اتحاد الشغل ينتشي بنجاح الإضراب في خضم أزمة مالية تعصف بتونس

تونس - أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الخميس نجاح إضراب القطاع العام بنسبة مشاركة بلغت 96.22 في المئة، في خضم تصاعد الخلافات مع الحكومة ورئيس الجمهورية قيس سعيّد.
وأوقفت دعوات الإضراب من جانب الاتحاد، الذي يتمتع بنفوذ قوي، العمل في أغلب أرجاء البلاد اليوم الخميس، احتجاجا على خطط الإصلاح الاقتصادي الحكومية في تحد جديد للرئيس، بينما تلوح في الأفق أزمة مالية.
وطالب الطبوبي في كلمته، على هامش مشاركته في الإضراب بالعاصمة تونس، الحكومة بـ"تعديل المقدرة الشرائية وزيادة رواتب العاملين في القطاع العام".
وأضاف "طالبنا باحترام الاتفاقيات المتعلقة بالمفاوضات الاجتماعية، ولو كانت الحكومة جدية لبحثت عن مخرجات وحلول لمطالبنا".
وأفاد بأن "العاملين في القطاع العام لم يستفيدوا بزيادة في رواتبهم منذ سنة 2020".
وأردف "يتهموننا بالخيانة (دون تسمية أي جهة)، ولكن الخيانة العظمى هي عندما يتم التراجع عن الاتفاقيات وحقوق العمال".
وذكر أن الاتحاد "ليس ضد الإصلاحات، ولكن ضد السياسة الممنهجة الممولة من الخارج لضرب القطاع العام والتفويت في المؤسسات العمومية"، وفق تقديره.
واستطرد "سنواصل النضال من أجل الحقوق العامة والفردية والحريات، وفي مقدمتها الحق النقابي، فحق الإضراب خط أحمر".
ولم يصدر تعليق فوري حول هذا الإعلان من السلطات التونسية، التي تتجه إلى مراجعة رواتب موظفي القطاع العام، ضمن رزمة إصلاحات اقتصادية.
ويأتي الإضراب في ظل أزمة اقتصادية تعانيها تونس هي الأسوأ منذ الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، جراء عدم الاستقرار السياسي منذ ثورة 2011، وتداعيات جائحة كورونا، وسط مطالب بإصلاحات اقتصادية.
وبحسب بيانات حكومية، يبلغ عدد الموظفين العموميين حتى 2021، نحو 661.7 ألفا، بإجمالي فاتورة رواتب سنوية تبلغ نحو 6.8 مليار دولار، تعادل قرابة 35 في المئة من إجمالي ميزانية البلاد السنوية.
وسابقا أعلن صندوق النقد الدولي أن على تونس "الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، القيام بإصلاحات عميقة جدا، لاسيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يبلغ أحد أعلى المستويات بالعالم".
ويكثف أول إضراب يدعو إليه الاتحاد منذ 2019 الضغوط على سعيّد الذي أحكم قبضته على السلطة منذ يوليو 2021، عندما جمد عمل البرلمان وعزل الحكومة، وهي خطوات يصفها معارضوه بالانقلاب على التحول الديمقراطي الوليد في تونس.
وقال رمزي حسني، الموظف بقطاع النقل العام، "سعيّد لا يستمع إلا لنفسه... هو مشروع دكتاتور"، وهو "يهمل الاقتصاد، وتركيزه منصب فقط على السياسة، رغم أن التونسيين يعانون من تراجع القوة الشرائية وتزايد الفقر".
وأضاف حسني، وهو واحد من مئات تجمعوا في مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، "نحن هنا لرفض إملاءات صندوق النقد الدولي".
وقال متحدث باسم الحكومة الأربعاء إن الإضراب سيلحق خسائر كبيرة بتونس، وإن مطالب الاتحاد غير قابلة للتنفيذ.
ويقول الاتحاد الذي يضم مليون عضو إن هدف الإضراب اقتصادي وليس سياسيا.
ومع ذلك اندلعت توترات في الفترة الأخيرة بين الاتحاد والحكومة. وقال زعيم الاتحاد في وقت سابق هذا الشهر إن السلطات تستهدف الاتحاد بعد رفضه المشاركة في محادثات بشأن دستور جديد، يهدف سعيّد إلى إجراء استفتاء عليه الشهر المقبل.
ورحب العديد من التونسيين بتدخل سعيّد في يوليو الماضي، بعد أن سئموا من المشاحنات السياسية والشلل في وضع السياسات والمصاعب الاقتصادية، غير أنه يواجه معارضة متزايدة من قبل بعض القوى السياسية. ويخوض القضاة إضرابا منذ الرابع من يونيو بعد أن أقال العشرات منهم.
ووصف سعيّد إجراءاته منذ يوليو بأنها تصحيحية لمواجهة الخلل السياسي والفساد. ويأمل في طرح دستور جديد للاستفتاء في الخامس والعشرين من يوليو.
وتمضي جهوده لإعادة تشكيل النظام الحاكم في تونس على خلفية تفاقم الوضع الاقتصادي.
ويكافح التونسيون ارتفاعا في الأسعار، حيث وصل معدل التضخم إلى مستوى شبه قياسي عند 7.8 في المئة في مايو. ورفعت الحكومة أسعار الوقود أربع مرات هذا العام.
ويعيش حوالي 22 في المئة من السكان في فقر، أو على أقل من دولارين في اليوم، مقارنة مع 14 في المئة في عام 2010، قبل عام على انتفاض التونسيين ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، فيما أدى إلى اندلاع ثورات الربيع العربي التي غذتها الشكاوى السياسية والاقتصادية.
ويعتمد الاقتصاد إلى حد بعيد على السياحة، وتعرض لضربة قوية بسبب جائحة فايروس كورونا، قبل أن تفاقم الحرب في أوكرانيا الضغوط على المالية العامة، والتي تقول الحكومة إنها تدهورت بسبب عوامل، من بينها الزيادة الحادة في أسعار الحبوب والطاقة.
وقال مسؤول حكومي هذا الأسبوع إن من المتوقع أن يلتقي مدير منطقة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي مع سعيّد ورئيسة الوزراء نجلاء بودن، خلال زيارة تستغرق يومين إلى تونس الأسبوع المقبل.
وتسعى الحكومة للحصول على قرض من الصندوق لتجنب الإفلاس المالي، وللسماح لها بالوصول إلى تمويل خارجي آخر.
وحذر محافظ البنك المركزي مروان العباسي من أن تونس إذا عجزت عن تدبير التمويل، فإنها ستواجه سيناريو مثل سيناريو لبنان وفنزويلا، حيث انهارت المالية العامة.