأمنية وتأثير ذلك على علاقة الناس بالسلطة.

2