احتجاجات على غلاء الأسعار تتصدر الحراك الشعبي في الضفة الغربية

تواجه السلطة الفلسطينية موجة احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة ما يعكس ضعف أدائها الاقتصادي الذي يرجعه مراقبون إلى تذبذبها السياسي ولعبها على حبل التحالفات الإقليمية، ما أفقدها مساعدات مالية دولية وعربية كانت تلعب دورا مهما في ضبط الأوضاع الاجتماعية.
رام الله - تشهد الضفة الغربية تصاعدا لافتا في وتيرة الاحتجاجات على غلاء الأسعار وباتت تتصدر الحراك الشعبي في وقت تواجه فيه الحكومة الفلسطينية واحدة من أسوأ أزماتها المالية.
وسجلت المواد الأساسية والغذائية والمحروقات وغيرها ارتفاعا قياسيا في أسعارها خلال الأشهر الأخيرة في ظل ركود اقتصادي تشهده الأراضي الفلسطينية نتيجة الأزمة المالية الحكومية وتأثيرات أزمة فايروس كورونا فضلا عن الحرب الروسية على أوكرانيا.
واحتجاجا على ذلك تنظم مجموعات شبابية ونقابات تظاهرات واعتصامات في عدد من المدن أبرزها الخليل التي تعد مركز الأنشطة الاقتصادية في الضفة الغربية.
ويقول رئيس نقابة عمال النقل في جنوب الضفة الغربية توفيق الدويك إن دعوات الاحتجاج تلقى تجاوبا متزايدا من العشرات من العمال الذين يتركون أعمالهم للنزول إلى الشارع والتعبير عن استيائهم مما وصلت إليه الأحوال الاقتصادية المتردية.

صلاح هنية: غياب حلول حكومية خلاقة لمعالجة أزمة ارتفاع الأسعار
ويوضح الدويك أن الضفة الغربية تشهد ارتفاعا قياسيا في الأسعار طال جميع السلع الاستهلاكية في غياب رقابة حكومية فاعلة وعدم التدخل الحاسم لضبط المشهد التجاري، وفي مقابل رواتب ثابتة لا تسد المتطلبات المعيشية. ويشير إلى أن سعر لتر البنزين ارتفع إلى حوالي دولارين فيما يصل سعر أسطوانة الغاز وزن 12 كيلوغراما إلى حوالي 20 دولارا وهو ما يزيد الأعباء الاقتصادية المتردية أصلا.
ويقول منسق حراك “بدنا نعيش” الشبابي رامي الجنيدي إن الاحتجاجات على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار يتم الحشد الشعبي لها على مواقع التواصل الاجتماعي بجهد شبابي ونقابي.
ويبرز الجنيدي أن الاحتجاجات تأتي “رفضا لتنصل الحكومة من اتفاقياتها مع اللجان الشبابية والنقابات بشأن دعم السلة الغذائية للمواطن، والصمت على رفع الأسعار الذي طال غالبية المواد الأساسية والغذائية”.
ويعتبر الجنيدي أن “من واجب الحكومة إيجاد الحلول اللازمة لغلاء المعيشة الحاصل في ظل عجزها عن سداد الرواتب كاملة للموظفين أو توفير فرص عمل، وإلا فإن عليها الرحيل”.
وبينما يربط مسؤولون حكوميون غلاء المعيشة بالتطورات الاقتصادية العالمية، يقول نقابيون إن الارتفاع الحاصل في أسعار السلع الأساسية في أسواق الضفة الغربية لا يتناسب مع الارتفاعات العالمية بحيث يصل إلى ما بين 25 و30 في المئة.
وأعلنت وزارة الاقتصاد الفلسطينية قبل شهرين إعفاء مبيعات الطحين من ضريبة القيمة المضافة لمواجهة ارتفاع الأسعار، مع تكثيف جولات المراقبة الميدانية على الأسواق والمتاجر واتخاذ عقوبات بحق التجار المخالفين.
ورغم ذلك فإن أسعار الخبز سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق في الضفة الغربية لتصل إلى حوالي 1.4 دولار للكيلوغرام الواحد.
وتستورد الأراضي الفلسطينية أكثر من 90 في المئة من احتياجاتها للسلع الأساسية، منها نحو 55 في المئة من إسرائيل بحسب إحصائيات حكومية رسمية.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قفز العجز التجاري الفلسطيني في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 52 في المئة على أساس سنوي، فيما بلغ الفرق بين الصادرات والواردات نحو 595 مليون دولار.
ويعود هذا الارتفاع الكبير في قيمة العجز التجاري إلى قفزة في قيمة الواردات، جراء الارتفاع الكبير في أسعار السلع، خصوصا السلع الغذائية مثل الحبوب والزيوت النباتية والمحروقات.
ويقول رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية إن الارتفاع الحاصل في الأسعار الأساسية يفوق بشدة القدرة الشرائية للمستهلكين في ظل غياب حلول حكومية خلاقة لمعالجة الأزمة.
ويشير هنية إلى أن الأراضي الفلسطينية تأثرت سلبا بتداعيات حرب أوكرانيا وتعقد سلسلة التوريدات فضلا عن أنها بلد يستورد التضخم ولا يملك أي مقومات للإنتاج تقريبا.
وينبه إلى أن الاحتجاج الشعبي المتصاعد سببه بشكل أساسي الغضب من تآكل الطبقة الوسطى واتساع قاعدة الفقراء ومحدودي الدخل في المجتمع في غياب أي نوع من المساءلة والرقابة البرلمانية للأداء الحكومي.
وتشتكي الحكومة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة عجزت معها عن دفع رواتب كاملة لموظفيها الحكوميين في القطاعين العسكري والمدني منذ ستة أشهر بفعل غياب المساعدات الخارجية وتصاعد أزمة الضرائب مع إسرائيل.
وكانت الحكومة الفلسطينية أقرت في الحادي والثلاثين من مارس الماضي مشروع قانون الموازنة العامة للعام الجاري بعجز قدره 558 مليون دولار.
وذكر بيان صادر عن الحكومة في حينه أنه تم إقرار الموازنة للسنة المالية 2022 بإجمالي إيرادات متوقعة قدرها 4.771 مليار دولار، وبإجمالي نفقات قدرها 5.851 مليار دولار.
وتوقعت الحكومة دعما من الدول المانحة لعام 2022 بقيمة 523 مليون دولار، منها 300 مليون للمشاريع و200 مليون للموازنة، علما أن المنح للخزينة الفلسطينية العام الماضي بلغت 188 مليون دولار.
وصرح وزير المالية الفلسطينية شكري بشارة بأن الخصومات والاقتطاعات الإسرائيلية من أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة) تمثل ثلث العجز السنوي للحكومة، في وقت تجاوز المبلغ التراكمي للخصومات منذ العام 2019 حتى اليوم 500 مليون دولار.
وزارة الاقتصاد الفلسطينية تقرر إعفاء مبيعات الطحين من ضريبة القيمة المضافة لمواجهة ارتفاع الأسعار مع تكثيف جولات المراقبة الميدانية على الأسواق والمتاجر
وأبلغ بشارة مؤتمر المانحين الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل مطلع يونيو بأن “مماطلة إسرائيل في تسوية واسترداد الحقوق الفلسطينية سيؤديان إلى إحداث خلل في التوازن المالي العام للسلطة الفلسطينية والإيفاء بالتزاماتها بشكل كامل، وسط تراجع حاد للمساعدات الدولية”.
ويقول الخبير الاقتصادي من رام الله سمير عبدالله إن الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية تعد غير مسبوقة بفعل الانحسار الشديد للمساعدات الخارجية والقيود المفروضة عليها بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية الملحقة باتفاقيات أوسلو للسلام مع إسرائيل.
ويشير عبدالله إلى أن اتفاق باريس يربط السلطة الفلسطينية بغلاف جمركي موحد مع إسرائيل في ظل هوة واسعة في الناتج المحلي والقدرات الاقتصادية بين الجانبين، ما يجعل الاقتصاد الفلسطيني مرهونا بنظيره الإسرائيلي.
وينبه إلى أن المطالب الفلسطينية المستمرة منذ سنوات بتعديل اتفاقية باريس التي كان يفترض أن تكون مرحلية وتستمر لخمسة أعوام فقط لم تلق أي استجابة من إسرائيل ما يجعل الاقتصاد الفلسطيني رهنا للأمر الواقع وبالتالي التعايش مع الأزمات فقط لا حلها.
ويعد إنهاء اتفاقية باريس الاقتصادية أحد أبرز الشعارات التي تتبناها المجموعات الشبابية والنقابات في الاحتجاجات الشعبية بوصفها “السيف المسلط على رقاب المواطنين الفلسطينيين”.