أفريقيا تحتاج إلى إيقاظ مكامن الطاقة النظيفة المهملة

القارة أمام تحدي جعل مشاريع القطاع أكثر جاذبية.
الثلاثاء 2022/06/21
ثبت اللوح بسرعة فلا وقت لديكم لتضيعوه

تلتقي تحليلات الخبراء والتقارير الدولية في نقطة محورية تتعلق ببطء أغلب دول أفريقيا في إجراء تعديلات جوهرية على تدفقات رأس المال وإعادة توجيه الاستثمارات إلى قطاع الطاقة وخاصة المجال الأخضر لكسب رهان الوصول إلى مسار اقتصادي وبيئي إيجابي.

باريس- تعكس تقييمات وكالة الطاقة الدولية حول الطاقة النظيفة في أفريقيا حقيقة بطء حكومات القارة في التركيز بشكل أكبر على المشاريع المستدامة لمساعدة المجتمعات الحضرية وقرى بأكملها على الاستفادة من الكهرباء خارج نطاق الشبكات المحلية.

وتتصدر اتجاهات التحول إلى مجال الطاقة الخضراء أولويات معظم حكومات العالم، لكن حجم الاستثمار والدعم المطلوب للمشاريع في هذا القطاع الواعد بأفريقيا لا يزالان يشكلان تحديا كبيرا لدول تعاني من ضائقات مالية أثرت على اقتصاداتها.

وتمتلك القارة البعض من المشاريع، التي تعد بين الأكبر في العالم في هذا المجال، لكن الأرقام تختزل أن ثمة الكثير ليفعله الأفارقة لترسيخ هذا التمشي.

فاتح بيرول: لا بد من مضاعفة الاستثمارات في هذا القطاع الواعد

وظهرت مبادرات الطاقة الشمسية مثل مجمع نور ورزازات في المغرب، ومنتزه بنبان للطاقة الشمسية في مصر، ومحطة ريدستون للطاقة الشمسية في جنوب أفريقيا، في جميع أنحاء القارة. وجذبت هذه الدول 75 في المئة من إجمالي تدفقات استثمارات الطاقة المتجددة بالقارة.

ورغم إمكان إمداد أفريقيا بأكملها بالطاقات النظيفة بحلول عام 2030 بكلفة إنشاء بضع محطات غاز مسال، فإنه منذ تفشي كورونا تراجع الوصول إلى الطاقة في القارة حيث يعيش 600 مليون شخص دون كهرباء في قارة يبلغ تعداد سكانها حوالي 1.3 مليار نسمة.

وبحسب ما أكده تقرير “آفاق الطاقة في أفريقيا لعام 2022” الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الاثنين فقد حُرم 25 مليون أفريقي إضافي من الكهرباء العام الماضي بعد أن وضع الوباء ثم الأزمة الاقتصادية حدا لعشر سنوات من التقدم.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مدير وكالة الطاقة فاتح بيرول قوله “لقد شهدنا الكثير من التطورات الإيجابية في غانا وكينيا ورواندا ودول أخرى، لكن ذلك آخذ في التراجع”.

وأكد أن عدد الأفارقة المحرومين من الكهرباء ارتفع بنحو 4 في المئة بنهاية العام الماضي مقارنة بعام 2019.

ولا يرى بيرول سببا يدعو إلى التفاؤل عندما يتطلع إلى 2022 في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والعبء الاقتصادي الذي يضعه على كاهل البلدان الأفريقية.

وفي أبريل الماضي، أشار تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة إلى أن أفريقيا تتمتع بقدرة عالمية فائقة على إحداث مبادرات الطاقة البديلة، فضلا عن إمكانات الطاقة الشمسية التي تصل إلى 7900 جيغاواط. وتؤكد الوكالة أن زيادة كفاءة استخدام الطاقة وتوسيع شبكاتها والقدرات المتجددة هي أسس مستقبل الطاقة في القارة.

وتمتلك أفريقيا 60 في المئة من موارد الطاقة الشمسية في العالم، لكن يوجد بها واحد في المئة فقط من المنشآت الكهروضوئية، أي أقل من هولندا.

ويعتقد معدو تقرير الوكالة أنه يجب أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة المنتجة من الرياح والسدود والطاقة الحرارية الأرضية، 80 في المئة من القدرة الكهربائية بنهاية العقد الحالي لتحقيق الأهداف الطاقية والمناخية.

ولكن لبلوغ ذلك الهدف يؤكد بيرول أنه “يتطلب مضاعفة الاستثمارات في هذا القطاع الواعد”.

وقال “يجب أن تحصل المؤسسات المالية الدولية ولا سيما بنوك التنمية متعددة الأطراف على تفويض قوي من البلدان لجعل أفريقيا أولوية مطلقة ما من شأنه جذب رأس المال الخاص”.

لكن حاليا تتلقى أفريقيا حوالي سبعة في المئة فقط من تمويل الطاقة الخضراء الذي تقدمه الاقتصادات المتقدمة إلى البلدان النامية.

وخلال العقدين الماضيين لم تجذب أفريقيا سوى 2 في المئة من 2.8 تريليون دولار مستثمرة في مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم وتمثل 3 في المئة فقط من قدرة الطاقة البديلة الحالية في العالم.

ويرى بيرول أنه “يمكن حلّ مسألة الوصول إلى الطاقة بحلول نهاية هذا العقد باستثمار سنوي قدره 25 مليار دولار، وهو المبلغ اللازم لبناء محطة جديدة للغاز الطبيعي المسال كل عام”.

ويردف “نقرأ في الصحف كل يوم أن دولة ما تبني محطة للغاز الطبيعي المسال، ومحطة أخرى تلو الأخرى… بنفس الكلفة يمكننا حل مشكلة الطاقة في أفريقيا، لذلك الأمر في متناول أيدينا”.

وبشكل غير متوقع في سياق الدعوة للتخلي عن الكربون، تسلط الوكالة الدولية للطاقة الضوء على الدور المحتمل للغاز، ولكن فقط للاستخدام الانتقالي والمحلي لإنتاج الأسمدة الزراعية والإسمنت وتحلية مياه البحر.

ويقول بيرول إن أفريقيا لديها العديد من حقول الغاز الطبيعي المكتشفة ولم يتم استغلالها بعد. وفي حال استغلالها فإنها ستوفر 90 مليار متر مكعب سنويا تخصص لإنتاج الأسمدة الزراعية والإسمنت ومياه الشرب من مياه البحر والعديد من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

ووفق الإحصائيات التي رصدتها الوكالة فإن أفريقيا تمثل أقل من 3 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وإذا تم استغلال هذا الغاز فسوف تبقى حصتها أقل من 3.5 في المئة في حين أنه يقطنها 20 في المئة من سكان العالم.

وقال بيرول لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “بالنسبة إلى الغاز فكما هي الحال بالنسبة إلى كل شيء، لا يمكننا وضع أفريقيا في نفس السلة مع الآخرين”.

وتابع “فلنأخذ التحضّر مثالا، سيبنى 70 مليون مبنى سكني هناك بحلول 2030، ويتطلب ذلك الإسمنت والصلب، ولا يمكن إنتاجهما باستخدام الطاقة الشمسية فقط” في مستواها الحالي.

ومع كل هذا البطء في استغلال حكومات أفريقيا لموارد الطاقة النظيفة المهملة فإن التحول العالمي إلى الطاقة الخضراء يبشر بالخير.

فوفق خبراء الوكالة فإنه بعد أن عانت إلى حد كبير من الوقود الأحفوري من جهة تكلفته ودوره في ظاهرة الاحتباس الحراري، يمكن أن تكون القارة من بين “المستفيدين الأوائل” من هذا الفصل الجديد نظرا لإمكانياتها الشمسية والفرص الصناعية المرتبطة بالاحتياجات للمعادن والهيدروجين الأخضر.

أفريقيا تمتلك 60 في المئة من موارد الطاقة الشمسية في العالم، لكن يوجد بها واحد في المئة فقط من المنشآت الكهروضوئية، أي أقل من هولندا

وتختزن أفريقيا 40 في المئة من احتياطيات العالم من المعادن الاستراتيجية الضرورية لصناعة السيارات الكهربائية ودوارات توربينات الرياح.

ويضيف مدير الوكالة “لا تزال هناك مخزونات ضخمة غير مكتشفة لكن كل ذلك سيتطلب دراسات جيولوجية جديدة وحكومات قوية وبذل قصارى الجهد لتقليل التداعيات الاجتماعية والبيئية لأنشطة التعدين”.

أما بالنسبة إلى الهيدروجين المنتج بالكهرباء المتجددة، فسيكون مطلوبًا بشدة في أنحاء العالم لإزالة الكربون من الصناعة والنقل الثقيل.

وبحلول 2030 سيكون الهيدروجين المتجدد المنتج في أفريقيا أرخص من المنتج في أوروبا بما في ذلك تكاليف الشحن، وفق فاتح بيرول الذي يأمل أن “يضع مؤتمر الأطراف الأممي (كوب27) الذي سيعقد بمصر في نوفمبر القادم التقدم في مجال الطاقة في أفريقيا في محور النقاشات”.

11