الدبيبة يستثمر أزمة العبور على الحدود الشرقية للتشكيك في الدور المصري

القاهرة – تحولت مشكلة عبور الليبيين المزمنة إلى مصر عبر منفذ السلوم الحدودي إلى أزمة قابلة للمزيد من التصعيد بعد أن انتقل الحديث من المضايقات التقليدية -بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة التي تتخذها الحكومة المصرية- إلى اتهامات بـ”تهجير منظم” إلى شرق ليبيا، وهو ما يغير التركيبة الديمغرافية لهذه المنطقة الحدودية.
وانتشر فيديو بثته محطة فضائية ليبية يشير إلى خطورة هذه المسألة، وذلك دون تحديد هوية المهجّرين؛ هل هم مصريون أم ليبيون كانوا يقيمون في الأراضي المصرية منذ زمن وتزايدت أعدادهم عقب احتداد الحرب في الأراضي الليبية؟
وفسرت دوائر مصرية الحديث عن عملية تهجير منظمة تقوم بها القاهرة في هذا التوقيت بأنه “دعاية سوداء” تقوم بها حكومة الوحدة الوطنية -المنتهية ولايتها في الثاني والعشرين من يونيو- برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وأن الغرض من هذه الدعاية هو التشكيك في الدور المصري الذي انحاز إلى الحكومة التي اختارها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.
وأضافت الدوائر ذاتها لـ”العرب” أن العزف على هذا الوتر يهدف إلى التضليل وتعطيل التحركات المصرية الرامية إلى تهيئة الأجواء لتوفير دعم إقليمي ودولي لحكومة باشاغا التي لم تعلن عدة جهات عن رفضها، وفي مقابل ذلك يهدف إلى تبنّي دعم واضح لغريمه الدبيبة.
الدبيبة يريد إثارة بعض المشكلات مع مصر لوضع حد لما يسمى بعيون القاهرة في ليبيا
واستضافت مصر قبل أيام اجتماعا للجنة الدستورية وآخر للجنة العسكرية 5+5 على أمل أن يحقق ذلك اختراقا في المسارين يسمح بإجراء انتخابات تطوي صفحة الدبيبة.
ووظفت حكومة الدبيبة تكرار شكاوى الليبيين من عمليات الدخول عبر منفذ السلوم الحدودي بصورة سياسية لتؤكد أنها تدافع عن حقوقهم وأنها على استعداد لمواجهة الحكومة المصرية بأخطائها المسكوت عنها طالما سببت إجراءاتها متاعب لمواطني ليبيا.
والأربعاء الماضي اتهمت وزارة الخارجية الليبية في طرابلس السلطات المصرية بـ”إساءة معاملة” رعاياها على معبر السلوم البري الحدودي بين البلدين.
واستدعت الخارجية الليبية القائم بأعمال السفارة المصرية في طرابلس تامر مصطفى “لإبلاغه بالاستياء من الطريقة السيئة التي تتم فيها معاملة المواطنين الليبيين خلال دخولهم وخروجهم من الأراضي المصرية عبر منفذ السلوم البري”.
ولم تصمت القاهرة وردت بحدة في بيان رسمي نفت فيه ما نسب إليها، وقالت إن “الحكومة المصرية توفر كافة سبل الرعاية وحسن المعاملة للأشقاء الليبيين”.
وتؤكد مصر في خطابها الرسمي على حسن معاملة الليبيين. غير أن الواقع ينقل صورة مختلفة، لأن غالبية التصرفات السلبية غير ممنهجة وناجمة عن تقديرات موظفين بيروقراطيين قد يسيئون معاملة مواطنين من جنسيات عربية متباينة.

وحاولت الخارجية المصرية أن تحمّل نظيرتها الليبية المسؤولية، وقالت إنها أجلت اجتماعا في أواخر مايو الماضي كان سيتطرق إلى أوضاع جاليتي البلدين لتذليل العقبات، وإن بعض الأطراف تناولت بيانات غير دقيقة في محاولة لتشتيت الانتباه وصرف النظر عن موعد انتهاء خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي في جنيف وولاية حكومة الدبيبة المنبثقة عنه.
وكشفت مصادر مصرية على علاقة بالملف الليبي لـ”العرب” أن الدبيبة يحاول افتعال أزمة للوقيعة بين القاهرة وفتحي باشاغا، لأن مصر تتجاهل وزراء حكومته رغم دعمها له، ووصل الأمر أحيانا إلى رفض استقبالهم في القاهرة. وأشارت هذه المصادر إلى أن وزارة الخارجية الليبية لوحت بسحب سفير طرابلس اعتراضا على طريقة تعامل النظام المصري مع الدبيبة وحكومته.
والأحد دخلت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا على خط الأزمة وأدانت تصريحات وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية بشأن مصر، واعتبرتها “غير مسؤولة وتعد انحرافًا عن السياسة الرشيدة التي تقتضي وحدة الصف العربي والاحترام المتبادل بين الدول”.
وتفرض السلطات المصرية إجراءات أمنية مشددة على منفذ السلوم الحدودي وزادت في تضييق الخناق على دخول الليبيين خوفا من تسرب عناصر متطرفة بهويات جديدة قد يصعب اكتشافها بالطرق التقليدية، ما يجعل المنفذ بحاجة إلى تطوير.
وأدى الإسراف في الإجراءات الأمنية والمبالغة في المتحصلات والرسوم المالية إلى شعور عدد كبير من الليبيين بأن هناك استهدافا لهم، خاصة أن عددا كبيرا ممن يطرقون أبواب منفذ السلوم مرضى أو لهم عائلات تقيم في مصر.
ولا تقتصر الصرامة على الليبيين، فمن جانب القاهرة أصبحت عملية دخول مصريين إلى الأراضي الليبية صعبة جدا بعد تكرار خطف أفراد منهم على أيدي ميليشيات مسلحة، واحتمال تحولهم إلى ورقة للضغط والمساومة.
وقال المتحدث باسم الحركة الشعبية الليبية ناصر سعيد إن الخارجية الليبية تحركت مؤخرا مدفوعة بقوى إقليمية لها مصلحة في دفع الرأي العام الليبي إلى التشويش على استمرار الدور المصري وقطع الطريق على إسهاماته في تسوية الأزمة.
وأضاف لـ”العرب” أن “أزمة المواطنين الليبيين على الحدود تتناغم مع تصريحات مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني التي أعلن فيها الحرب على شرق ليبيا وقتال حكومة فتحي باشاغا والجيش الليبي لتحرير حقول النفط”، معتبرا أن ذلك “دليل على نوايا هدم مسار التسوية والرغبة في عودة البلاد إلى الحرب وعدم الاستقرار”.

ولجأت حكومة الدبيبة إلى فتح ملف إنساني لم يتم التطرق إليه بشفافية على مدار فترة طويلة حرصا على عدم توتير العلاقات مع القاهرة، وبعد وقوف الأخيرة إلى جانب باشاغا باتت قضية العبور حجرا تضرب به طرابلس عدة عصافير في آن واحد.
وتُسبب هذه الخطوة قلقا لدى سكان شرق ليبيا بعد تزامن فتح ملف العابرين مع إثارة قضية تهجير زائفة، في محاولة لتغذية هواجس حول ترتيب مصر لعملية فصل الشرق وتغيير تركيبته السكانية، وبالتالي التشكيك في دورها السياسي خلال الفترة المقبلة.
وتريد حكومة الدبيبة من إثارة بعض المشكلات مع مصر وضع حد لما يسمى بعيون القاهرة في ليبيا، وهم أشخاص كثيرون ينتشرون في عدد من الجهات المهمة في البلاد، منهم مصريون وليبيون، ويصعب اكتشافهم بسهولة ويعملون في مجالات مدنية مهمة، في الشرق والغرب والجنوب، ويمكن أن يعرقلوا توسع تركيا في ليبيا.
وعلمت “العرب” أن طرابلس -مدعومةً من تركيا وبريطانيا- تتعمد تضخيم دور هؤلاء للمزيد من إثارة المخاوف بشأن وجود مصر، وبالتالي محاربة أي دور يمكن أن تقوم به.