السلطات في تونس تقابل تمديد إضراب القضاة بالمزيد من التشدد تجاههم

وزارة العدل تواصل القطع من الرواتب وتلوح بإجراءات تأديبية أخرى.
الاثنين 2022/06/27
ضغط لا يثني الرئيس قيس سعيد على مواصلة مسار الإصلاحات

ردت وزارة العدل في تونس على إعلان القضاة عن تمديد إضرابهم للأسبوع الرابع تواليا احتجاجا على عزل 57 قاضيا من قبل الرئيس قيس سعيّد، بالإعلان عن استمرار الاقتطاع من رواتب هؤلاء مع التلويح بإجراءات تأديبية أخرى، ما يشير إلى صعوبة التراجع عن قرار العزل والمضي قدما نحو التشدد مع القضاة الذين يشل إضرابهم المحاكم التونسية.

تونس- أعلنت وزارة العدل التونسية أنها ستواصل العمل بالاقتطاع من رواتب القضاة، ملوحة باتخاذ إجراءات تأديبية أخرى، على خلفية إعلان هؤلاء عن تمديد إضرابهم للأسبوع الرابع تواليا، ما يجعل حالة الشلل في أروقة المحاكم التونسية تستمر.

وقالت الوزارة في بيان نُشر عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الأحد إنها ستقوم “بمواصلة تنفيذ إجراءات الاقتطاع من الراتب، عملا بقاعدة العمل المنجز، وذلك بالنسبة لمرتب شهر يوليو 2022”.

وأوضحت أن القرار يأتي على إثر الدعوة المتعلقة بمواصلة الإضراب وتعطيل العمل بالمحاكم للأسبوع الرابع على التوالي.

محمد صالح العبيدي: فرص نجاح القضاة في إرغام سعيّد على التراجع ضئيلة

وأشارت الوزارة إلى “ضرورة تطبيق القوانين الجاري بها العمل، بما في ذلك تفعيل أحكام المرسوم عدد 11 لسنة 2022، المؤرخ في الثاني عشر من فبراير 2022، وخاصة الفصل التاسع منه، وما يترتب عنه من إجراءات تأديبية”.

ويأتي ذلك بعد إعلان تنسيقية الهياكل القضائية في تونس السبت التمديد في إضراب القضاة في كامل محاكم البلاد للأسبوع الرابع على التوالي.

وجاء قرار التنسيقية في بيان مشترك لجمعيات ونقابات ممثلة للقطاع، لعدم تجاوب الرئيس قيس سعيّد مع مطالبها، ومن بينها أساسا سحب قراره بعزل 57 قاضيا بدعوى تورطهم في فساد.

ودعت التنسيقية القضاة إلى “المزيد من الثبات وإنجاح تحركاتهم في المدة القادمة”، من أجل استعادة ضمانة استقلالية القضاء وهيبته، والدفاع عن حقهم الطبيعي في التقاضي المكرس بالدستور والمعاهدات الدولية.

ويتهم القضاة المحتجون الرئيس سعيّد باحتكار السلطات وضرب استقلالية القضاء منذ قراره في فبراير الماضي بحل المجلس الأعلى للقضاء، وإصدار مرسوم بوضع مجلس مؤقت لا تعترف به جمعية القضاة التونسيين.

وأدخل الرئيس سعيّد الذي يستعد لعرض دستور جديد على الاستفتاء، تعديلا على المرسوم ذاته ليتيح لنفسه سلطة العزل بأمر غير قابل للطعن، إلا بعد صدور أحكام نهائية بشأن التهم الموجهة للقضاة.

ودخل عدد من القضاة المعزولين منذ الأربعاء الماضي في إضراب عن الطعام في مقر جمعية القضاة التونسيين، احتجاجا على قرارات الرئيس سعيّد الذي لطالما أكد أنه لن يتدخل في القضاء.

ويأتي ذلك في وقت يقول فيه مراقبون إن الرئيس سعيّد أطلق معركة تحرير القضاء بعد اتهامات متصاعدة له بالخضوع للحسابات السياسية في العشرية الماضية، خاصة إثر الفترة التي تولى فيها القيادي في حركة النهضة الإسلامية نورالدين البحيري قيادة وزارة العدل.

أمين محفوظ: لا تنصيص على الإسلام كدين للدولة

وكانت وزارة العدل كشفت في تقرير أن 13 قاضيا من بين الـ57 الذين تم عزلهم “ثبت تورطهم في تفخيخ مفاصل القضاء، ووقع توظيفهم في السنوات الأخيرة سياسيا للاستيلاء على محاضر أبحاث خطيرة متصلة بقضايا الاغتيالات والإرهاب وحتى الإجرام الاجتماعي، وتدليسها وإخفائها وعدم إضافتها إلى ملفات القضايا الخاصة بها، والتفريط في محجوز وآلات جريمة، والتخابر مع إرهابيين، والتسبب في قتل رجال حرس اخترقوا الجماعات الإرهابية، أي تورطوا في جرائم كبرى ترتقي إلى جنايات موجبة للإيقاف منذ مدة”.

ويواجه إضراب القضاة انتقادات لاذعة، خاصة أنه عرقل عمل المحاكم وسيرها لمدة لا تقل عن شهر، في وقت تقترب فيه العطلة السنوية للقضاة.

ويعتقد مراقبون أن الرئيس سعيّد لن يتراجع عن قراراته رغم الإضراب الذي يشنه القضاة، خاصة أنه أثبت من خلال عدة قرارات أخرى اتخذها، على غرار حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز هيئة جديدة مستقلة للانتخابات، أنه لا رجوع إلى الوراء، بالرغم من الضغوط الخارجية والداخلية التي يتعرض إليها.

وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن فرص نجاح القضاة في إرغام الرئيس سعيّد على التراجع ضئيلة.

وأوضح العبيدي في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن، والتي هي في الواقع تنفذ السياسات التي يضعها سعيّد، أثبتت أنها لن تتراجع بالتصعيد مع القضاة والاقتطاع من رواتبهم، وبالتالي إمكانية التراجع عن عزل 57 قاضيا صعبة الآن”.

وتشهد تونس مسارا انتقاليا دشنه الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، عندما اتخذ سلسلة من القرارات جمد بمقتضاها عمل البرلمان المنحل وأقال الحكومة السابقة المدعومة من حركة النهضة برئاسة هشام المشيشي، قبل أن يعلن عن خارطة طريق مفصلة.

وسيتم في الخامس والعشرين من يوليو المقبل إجراء استفتاء شعبي على مسودة دستور جديد، تمهيدا لانتخابات تشريعية مبكرة ستُجرى في السابع عشر من ديسمبر القادم، وذلك رغم الضغوط التي يواجهها قيس سعيّد من قبل الخارج ومن قبل خصومه في الداخل.

تنسيقية الهياكل القضائية في تونس أعلنت التمديد في إضراب القضاة في كامل محاكم البلاد للأسبوع الرابع على التوالي

وبدأت ملامح الدستور تتضح، وذلك قبيل الكشف عنه في الثلاثين من يونيو الجاري، على أن تنطلق حملة الاستفتاء في الثالث من يوليو المقبل.

وقال أستاذ القانون الدستوري وعضو الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة أمين محفوظ الأحد، إنه سيقع تغيير الفصل الأول من الدستور الذي ينص على كون الإسلام “دينا للدولة”. واعتبر محفوظ في تصريحات أوردتها إذاعة “موزاييك أف.أم” المحلية والخاصة أن الدولة كيان معنوي مجرد وليس لها دين، قائلا إن العلاقة بين الخالق والمخلوق عمودية وليست هناك أي ضرورة للتنصيص على ذلك في الدستور.

وأكد أن الحديث عن الإسلام لم يقع في أي فصل من فصول الدستور الجديد، قائلا “لا تنصيص على الإسلام كدين للدولة”.

4